الموسوعة الحديثية


- سألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ : أيُّ العملِ أفضلُ ؟ قال : الصلاةُ في أولِ وقتِها ، قلتُ : ثم أيُّ ؟ قال : الجهادُ في سبيلِ اللهِ ؛ قلتُ : ثم أيُّ ؟ قال : بِرُّ الوالديْنِ
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : ابن حزم | المصدر : المحلى | الصفحة أو الرقم : 3/183 | خلاصة حكم المحدث : احتج به ، وقال في المقدمة: (لم نحتج إلا بخبر صحيح من رواية الثقات مسند) | التخريج : أخرجه الحاكم (674) واللفظ له، وأخرجه البخاري (2782)، ومسلم (85) باختلاف يسير
كان الصَّحابَةُ- لحِرْصِهم على ما يُقَرِّبُ مِنْ رِضا اللهِ عَزَّ وجلَّ- كثيرًا ما يَسألونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أفضَلِ الأعمالِ، وأكثَرِها قُربةً إلى اللهِ تعالى، فكانتْ إجاباتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَختلِفُ باختلافِ أشخاصِهم وأحوالِهم، وما هو أكثَرُ نفْعًا لكُلِّ واحدٍ منهم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "سألْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ العمَلِ أفضَلُ؟" أي: أيُّ الأعمالِ أفضَلُ أجْرًا وقُربًا إلى اللهِ، فأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: "الصَّلاةُ في أوَّلِ وَقْتِها"، أي: الصَّلاةُ في أوَّلِ وقْتِها أفضلُ الأعمالِ الَّتي يُمكِنُ أنْ يَفعلَها المُسلمُ، إلَّا مِن عُذرٍ، فلَه أنْ يُؤَخِّرَها عن أوَّلِ وقْتِها، وذِكْرُ الأَفضلِيَّةِ هنا للحَضِّ والحثِّ على الإسراعِ إلى الصَّلاةِ وعدَمِ التَّكاسُلِ والتَّأخيرِ في أدائِها، وهي عِمادُ الدِّينِ، وأعظمُ أركانِ الإسلامِ العَمليَّةِ، وهي صِلةٌ بيْن العبْدِ وربِّه، والمُحافَظةُ عَليها شِعارُ المؤمنِين، وهَجرُها والتَّكاسُلُ عنها شِعارُ المُنافِقينَ.
فقال ابنُ مَسعودٍ: "ثمَّ أيٌّ؟" بمعنى: فأيُّ العَمَلِ أفضَلُ درجةً بَعْدَ الصَّلاةِ، فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "الجِهادُ في سبيلِ اللهِ"؛ أي: الجِهادُ لإعلاءِ كَلمةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وإظهارِ شَعائِرِ الإسلامِ بالنَّفْسِ والمالِ.
قال ابنُ مَسعودٍ: "ثمَّ أيٌّ؟ قال: بِرُّ الوالدينِ"، أي: بالإحسانِ إليهما، والقيامِ بِخْدِمَتِهما، وتَرْكِ عُقُوقِهماـ ولَمَّا كان ابنُ مسعودٍ له أمٌّ؛ احتاجَ إلى ذِكْرِ بِرِّ والِدَيْه بعدَ الصَّلاةِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ حَقُّ اللهِ، وحقُّ الوالدينِ يأْتي بعْدَ حَقِّ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ كما قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
والمقصودُ: أنَّ أفضَلَ الأعمالِ القِيامُ بحُقوقِ اللهِ الَّتي فَرَضَها على عِبادِه فَرْضًا، وأفضَلُها: الصَّلاةُ لِوَقْتِها، ثمَّ القِيامُ بحُقوقِ عِبادِه، وآكَدُها الجِهادُ في سَبيلِ الله وبِرُّ الوالدينِ.