موسوعة التفسير

سُورةُ المائِدَةِ
الآيتان (46 - 47)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ

غريب الكلمات:

وَقَفَّيْنَا: أي: أتْبَعْنا، وأَرْدَفْنا، مأخوذٌ من القَفا؛ يُقال: قَفَوْتُ الرجلَ: إذا سرتَ في أثَرِه [923] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 57)، ((المفردات)) للراغب (ص: 680)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 19). .
عَلَى آثَارِهِمْ: أي: على آثارِ الأنبياءِ، وأثَرُ الشيءِ: حُصولُ ما يدلُّ على وجودِه، وأَصْلُ (أثر): رَسْمُ الشَّيءِ الباقِي [924] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/53)، ((المفردات)) للراغب (ص: 62)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 738). .
لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ: لِمَا قبْلَه، أو لِمَا كان مُتقدِّمًا له من الإنجيلِ ونحوِه [925]  يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 361)، ((المفردات)) للراغب (ص: 156). .
مَوْعِظَةً: الموعظةُ والوَعْظُ: التخويفُ، أو الزجْرُ المُقترِنُ بتَخويف، أو التَذكيرُ بالخَيرِ وما يَرِقُّ له القَلبُ، وقيل: ما يَدْعُو إلى الصَّلاحِ بطريقِ الرَّغبةِ والرَّهْبةِ؛ فالوَعْظُ هو الأمرُ أو النَّهيُ المقترِنُ بما يَحمِلُ على الامتِثالِ مِن التَّرغيبِ أو التَّرهيب [926] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 411)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/126)، ((المفردات)) للراغب (ص: 876)، ((تفسير الخازن)) (2/448)، ((تفسير ابن كثير)) (1/631)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 80). .

مشكل الإعراب:

قوله: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.
مُصَدِّقًا: منصوبٌ على أنَّه حالٌ مِن عِيسَى عليه السَّلام.
فِيهِ هُدًى: جملةٌ في مَحلِّ نَصبٍ، حالٌ مِنَ الْإِنْجِيلَ.
ومُصَدِّقًا: مَنصوبٌ عَطفًا على مَحلِّ فِيهِ هُدًى، والمعطوفُ على الحالِ حالٌ؛ فهي في حُكمِ الحال أيضًا مِن الْإِنْجِيلَ.
وَهُدًى وَمَوْعِظَةً: اسْمانِ مَعطوفانِ على وَمُصَدِّقًا؛ فهُما في حُكمِ الحالِ مِن الإِنْجِيلَ أيضًا، أي: وآتيناهُ الإنجيلَ هاديًا وواعظًا، أو مَعطوفانِ على مُصَدِّقًا الأُولى؛ فهُما في حُكمِ الحالِ مِن عِيسَى، أي: ذا هُدًى وذا مَوعظةٍ. ويَجوزُ أن يكونَ (هُدًى) مَفعولًا مِن أجلِه والعامِلُ فيه مُقدَّرٌ؛ كأنَّه قيل: وللهُدَى والموعظةِ آتيناهُ الإنجيلَ [927] ينظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/639)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/440)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/283- 285) ((المجتبى من مشكل إعراب القرآن)) للخراط (1/231). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ تعالى أنَّه أَتْبعَ الأنبياءَ والمرسَلين- الذين يَحكُمون بالتوراةِ- بعِيسى ابنِ مريمَ عليه السَّلامُ، مُؤمِنًا بما في التوراةِ، ومُؤيِّدًا لها، وشاهدًا على أنَّ التوارةَ حقٌّ، وآتاه اللهُ الإنجيلَ فيه هدًى ونورٌ، شاهدًا وموافقًا لِمَا في التوارة، وبيانًا للحقِّ، وزاجرًا للمتَّقينَ عن ارتكابِ المحرَّماتِ والآثامِ.
ويأمر اللهُ سُبحانَه أنْ يَحكُمَ النصارى بما أنزَل في الإنجيل، فالله عز وجل أنزَله على عيسَى عليه السَّلام؛ ليُقيموه ويتحاكموا إليه، ويؤمنوا بجميعِ ما فيه، ومنه البشارةُ ببعثةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والأمرُ بالإيمانِ به واتباعِه، وأخْبَر تعالى أنَّ مَن لم يحكُمْ بما أَنزلَ اللهُ فأولئك هم الفاسِقون.

تفسير الآيتين:

وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46).
مناسَبَةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا ذكَر تعالى أنَّ التوراةَ يَحكُم بها النَّبيُّون، ذكَر أنَّه قفَّاهم بعِيسى؛ تَنبيهًا على أنَّه من جُملةِ الأنبياء، وتنويهًا باسمِه، وتنزيهًا له عمَّا يدَّعيه اليهودُ فيه، وأنَّه من جملة مصدِّقي التوراةِ [928] ينُظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/277). ، فقال:
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ.
أي: وأتْبَعْنا هؤلاءِ الأنبياءَ والمرسَلين، الذين يَحكُمون بالتَّوراة، بعيسى عليه السَّلامُ، فبعثناه عَقِبَهم نبيًّا رسولًا شاهدًا على أنَّ التوراة حقٌّ، مؤيِّدًا لها ومؤمنًا بها، وحاكِمًا بشريعتها فيما لم يَنسخْه الإنجيلُ [929] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/482)، ((تفسير ابن كثير)) (3/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 233- 234)، ((تفسير ابن عاشور)) (6/219)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/457- 458). قال ابنُ عُثَيمين: (وتَصديقُه لِمَا بين يديه مِن التَّوراةِ له معنيانِ: المعنى الأوَّل: أنَّه يُصدِّق التَّوراةَ، ويَشهَد أنَّها حقٌّ. المعنى الثاني: أنَّه يُصدِّقُ خبرَها، ويشهد بوقوعِ ما أخبرتْ به، حيث كان عيسى ابنُ مريمَ عليه السَّلام مذكورًا فيها) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/458). .
وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ.
أي: وأَنزلْنا إليه كِتابَنا المسمَّى بالإنجيلِ، فيه هُدًى إلى الحقِّ، ونورٌ يُستضاءُ به من ظُلماتِ الشُّبهاتِ، وعمَى الجَهالةِ [930] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/482)، ((تفسير ابن كثير)) (3/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 234)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/458). .
وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ.
أي: مثبِتًا وشاهدًا وموافِقًا لها، ومشتمِلًا على أحكامِها، إلَّا ما نسخَه منها [931] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/482- 483)، ((تفسير ابن كثير)) (3/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 234). .
وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.
أي: وجعَلْنا الإنجيلَ هدًى وبيانًا للحقِّ، وزاجرًا عن ارتكابِ المحارم والمآثمِ للمتَّقينَ الذين يمتَثِلون ما أمرَ اللهُ تعالى به، ويجتَنِبون ما نهَى عنه؛ فهم الذين ينتفعونَ بالهدَى، ويتَّعظونَ بالمواعظِ، ويرتدعونَ عمَّا لا يَنبغي [932] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/483)، ((تفسير ابن كثير)) (3/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 234). .
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47).
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسير:
في قوله تعالى: وَلْيَحْكُمْ قراءتان [933] قال ابنُ جرير: (والذي يَتراءَى في ذلك: أنَّهما قِراءتانِ مَشهورتانِ متقاربتَا المعنى، فبأيِّ ذلك قرأَ قارئٌ فمصيبٌ فيه الصوابَ؛ وذلك أنَّ الله تعالى لم يُنزل كتابًا على نبيٍّ من أنبيائه إلَّا لِيَعمَلَ بما فيه أهلُه الذين أُمروا بالعملِ بما فيه، ولم يُنزله عليهم إلَّا وقد أمَرَهم بالعمل بما فيه) ((تفسير ابن جرير)) (8/484). :
1- وَلِيَحْكُمَ بجَعْل اللامِ لامَ (كي)، فالمعنى: أنَّ الله عزَّ وجلَّ أنزل الإنجيلَ؛ لكي يحكُمَ أهلُ الإنجيلِ بما فيه [934] قرأ بها حمزة. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 223). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (8/483)، ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 131). .
2- وَلْيَحْكُمْ بِجَعْل اللامِ (لامَ الأمر)، فالمعنى: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أَمَرَ أهْلَ الإنجيلِ بالحُكْمِ بما أنزَلَه في الإنجيلِ [935] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 223). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 131)، ((الكشف)) لمكي (1/411). .
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ
أي: وآتَيْنا عيسى عليه السَّلامُ الإنجيلَ لِيَحْكُمَ أهلُ ملَّته به، فلْيؤمِنوا بجميعِ ما فيه، ولْيُقيموا ما أُمِرُوا به فيه، وممَّا فيه البشارةُ ببَعثةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والأمرُ بالإيمانِ به واتِّباعِه [936] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/484- 485)، ((مجموع الفتاوى))  لابن تيمية (13/103)، ((تفسير ابن كثير)) (3/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 234)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/463- 464). .
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
أي: إنَّ الذين لم يَحكُموا بما أَنزلَ اللهُ تعالى في كِتابِه من النَّصارى وغَيرِهم، خارجونَ عن طاعةِ ربِّهم، تارِكونَ للحقِّ، مائِلونَ إلى الباطلِ [937] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/485)، ((تفسير ابن كثير)) (3/127). وقال ابنُ عُثَيمين: (قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ... هل الفسقُ هنا فِسقُ معصيةٍ أو فِسق كُفر؟ لأنَّ الفسقَ قد يكون فِسقَ كُفرٍ وفِسقَ مَعصيةٍ؛ هذا على حسبِ الحال... فمَن حَكَم بغير ما أنزل الله عادلًا عن حُكمِ الله، زاعمًا أنَّه يُساوي حُكم الله أو أنفعُ، فهذا كافرٌ، ... ومَن حَكَم بغير ما أنزل الله لهوًى في نفسه، فهذا فاسقٌ) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/464). .

الفوائد التربوية:

الحثُّ على التقوى، وأنَّها سببٌ لكلِّ خيرٍ، ولكلِّ عِلمٍ؛ لقوله: وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، ولا شكَّ أنَّ التَّقوى: هي أساسُ العملِ؛ لأنَّ مَن لم يتَّقِ اللهَ لا يعمَل، ومَن اتقى الله عمِلَ بأوامرِ الله حسَبَ ما عنده من التَّقوى [938] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/463). ، لذا خصَّ الهُدَى والموعظةَ بكونهما للمُتَّقينَ؛ لأنَّهم هم الذين يَنتفعونَ بهما، وكلَّما زادتِ التَّقوى في الإنسانِ زاد اتِّعاظُه بالكتُب السَّماويَّة [939] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/463). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- أنَّ عِيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ آخِرُ الأنبياءِ؛ لقوله: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وليس بعدَه نبيٌّ يقفوه إلَّا محمدُ بنُ عبد اللهِ الهاشميُّ القرشيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ ولهذا جعله قافيًا لمن سبَقَه، ولو كان هناك نبيٌّ بعدَ عيسَى عليه السلامُ لكان هو المقَفَّى [940] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/460)، وينظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/28). .
2- أنَّ مَن ليس له أبٌ يُنسَبُ إلى أمِّه؛ لقوله: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فنُسِبَ عيسى ابنُ مريم إلى أمِّه؛ لأنَّه ليس له أبٌ، ومن أمثلة الذي ليس له أب: أنْ يزنيَ رجلٌ بامرأةٍ فتأتي منه بولدٍ؛ فهنا الولدُ ليس للزاني، ومنها: أنْ يُلاعِنَ الرجلُ امرأتَه لاتِّهامِه إيَّاها بالزِّنا، ويَنتفي مِن وَلَدِها، فيقول: ليس الولدُ منِّي، فحينئذٍ يكون له أمٌّ وليس له أبٌ [941] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/461)، ((تفسير الشربيني)) (1/378). .
3- في نِسبة عيسى عليه السَّلامُ إلى أمِّه في قولِه: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إشارةٌ إلى أنَّه لا والدَ له؛ تكذيبًا لليهودِ فيما افْتَرَوه على أُمِّه مريمَ، وإشارةٌ إلى أنَّه عبدٌ مربوبٌ؛ تكذيبًا للنَّصارى في إضافتِهم بنوَّتَه إلى اللهِ سبحانَه وتعالَى، فهو عليه السَّلام ابْنُ أُمِّه مَرْيَمَ [942] ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/407)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/158) .
4- يُستفادُ مِن قولِه: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ التنويهُ بعظمةِ التوراة وفضلِها وشرَفِها؛ لأنَّه ذُكِر في هذه الآية: أنَّ عيسى مصدِّقٌ لِمَا بين يَدَيه من التوراة، وأنَّ الإنجيلَ أيضًا مصدِّقٌ لِمَا بين يديه من التوراةِ [943] ينظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/160)، ((تفسير الشربيني)) (1/378)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/462)، ((تفسير ابن عادل)) (7/361). .
5- أنَّ الإنجيلَ مُنْزَلٌ من عند الله؛ لقوله: بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وهو صريحٌ جدًّا في قول الله تبارك وتعالى: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ [آل عمران: 3-4] ، وعلى هذا فيكونُ الإنجيلُ من كلامِ الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه نزَلَ مِن عنده، وهو كلامٌ مُوحًى، والكلامُ إذا أُضيفَ إلى المتكلِّمِ فهو كلامُه [944] ينظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/466). .

بلاغة الآيتين:

1- قوله: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ في ذِكْرِ عَلَى آثَارِهِمْ تأكيدٌ لمدلولِ فِعل قَفَّيْنَا، وإفادةُ سُرعةِ التَّقْفِيَةِ [945] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/218). .
2- قوله: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ فيه: إيجازٌ بالحذفِ، والتقدير: وقُلْنا: ليَحكُمْ أهلُ الإنجيل؛ فيكونُ هذا إخبارًا عمَّا فُرِض عليهم في ذلِك الوقت من الحُكم بما تَضمَّنه الإنجيلُ، ثم حُذِف القول؛ لأنَّ ما قَبلَه مِنْ قَوْلِه: وَكَتَبْنَا وَقَفَّيْنَا يدلُّ عليه، وحَذْفُ القولِ كثيرٌ [946] ينظر: ((تفسير الرازي)) (12/370). .
3- قوله: بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فيه: وضْعُ الموصولِ (ما) موضعَ الضَّميرِ (به) في قولِه: بِمَا؛ للتنبيهِ على عِلِّيَّةِ ما في حيِّزِ الصِّلةِ للحُكم، وفيه التفاتٌ بإظهارِ الاسمِ الجليلِ؛ لتربيةِ المهابةِ، والإشعارِ بعِلَّة الحُكم [947] ينظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/45). .
4- قوله: فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ الجملةُ تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمون الجُملة السابقة، ومؤكِّدٌ لوجوبِ الامتثالِ بالأَمْرِ [948] ينظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/44). .