الموسوعة الحديثية


- يأَيُّها النَّاسُ، اسمَعوا واعقِلوا ، واعلَموا أنَّ للَّهِ عبادًا لَيسوا بأنبياءَ ولا شُهَداءَ، يغبِطُهُمُ النَّبيُّونَ والشُّهداءُ علَى مَنازلِهِم، وقُربِهِم منَ اللَّهِ. فجَثا رجلٌ مِنَ الأعرابِ مِن قاصيةِ النَّاسِ، وأَلوَى بيدِهِ إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ : ناسٌ منَ النَّاسِ لَيسوا بَأنبياءَ ولا شُهَداءَ، يغبِطُهُمُ الأنبياءُ والشُّهداءُ علَى مجالِسِهِم وقُربِهِم [منَ اللَّهِ] ؟ انعَتهم لَنا حَلِّهِم لَنا - يعني صِفهُم لَنا فسُرَّ وجهُ النَّبيِّ بِسؤالِ الأعرابيِّ، وقالَ هم ناسٌ من أفناءِ النَّاسِ، ونَوازعِ القبائلِ، لم تصِلْ بينَهُم أرحامٌ متقاربةٌ، تحابُّوا في اللَّهِ وتصافَوا، يضعُ اللَّهُ لَهُم يومَ القيامةِ مَنابرَ من نورٍ، فيَجلِسونَ عَلَيها، فيجعَلُ وجوهَهُم نورًا، وثيابَهُم نورًا، يفزَعُ النَّاسُ يومَ القيامةِ ولا يفزَعونَ، وَهُم أولياءُ اللَّهِ لا خَوفٌ عليهم ولا هُم يَحزَنونَ
الراوي : أبو مالك الأشعري | المحدث : الألباني | المصدر : فقه السيرة | الصفحة أو الرقم : 151 | خلاصة حكم المحدث : حسن

إنَّ مِن عبادِ اللهِ لَأُناسًا ما هم بأنبياءَ ولا شُهداءَ، يغبِطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامةِ بمكانِهم مِن اللهِ تعالى، قالوا: يا رسولَ اللهِ، تُخبِرُنا مَن هم؟ قال: هم قومٌ تحابُّوا برُوحِ اللهِ على غيرِ أرحامٍ بَيْنَهم، ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها، فواللهِ إنَّ وجوهَهم لَنُورٌ، وإنَّهم على نُورٍ، لا يخافونَ إذا خاف النَّاسُ، ولا يحزَنونَ إذا حزِن النَّاسُ، وقرَأ هذه الآيةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].
الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 3527 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

في هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَضْلَ المحبَّةِ في اللهِ، وأنَّها تُثْمِرُ الفلاحَ في الدُّنيا والآخرةِ، فيقول: (إنَّ مِن عبادِ اللهِ)، أي: مَنْ كَمَلَ إيمانُهم وإحسانُهم للهِ تعالى، وإضافتُهم للهِ إضافةَ تشريفٍ وتعظيمٍ، (لَأُناسًا)، أي: هُمْ جماعةٌ من أولياءِ اللهِ تعالى، الذين يُحبُّونَ في اللهِ ويُعادونَ في اللهِ، (ما هُمْ بأنبياءٍ ولا شُهداءَ)، أي: إنَّ محبَّتَهم للهِ التي ترتَّبَ عليها هذا الخيرُ العظيمُ لا لأجْلِ أنَّهم أنبياءٌ أو شهداءُ، بل هُمْ بَشَرٌ كباقي البَشَرِ، وفي اقتِرانِ الشُّهداءِ بالأنبياءِ دليلٌ على فضْلِ الشَّهادةِ؛ حيث قُرِنَ بينها وبين مَقامِ النُّبوَّةِ، وهؤلاءِ: (يَغبِطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامةِ؛ بمكانِهم من اللهِ تعالى)، أي: لقُرْبِهم من اللهِ تعالى يَتمنَّى الأنبياءُ والشُّهداءُ أنْ يكونوا مَكانَهم، و"الغِبْطَةُ" تمنِّي المرءِ النِّعمةَ التي عِند غيرِه، من غيرِ تمنِّي زوالِها عنه؛ فهي تكون في الخيرِ، بخلافِ "الحسَدِ" فهو تمنِّي النِّعمةِ التي عِند غيرِه مع تمنِّي زوالِها عنه، فهو يكون في الشَّرِّ.
فتعجَّبَ الصَّحابةُ لهم ولمكانتِهم ومنزلتِهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، تُخبِرُنا مَنْ هُمْ؟ أي: صِفْهُمْ لنا، وهو طلَبٌ في غايةِ الأدَبِ، فقال: (هُمْ قومٌ تحابُّوا برُوحِ اللهِ)، أي: تزاوَرُوا وتجالَسوا وأَحَبَّ بعضُهم بعضًا في اللهِ، (على غيرِ أرحامٍ بينهم، ولا أموالٍ يَتَعاطَوْنَها)، أي: محبَّةُ بعضِهم بعضًا ليسَتْ للقَرابةِ والمنفعةِ والمصلحةِ؛ لأنَّها أغراضٌ مُفسِدةٌ للمحبَّةِ، وإنَّما هي خالِصةٌ للهِ تعالى، فالمرادُ تَحسينُ النِّيَّةِ.
ثم أخْبَرَ صلَّى الله عليه وسلَّم عن جزائِهم ومَنزلتِهم قائلًا: (فواللهِ إنَّ وُجوهَهم لَنورٌ)، أي: مُنيرةٌ يَعْلوها النُّورُ، وهي مُبالَغةٌ من شِدَّةِ النُّورِ، (وإنَّهم على نورٍ)، أي: على مَنابِرَ من نورٍ، فهُمْ نورٌ على نورٍ، وهي بيانٌ لحالِهم ومنزلتِهم عِندَ اللهِ، (لا يَخافونَ إذا خافَ النَّاسُ، ولا يَحزَنونَ إذا حزِنَ النَّاسُ)، أي: يومَ القيامةِ، ثمَّ قرأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الآيةَ استشهادًا على قولِه الأخيرِ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، أي: إنَّ المُحبِّينَ المُتَّقينَ أولياءَ اللهِ تعالى لا خَوْفٌ عليهم من عقابٍ يَلْحَقُ بهم، ولا هُمْ يَحزَنونَ من فَواتِ ثَوابِهِمْ.