الموسوعة الحديثية


- إنَّكم تختصِمونَ إلى رسولِ اللهِ، وإنَّما أنا بشَرٌ، ولعَلَّ بعضَكم ألحنُ بحُجَّتِه مِن بعضٍ، وإنَّما أَقضي بينَكم على نحوِ ما أسمَعُ؛ فمَن قضَيْتُ له مِن حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخُذْه، فإنَّما أقطَعُ له قِطعةً مِن النَّارِ، يأتي بها إِسْطامًا في عُنقِه يومَ القيامةِ، فبكى الرَّجُلانِ، وقال كلُّ واحدٍ منهما: حقِّي لأخي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَا إِذْ قُلْتُما فاذهَبا فاقتَسِما، ثمَّ توخَّيَا الحقَّ، ثمَّ استَهِما، ثمَّ لْيُحْلِلْ كلُّ واحدٍ منكما صاحبَه.
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : التعليقات الرضية | الصفحة أو الرقم : 178/3 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن | التخريج : أخرجه أحمد (26717) باختلاف يسير، وأخرجه البخاري (2680)، ومسلم (1713) باختلاف يسير دون قوله: "يأتي بها إسطاما ..."

 سَمِعَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عليهم فَقالَ: إنَّما أنَا بَشَرٌ، وإنَّه يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أنْ يَكونَ أبْلَغَ مِن بَعْضٍ، أقْضِي له بذلكَ وأَحْسِبُ أنَّه صَادِقٌ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أوْ لِيَدَعْهَا.
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 7185 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

القاضِي يَحكُمُ ويَقضِي بيْن الخُصومِ بما يَسمَعُ منهم مِن إقرارٍ وإنكارٍ أو بيِّناتٍ، وعلى حَسَبِ ما يَظهَرُ له مِن الأدلَّةِ.
وفي هذا الحديثِ تروي أُمُّ سَلَمَةَ هِنْدُ بنتُ أبي أُمَيَّةَ رضِيَ اللهُ عنها، زَوْجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَقولُ: «سَمِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَلَبَةَ خِصَامٍ» والجَلَبَةُ: اختِلاطُ الأصواتِ «عندَ بابِه»، وكان في مَنزلِ أُمِّ سَلَمَةَ رضِيَ اللهُ عنها وحُجْرَتِها، وكأنَّهم أتَوا إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليَحكُمَ بينهم، فخَرَج إليهم ليتعَرَّفَ على الخُصومةِ التي بينهما، ويقضي فيها، فقال محذِّرًا لكُلِّ واحدٍ منهما من المخاصَمةِ في الباطِلِ: «إنَّما أنا بَشَرٌ»، أي: أنَّه لا يعلَمُ الغَيبَ وبواطِنَ الأمورِ إلَّا ما أطلعه اللهُ تعالى عليه، فيَجْري عليه أحكامُ البشَرِ من الخطأِ والسَّهْوِ والنِّسيانِ بطبيعتِه البشريَّةِ، ومن ذلك أنَّه قد يأتيه المتخاصِمون المدَّعِي والمدَّعَى عليه؛ ليحكُمَ بينهم، فربَّما كان أحَدُ المتخاصِمَينِ عند القاضي أحسَنَ إيرادًا للكَلامِ، وأَقْدَرَ على الحُجَّةِ والبَيِّنةِ، وأدفَعَ لِدَعوى خَصْمِه، فأظُنُّ لفصاحتِه ببيانِ حُجَّتِه أنَّه صادِقٌ، فأَقْضِي له بما زعَمَه من الحُجَجِ، «فمَن قَضَيْتُ له بحقٍّ» الذي هو في الحقيقةِ حَقُّ أخيه المسلِمِ، وسلَّمْتُه له، فلا يَستَحِلَّه؛ فإنَّه إذا أخذ ذلك الحَقَّ وهو يعلَمُ أنَّه باطِلٌ وظُلْمٌ لغيرِه، فإنه يأخُذُ شيئًا يؤدِّي به إلى النَّارِ في الآخِرةِ، فليتجَرَّأْ عليها وليأخُذْها، أو ليترُكْها لصاحِبِها؛ خشيةً لله عزَّ وجَلَّ وخوْفًا من وعيدِ النَّارِ في الآخِرةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ البَشَرَ لا يَعْلَمون ما غُيِّب عنهم.
وفيه: أنَّ التَّحرِّيَ جائزٌ في أداءِ المَظالِمِ.
وفيه: أنَّ الحاكمَ له الاجتهادُ فيما لم يَكُنْ فيه نَصٌّ.
وفيه: التحذيرُ الشَّديدُ عن الدَّعوى الباطِلةِ التي يرادُ منها أكلُ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ؛ لِما تؤدِّي إليه مِنَ النَّارِ، وبئسَ القِرارُ!
وفيه: أنَّ إثمَ الخَطَأِ مَوضوعٌ عن القاضي، إذا كان قد وَضَعَ الاجتِهادَ مَوضِعَه.