موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيتان (21- 22)

ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ

غريبُ الكَلِماتِ:

حَبِطَتْ: بطَلتْ، وأصلُ الحبْط: هو أنْ تُكثِر الدَّابَّةُ أكلًا حتَّى يَنتفخَ بطنُها يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 186)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/129)، ((المفردات)) للراغب (ص: 216)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 106). .

المَعنَى الإجماليُّ :

يُخبِرُ اللهُ تبارَك وتعالَى- ذامًّا- الَّذين كفَروا بآياتِه, ولم يَكتَفُوا بذلك، بل أَمعَنوا في طُغيانهم، وازدادوا في ضَلالِهم, فقتَلوا أنبياءَ الله ورُسلَه بغير جُرمٍ ولا جَريرةٍ، وقتَلوا كذلك مَن يدعو إلى العدلِ، ويأمُرُ بالمعروف ويَنهى عن المنكر مِن عبادِ الله؛ فأمَرَ اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُخبِرَهم بما ينتظرُهم من عذابٍ أليم, وعقابٍ موجِعٍ, جزاءً على كُفرِهم وسيِّئِ أعمالِهم.
وأخبَر سبحانه وتعالى أنَّ أعمالَ هؤلاء باطلةٌ, لا يَنتفعون بها ولا بآثارِها، لا في دُنياهم ولا في أُخراهم , ولن يَجِدوا نَصيرًا يَنصرُهم ولا مُنقِذًا من عذابِ الله إذا حلَّ بهم.

تفسير الآيتين:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ
 أي: إنَّ الَّذين يَكفُرون بآياتِ الله فيُكذِّبون بها استكبارًا وعِنادًا ينظر: ((تفسير ابن جرير))، ((تفسير ابن كثير)) (2/27)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/139). .
وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
القِراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التَّفسير:
في قوله تعالى: وَيَقْتلُونَ قِراءتان:
1- قراءة (وَيُقَاتِلُونَ) من القِتال، أي: يُحارِبون الذين يُخالفونهم في كُفرِهم، فالمقاتلةُ مِن اثنينِ قرأ بها حمزة. ينظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 187). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((معاني القراءات)) للأزهري (1/246)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 158)، ((الكشف)) لمكي (1/338-339). .
2- قِراءة (وَيَقْتلُونَ) من القتْل؛ فالقتْلُ مِن جانبٍ واحد قرأ بها الباقون. ينظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 187). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((معاني القراءات)) للأزهري (1/246)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 158)، ((الكشف)) لمكي (1/338-339). .
وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
أي: ويَقتُلون أنبياءَ الله المرسَلين إليهم بغيرِ سببٍ ولا جريمةٍ منهم ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/284)، ((تفسير ابن كثير)) (2/27). !
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ
أي: ويَقتُلون الَّذين يَأمرون بالعَدلِ مِن النَّاس من غيرِ الأنبياء يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/76). وقيل: قوله: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ يَشمل الأنبياءَ وغيرَ الأنبياء، وعطفُه على النبيِّين من باب عطف العامِّ على الخاصِّ، وخُصَّ الأنبياءُ بالذِّكر؛ لأنَّ قتْلَهم أعظمُ مِن قتْل غيرهم. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/140). ، وهو الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَر، وقتلُهم لهم هو غايةُ الكِبْر يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/286)، ((تفسير ابن كثير)) (2/27)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126). ، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ النَّاس )) أخرجه مسلم (91) من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه. .
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
أي: فأخبِرْهم أنَّ لهم عذابًا مؤلِمًا موجِعًا بالغًا في الشِّدَّةِ ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/287)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/139). .
أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
 أي: الَّذين ذكَرْناهم هم الَّذين بطَلَتْ أعمالُهم في الدُّنيا، فلا يَنتفعون بآثارِها الطَّيِّبةِ في الدُّنيا، ولا يَنالون بها مَحْمدةً ولا ثناءً مِن النَّاس، مع بقاء الذَّمِّ واللَّعنة عليهم، وأمَّا في الآخرةِ، فلا يَنتفعون بثوابِ أعمالِهم، مع ما أعدَّ لهم فيها من العقابِ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/287)، ((تفسير ابن عطية)) (1/415)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/208 , ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/142). .
وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
 أي: وما لهؤلاءِ القومِ مِن ناصرٍ ينصُرُهم مِن الله، ويُنقِذهم من العذابِ إذا هو انتقَم منهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/287)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/208)، ((تفسير السعدي)) (ص: 126). .

الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف :

1- جمَع اللهُ لِمَن يَكفُرون بآياته ويقتُلون أنبياءَه ومَن يأمُرُ بالقِسط مِن عبادِه، ثلاثةَ أنواعٍ من الوعيد؛ الأوَّل: اجتماع أسبابِ الآلامِ والمكروهاتِ في حقِّهم؛ كما في قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ, والثَّاني: زوال أسبابِ المنافعِ عنهم بالكلِّيَّة؛ كما في قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, والثَّالث: لُزُوم ذلك في حقِّهم على وجهٍ لا يكونُ لهم ناصرٌ ولا دافعٌ؛ كما في قوله: وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/177). .
2- لَمَّا تقدَّم ذِكْرُ معصيتِهم بثلاثةِ أوصافٍ، ناسَب أنْ يكونَ جزاؤُهم بثلاثة؛ ليُقابَلَ كلُّ وصفٍ بمُناسِبِه، ولَمَّا كان الكفرُ بآيات الله أعظمَ، كان التَّبشيرُ بالعذابِ الأليم أعظمَ، وقابَل قتلَ الأنبياءِ بحُبوطِ العملِ في الدُّنيا والآخرة؛ ففي الدُّنيا بالقتْلِ والسَّبيِ وأَخْذِ المال والاسترقاقِ، وفي الآخِرةِ بالعقابِ الدَّائم، وقابَل قتْلَ الآمِرين بالقسط بانتفاءِ النَّاصرين عنهم إذا حلَّ بهم العذابُ، كما لم يكُنْ للآمِرين بالقِسْطِ مَن ينصُرُهم حين حَلَّ بهم قتلُ المعتدين، كذلك المُعتَدُون لا ناصرَ لهم إذا حلَّ بهم العذابُ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/78). .
3- في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ...، توبيخٌ للمعاصِرين لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمساوئِ أسلافِهم، وببقائِهم أنفسِهم على فِعلِ ما أمكَنَهم من تلك المساوئِ؛ لأنَّهم كانوا حريصين على قتْلِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/414). .
4- دلَّ قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ على أنَّ الأمرَ بالمعروفِ، والنَّهي عن المنكَرِ، كان واجبًا في الأُممِ المتقدِّمةِ يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (4/47). .
5- دلَّ قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ على أنَّ القائمَ بالأمرِ بالمعروفِ تَلي منزلتُه في العِظَمِ منزلةَ الأنبياء يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/76)، (((تفسير القرطبي)) (4/47). .

بلاغة الآيتين:

1- قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ.
- قوله تعالى: يَكفُرونَ يَقْتُلُونَ يَأْمُرُونَ: جِيءَ في هذه الصِّلاتِ بالأفعال المضارِعة؛ على حِكاية الحالِ الماضية؛ استفظاعًا للقتْل، واستحضارًا لتِلك الحالِ الشَّنيعة للتعجُّبِ منها، وليس المرادُ إفادةَ التجدُّد؛ لأنَّ ذلك وإنْ تأتَّى في قوله: يَكْفُرونَ، لا يَتأتَّى في قوله: وَيَقْتُلُونَ؛ لأنَّهم قتَلوا الأنبياءَ والذين يأمرون بالقِسطِ في زمنٍ مضَى، والمرادُ مِن أصحابِ هذه الصِّلات يَهودُ العصرِ النَّبويِّ؛ لأنَّهم الَّذين توعَّدهم بعذابٍ أليم، وإنَّما حَمَلَ هؤلاء تَبِعَةَ أسلافِهم؛ لأنَّهم مُعتقِدون سَدادَ ما فعَلَه أسلافُهم يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/662- 663)، ((تفسير أبي حيان)) (1/483)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/206). .
وقيل: أُريدُ بالمضارعِ الحالُ والمستقبلُ على حَقيقتِه؛ لأنَّ اليهودَ يَرومُونَ قتْلَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ولذلك سَحروه وسمُّوه ينظر في سحر النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري في((صحيحه)) (5766)، ومسلم (2189) من حديث عائشة رضي الله عنها. ويُنظر في سَمِّ اليهودِ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما أخْرجَه البخاري (4428) معلَّقًا من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد ذكَر ابن حجر مَن وصَلَه في ((تغليق التعليق)) (4/162). ، وفي ذلك تنبيهٌ على أنَّ عادتَهم قتْلُ أنبيائهم؛ لأنَّ هذا النبيَّ المكتوبَ عندَهم في التوراة والإنجيل- وقد أُمِروا بالإيمانِ به والنصرِ له- يَرُومونَ قتْلَه؛ فكيف مَن لم يكُن فيه تقدُّم عهدٍ من الله؟! فقتلُه عندَهم أَوْلى يُنظر: ((تفسير الزمخشري- حاشية ابن المنير)) (1/662)، ((تفسير أبي حيان)) (1/483). .
- قوله سبحانه: بِغَيْرِ حَقٍّ: فيه تنكيرُ حَقٍّ؛ لتأكيدِ العموم، أي: لم يكُن هناك حقٌّ لا هذا الذي يَعرِفه المسلمون ولا غيرُه ألبتةَ، ولا صغيرٌ ولا كبيرٌ في نفْس الأمر، ولا في اعتقادِهم، وعبَّر قبْلَه في البقرة بقوله: بِغَيْرِ الحَقِّ، وهو مِن التفنُّن في البلاغة، حيث ابتدأ بالأخفِّ فالأخفِّ   ينظر: ((تفسير الرازي)) (3/535)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/299). .
- وقوله: بِغَيْرِ حَقٍّ وصفٌ كاشفٌ مُبيِّن للواقِع وليس وصفًا مُقيدًا؛ فلا يُرادُ به إخراجُ ما خالَف هذه الصِّفة، وإنَّما يُرادُ بها بيانُ الواقِع؛ إذ لا يكونُ قتلُ النَّبيِّين إلَّا بغير حقٍّ، فهذا القتلُ كان عدوانًا وظلمًا، فقوله: بِغَيْرِ حَقٍّ ليس له مفهومٌ؛ لظهورِ عدمِ إرادة التَّقييدِ والاحتراز، والمقصودُ من هذه الحال زيادةُ تشويهِ فِعلهم، وتشنيعُ هذه الحالة الَّتي لا شُبهةَ لصاحبِها، بل صاحبُها أعظمُ النَّاس جُرمًا، وأشدُّهم إساءةً يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/206)، ((القواعد الحسان لتفسير القرآن)) للسعدي (ص: 79)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/139). .
- وفيه: إشارةٌ إلى أنَّ قتْلَهم للأنبياء كان بغيرِ حقٍّ في اعتقادِهم أيضًا؛ فهو أبلغُ في التَّشنيعِ عليه   يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (2/300). .
- وفيه مناسبةٌ لسِياق الآية، حيث جاء هنا بِغَيْرِ حَقٍّ مُنكَّرًا، وفي البقرة بِغَيْرِ الحَقِّ [البقرة: 61] مُعرَّفًا؛ لأنَّ الجملةَ هنا أُخرجتْ مخرجَ الشرط، وهو عامٌّ لا يَتخصَّص؛ فلذلك ناسَب أن تُنكَّر في سياقِ النَّفي ليعمَّ، وأمَّا في البقرةِ فجاءتِ الآيةُ في ناسٍ معهودِين مُشخصِين بأعيانهم، وكان الحقُّ الذي يُقتلُ به الإنسان معروفًا عندهم، فلم يُقصَدْ هذا العمومُ الذي هنا، فجِيء في كلِّ مكانٍ بما يُناسِبُه   ينظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/94)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/299). .
- قوله تعالى: مِنَ النَّاسِ: أي: كلِّهم، سواء كانوا أنبياءَ أو لا، ويجوزُ أنْ يكونَ المرادُ بهذا القيدِ زيادةَ توبيخِهم بأنَّهم يَقتلون جِنسَهم، الذي مِن حقِّهم أنْ يألفوه ويَسعَوا في بقائِه، وهذا تحقيقٌ؛ لأنَّ قتْلَهم لمجرَّد العدوان   يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/300). .
- وفيه: تأكيد؛ فإنَّ (مِن) إمَّا بيان، وإمَّا للتبعيض، وكِلاهما معلومٌ أنَّهم من الناس، فهو جارٍ مجرَى التأكيدِ   يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/94). .
- قوله تعالى: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ: لَمَّا كان ذلك مُومِئًا إلى وجهِ بناء الخبر: وهو أنَّهم إنَّما قتَلوهم؛ لأنَّهم يَأمُرون بالقسطِ، أي: بالحقِّ، فقدِ اكتُفي بها في الدَّلالةِ على الشَّناعة، فلم تحتجْ إلى زيادةِ التشنيع   يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/206). .
- وإنَّما كُرِّر الفعل وَيَقْتُلُونَ؛ لاختلافِ مُتعلِّقه، أو كُرِّر تأكيدًا، وقيل: المرادُ بأحد القتلينِ تفويتُ الرُّوح، وبالآخَرِ الإهانةُ؛ فلذلك ذُكِر كلُّ واحدٍ على حِدَته، ولولا ذلك لكان التركيبُ (ويقتلون النبيِّين والذين يأمرون)   يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/94). ، أو لعلَّ تكريرَ الفعل؛ للإشعارِ بما بين القتلينِ من التفاوت، أو باختلافِها في الوقت   يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/19). .
- قوله تعالى: فبَشِّرْهُمْ: زاد الفاء في خَبَر (إنَّ) إيذانًا بأنَّ الموصولَ (الذين)- الذي هو اسمُها- ضُمِّنَ معْنَى الشَّرْط أو الجزاءِ، كأنَّه قيل: الَّذين يَكفُرون فبَشِّرْهم، بمعنى: مَنْ يَكفُرْ فبَشِّرْهم؛ إشارةً إلى أنَّ المقصودِين ليسوا قومًا معيَّنين، بلْ كلُّ مَن يتَّصف بالصِّلة، فجزاؤه أنْ يَعلمَ أنَّ له عذابًا أليمًا، ودخولُ الفاءِ على جوابِ الشَّرط زاد المعنى تأكيدًا   يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/ 348)، ((تفسير الرازي)) (7/177)، ((تفسير أبي حيان)) (3/79)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (3/93)، ((تفسير أبي السعود)) (2/19)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/207). .
2- قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ:
- قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ: جِيءَ باسمِ الإشارة أُولَئِكَ؛ لأنَّهم تميَّزوا بهذه الأفعالِ التي دلَّت عليها صِلاتُ الموصولِ أكملَ تمييزٍ، وللتنبيهِ على أنَّهم أحقَّاءُ بما سيُخبر به عنهم بعدَ اسمِ الإشارة   يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/207). .
- وفي التعبيرِ باسمِ الإشارةِ أُولِئَكَ أيضًا دلالةٌ على بُعدِ المشارِ إليهم في الضَّلال والفسادِ   يُنظر: ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 402). .
- والإخبارُ بالموصول الَّذِينَ أبلغُ من الخبَر بالفِعل؛ لأنَّ فيه نوعَ انحصارٍ   يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/78). .
- في قوله: وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ جِيء بـ: (مِن) الدَّالَّة على تنصيصِ العموم؛ لئلَّا يترُكَ لهم مدخَلًا إلى التَّأويل، يعني: ما لهم أحدٌ يَنصُرُهم، لا على سبيل الاجتماعِ، ولا على سبيل الانفراد؛ لأنَّ (مِن) الزائدة إذا دخَلَت على النَّكرةِ تجعَلُ النَّفيَ نصًّا في العموم؛ كـ (لا) النَّافيةِ للجنس يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/208)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/142). . ومجيء الجمعِ نَاصِرِينَ هنا أحسنُ من مجيء الإفراد؛ لأنَّه رأسُ آية، ولأنَّه بإزاء مَن للمؤمنين مِن الشُّفعاءِ، الَّذين هم الملائكةُ والأنبياء وصالِحُو المؤمنين، أي: ليس لهم كأمثالِ هؤلاء، والمعنى: بانتفاءِ النَّاصرين انتفاءُ ما يَترتَّبُ على النَّصر من المنافع والفوائد، وإذا انتفتْ مِن جمْعٍ، فانتفاؤُها من واحدٍ أَوْلى، وإذا كان جمعٌ لا يَنصُرُ، فأَحْرَى ألَّا يَنصُرَ واحدٌ يُنظر: ((البحر المحيط)) ( 3/77). .