- بيْنما أنا في الحطِيمِ مُضطَجِعًا ، إذْ أتانِي آتٍ فقَدَّ ما بين هذه إلى هذه فاسْتخرجَ قلْبِي ، ثمَّ أُتِيتُ بِطِسْتٍ من ذهَبٍ مملُوءةٍ إيْمانًا فغَسَلَ قلْبِي بِماءِ زمْزَمَ ، ثمَّ حَشَي ، ثمَّ أُعِيدَ ، ثمَّ أُتِيتُ بدابَّةٍ دُونَ البغْلِ ، وفوْقَ الحِمارِ أبْيَضَ ، يُقالُ لهُ البُراقُ ، يَضَعُ خَطْوَهُ عند أقْصَى طرَفِهِ ، فحُمِلْتُ عليه ، فانْطلقَ بِي جِبريلُ حتى أتَى السَّماءَ الدنيا ، فاسْتفتَحَ ، قِيلَ : مَنْ هذا ؟ قال : جِبريلُ ، قِيلَ : ومَنْ مَعكَ ؟ قال : مُحمدٌ ، قِيلَ : وقدْ أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعمْ ، قِيلَ : مرْحبًا به ، فنِعمَ المجِيءُ جاء ، ففُتِحَ ، فلَمَّا خَلَصْتُ فإذا فيها آدَمُ ، فقال : هذا أبُوكَ آدَمُ فسَلِّمْ عليْهِ ، فسَلَّمْتُ عليه ، فرَدَّ السلامَ ، ثمَّ قال : مرْحبًا بالنبيِّ الصالِحِ ، والابْنِ الصالِحِ . ثمَّ صعَدَ بِي حتى أتَى السماءَ الثانِيةَ ، فاسْتفتَحَ ، فقِيلَ : مَنْ هذا ؟ قال : جِبريلُ ، قِيلَ : ومَنْ مَعكَ ؟ قال : مُحمدٌ ، قِيلَ : وقدْ أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعمْ ، قِيلَ : مرْحبًا به ، فنِعمَ المجِيءُ جاء ، ففُتِحَ ، فلَمَّا خَلَصْتُ فإذا بيحْيَى وعِيسَى ، وهُما ابْنا الخالَةِ ، قال : هذا يحْيَى وعِيسَى ، فسَلِّمْ عليْهِما ، فسلَّمْتُ ، فرَدَّا ، ثمَّ قالَا : مرْحبًا بالأَخِ الصالِحِ والنبيِّ الصالِحِ . ثمَّ صعَدَ بِي حتى أتَى السماءَ الثالِثةَ ، فاسْتفتَحَ ، قِيلَ : مَنْ هذا ؟ قال : جِبريلُ ، قِيلَ : ومَنْ مَعكَ ؟ قال : مُحمدٌ ، قِيلَ : وقدْ أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعمْ ، قِيلَ : مرْحبًا به ، فنِعمَ المجِيءُ جاء ، ففُتِحَ ، فلَمَّا خَلَصْتُ إذا يُوسُفُ ، قال : هذا يُوسفُ ، فسلِّمْ عليْهِ ، فسلَّمْتُ عليه ، فرَدَّ ، ثمَّ قال : مرْحبًا بالأخِ الصالِحِ ، والنبيِّ الصالِحِ . ثمَّ صعَدَ بِي حتى أتَى السماءَ الرابعةَ ، فاسْتفتَحَ ، قِيلَ : مَنْ هذا ؟ قال : جِبريلُ ، قِيلَ : ومَنْ مَعكَ ؟ قال : مُحمدٌ ، قِيلَ : وقدْ أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعمْ ، قِيلَ : مرْحبًا به ، فنِعمَ المجِيءُ جاء ، ففُتِحَ ، فلَمَّا خَلَصْتُ إذا إدْريسُ ، فسلِّمْ عليه ، فسلَّمْتُ ، فرَدَّ ، ثمَّ قال : مرْحبًا بالأخِ الصالِحِ ، والنبيِّ الصالِحِ . ثمَّ صعَدَ بِي إلى السماءِ الخامِسَةِ ، فاسْتفتَحَ ، قِيلَ : مَنْ هذا ؟ قال : جِبريلُ ، قِيلَ : ومَنْ مَعكَ ؟ قال : مُحمدٌ ، قِيلَ : وقدْ أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعمْ ، قِيلَ : مرْحبًا به ، فنِعمَ المجِيءُ جاء ، ففُتِحَ ، فلَمَّا خَلَصْتُ إذا هارُونُ ، قال : هذا هارُونُ ، فسلِّمْ عليْهِ ، فسلَّمْتُ عليْهِ ، فرَدَّ ، ثمَّ قال : مرْحبًا بالأخِ الصالِحِ ، والنبيِّ الصالِحِ . ثمَّ صعَدَ بِي إلى السماءِ السادسةِ ، فاسْتفتَحَ ، قِيلَ : مَنْ هذا ؟ قال : جِبريلُ ، قِيلَ : ومَنْ مَعكَ ؟ قال : مُحمدٌ ، قِيلَ : وقدْ أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعمْ ، قِيلَ : مرْحبًا به ، فنِعمَ المجِيءُ جاء ، ففُتِحَ ، فلَمَّا خَلَصْتُ فإذا مُوسَى ، قال : هذا مُوسَى فسلِّمْ عليه ، فسلَّمْتُ عليه ، فرَدَّ ، ثمَّ قال : مرْحبًا بالأخِ الصالِحِ ، والنبيِّ الصالِحِ ، فلمَّا تجاوَزْتُ بَكَى ، قِيلَ لهُ : ما يُبكِيكَ ؟ قال : أبْكِي لأنَّ غُلامًا بُعِثَ بعدِي يَدخُلُ الجنةَ من أُمَّتِه أكثرُ مِمَّنْ يَدخُلُ من أُمَّتِي . ثمَّ صعَدَ بِي إلى السماءِ السابعةِ ، فاسْتفتَحَ ، قِيلَ : مَنْ هذا ؟ قال : جِبريلُ ، قِيلَ : ومَنْ مَعكَ ؟ قال : مُحمدٌ ، قِيلَ : وقدْ أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعمْ ، قِيلَ : مرْحبًا به ، فنِعمَ المجِيءُ جاء ، ففُتِحَ ، فلَمَّا خَلَصْتُ إذا إبراهيمُ ، قال : هذا أبُوكَ إبراهيمُ فسلِّمْ عليه ، فسلَّمْتُ عليه ، فرَدَّ السلامَ ، فقال : مرْحبًا بالابْنِ الصالِحِ ، والنبيِّ الصالِحِ . ثمَّ رُفِعَتْ لِي سِدرةُ المنْتَهَى ، فإذا نَبَقُها مِثلُ قِلالِ هَجَرَ ، وإذا ورَقُها مِثلُ آذانِ الفِيَلةِ ، قال : هذه سِدرةُ المنْتَهَى ، وإذا أربعةُ أنْهارٍ ؛ نِهْرانِ باطِنانِ ، ونهْرانِ ظاهِرانِ ، قُلتُ : ما هذا يا جِبريلُ ؟ قال : أمَّا الباطِنانِ فنَهْرانِ في الجنةِ ، وأمَّا الظاهِرانِ فالنِّيلُ والفُراتُ . ثمَّ رُفِعَ لِيَ البيْتُ المعْمُورُ ، فقُلتُ : يا جبريلُ ! ما هذا ؟ قال : هذا البيتُ المعمُورُ ، يَدخُلُهُ كُلَّ يومٍ سبعُونَ ألْفَ ملَكٍ ، إذا خَرجُوا مِنهُ لمْ يُعودُوا إليه آخِرَ ما عليْهِمْ ، ثمَّ أُتيتُ بإِناءٍ من خمْرٍ ، وإناءٍ من لبَنٍ ، وإِناءْ من عسَلٍ ، فأخذْتُ اللبَنَ ، فقال : هِيَ الفِطرةُ التي أنتَ عليْها وأُمَّتُكَ . ثمَّ فُرِضَ عليَّ خمْسُونَ صلاةً كلَّ يومٍ ، فرَجعتُ ، فمَرَرْتُ على مُوسَى ، فقال : بِمَ أُمِرْتَ ؟ قُلتُ : أُمِرْتُ بِخمسِينَ صلاةً كلَّ يومٍ ، قال : إنَّ أُمَّتَكَ لا تَستطيعُ خمسينَ صلاةً كلَّ يومٍ ، وإنِّي واللهِ قدْ جرَّبْتُ الناسَ قبلَكَ ، وعالَجْتُ بنِي إسرائِيلَ أشَدَّ المعالَجةِ ، فارْجِعْ إلى ربِّكَ فسَلْهُ التَّخفيفَ لأُمتِكَ ، فرَجعتُ فوضَعَ عنِّي عشْرًا ، فرَجعتُ إلى مُوسَى ، فقال مِثلَهُ ، فرجعتُ ، فوَضعَ عنِّي عشْرًا ، فرَجعتُ إلى مُوسَى ، فقال مِثلَهُ ، فرجعتُ ، فوضَعَ عنِّي عشْرًا ، فرجعتُ إلى مُوسَى ، فقال مِثلَهُ ، فرجعتُ ، فوضَعَ عنِّي عشْرًا ، فأُمِرتُ بعشْرِ صلَواتٍ كلَّ يومٍ ، فقال مِثلَهُ ، فرجعتُ فأُمِرْتُ بخمْسِ صلَواتٍ كلَّ يومٍ ، فرجعتُ إلى مُوسَى ، فقال : بِمَ أُمِرْتَ ؟ قلتُ : أمِرتُ بخمْسِ صلَواتٍ كلَّ يومٍ قال : إنَّ أُمَّتَكَ لا تَستطيعُ خمْسَ صلَواتٍ كلَّ يومٍ ، وإنِّي قدْ جرَّبْتُ الناسَ قبْلكَ ، وعالَجتُ بنِي إسرائِيلَ أشدَّ المعالَجةِ ، فارْجِعْ إلى ربِّكَ فسلْهُ التَّخفيفَ لأمَّتِكَ ، قُلتُ : سألْتُ ربِّي حتى اسْتحيَيْتُ مِنهُ ، ولكِنْ أرْضَى وأُسَلِّمُ ، فلَمَّا جاوزْتُ نادانِي مُنادٍ ، أمْضيتُ فرِيضَتِي ، وخَفَّفْتُ عن عِبادِي
الراوي : مالك بن صعصعة الأنصاري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 2866 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه البخاري (3887)، ومسلم (164) باختلاف يسير.
قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "ثمَّ أُتِيتُ بدابَّةٍ دونَ البَغْلِ وفوق الحِمارِ أَبْيَضَ"، أي: أقلَّ في حجمِها مِنَ البَغْلِ وأعلى مِنَ الحِمارِ. فقال له الجارودُ، أي: لأنسِ بنِ مالكٍ: هو البُراقُ يا أبا حَمْزَةَ؟ أي: تلك الدَّابَّةُ هي البُراقُ؟ فقال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "نَعَمْ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِند أقصى طَرْفِهِ"، أي: إنَّ خُطْوَتَهَ الواحدةَ بمِقدارِ ما يَنتهي إليه بَصَرُهُ.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فحُمِلْتُ عليه"، أي: ركِبَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فانطلَقَ بي جبريلُ حتَّى أتى السَّماءَ الدُّنيا"، أي: السَّماءَ الأولى، وتُسمَّى بالسَّماءِ الدُّنيا، وفي الرِّواياتِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبْلَ مِعراجِهِ إلى السَّماءِ كان قد أُسْرِيَ به إلى بيتِ المَقْدِسِ، فصلَّى به ركعتَيْنِ، ثمَّ عُرِجَ به إلى السَّماءِ الأولى، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فاسْتَفتحَ"، أي: طلَبَ جبريلُ عليه السَّلامُ فتْحَ بابِ السَّماءِ ممَّنْ هو مُوَكَّلٌ به مِنَ الملائكةِ، "فقيل"، أي: قالَتْ ملائكةُ السَّماءِ: مَنْ هذا؟ أي: مَنْ المُستفتِحُ؟ قال جبريلُ عليه السَّلامُ: "جبريلُ"، وهذا بيانٌ لأدَبِ الاستئذانِ بين الملائكةِ وعِند دُخولِ أبوابِ السَّماءِ، قيل: ومَنْ معك؟ قال: مُحَمَّدٌ، قيل: "وقد أُرْسِلَ إليه؟" أي: هل أرسَلَ اللهُ بأمْرِ عُروجِهِ إلى السَّماءِ؟ وليس المقصودُ السُّؤالَ عن الإرسالِ إلى النَّبيِّ بالرِّسالةِ والنُّبوَّةِ، قال جبريلُ عليه السَّلامُ: نَعَمْ، فقالَتْ ملائكةُ السَّماءِ مُرَحِّبِينَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَرْحَبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جَاءَ"، أي: ففُتِحَ له بابُ السَّماءِ الأولى. قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فلمَّا خَلَصْتُ"، أي: وَصَلْتُ وانتهيْتُ من دُخولِها، "فإذا فيها آدَمُ"، فقال جبريلُ: "هذا أبوكَ آدَمُ فسلِّمْ عليه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فسلَّمْتُ عليه، فردَّ السَّلامَ، ثمَّ قال"، أي: آدَمُ عليه السَّلامُ: مرحبًا بالابنِ الصَّالحِ والنَّبيِّ الصَّالحِ.
ثمَّ صَعِدَ، أي: جبريلُ، "حتَّى إذا أتى السَّماءَ الثَّانيةَ فاسْتَفتحَ"، أي: طلَبَ فتْحَ بابِها مِنَ الملائكةِ المُوَكَّلينَ بتلك السَّماءِ، قيل، أي: قالَتْ ملائكةُ السَّماءِ: "مَنْ هذا؟" قال جبريلُ: "جبريلُ"، قيل: "ومَنْ معك؟" قال: "مُحَمَّدٌ"، قيل: "وقد أُرْسِلَ إليه؟" قال جبريلُ: "نَعَمْ"، قيل: "مرحبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ففُتِحَ" أي: بابُ السَّماءِ الثَّانيةِ، "فلمَّا خَلَصْتُ"، أي: وصلْتُ وانتهيْتُ مِن دُخولِها، "إذا يَحيى وعيسى"، أي: فيها يَحيى بنُ زكريَّا، وعيسى ابنُ مَريمَ عليهما السَّلامُ، "وهما ابنَا الخالَةِ"؛ وذلك أنَّ أُمَّ يَحيي أُخْتُ أُمِّ مَريمَ، قال جبريلُ: "هذا يَحيى وعيسى فسلِّمْ عليهما"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فسلَّمْتُ، فَرَدَّا"، أي: السَّلامَ، "ثمَّ قالَا: مرحبًا بالأخِ الصَّالحِ والنَّبيِّ الصَّالحِ.
ثمَّ صَعِدَ بي إلى السَّماءِ الثَّالثةِ فاسْتَفتحَ"، أي: طلَبَ فتْحَ بابِها مِنَ الملائكةِ المُوَكَّلينَ بتلك السَّماءِ، قيل، أي: قالَتْ ملائكةُ السَّماءِ: "مَنْ هذا؟" قال جبريلُ: "جبريلُ"، قيل: "ومَنْ معك؟" قال: "مُحَمَّدٌ"، قيل: "وقد أُرْسِلَ إليه؟" قال جبريلُ: "نَعَمْ"، قيل: "مرحبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ففُتِحَ"، أي: بابُ السَّماءِ الثَّالثةِ، "فلمَّا خَلَصْتُ إذا يُوسُفُ"، أي: فيها يُوسُفُ بنُ يَعقوبَ عليهما السَّلامُ، قال جبريلُ: "هذا يُوسُفُ فسلِّمْ عليه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فسلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ، ثمَّ قال: مرحبًا بالأخِ الصَّالحِ والنَّبيِّ الصَّالحِ.
"ثمَّ صَعِدَ بي"، أي: جبريلُ عليه السَّلامُ، "حتَّى أتى السَّماءَ الرَّابعةَ، فاسْتَفتحَ"، أي: طلَبَ فتْحَ بابِها مِنَ الملائكةِ المُوَكَّلينَ بتلك السَّماءِ، قيل، أي: قالَتْ ملائكةُ السَّماءِ: "مَنْ هذا؟" قال جبريلُ: "جبريلُ"، قيل: "ومَنْ معك؟" قال: "مُحَمَّدٌ"، قيل: "وقد أُرْسِلَ إليه؟" قال جبريلُ: "نَعَمْ"، قيل: "مرحبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ففُتِحَ"، أي: بابُ السَّماءِ الرَّابعةِ، فلمَّا خَلَصْتُ إلى إدريسَ"، أي: فيها إدريسُ، قال جبريلُ: "هذا إدريسُ فسلِّمْ عليه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فسلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ، ثمَّ قال: مرحبًا بالأخِ الصَّالحِ والنَّبيِّ الصَّالحِ.
"ثمَّ صَعِدَ بي"، أي: جبريلُ عليه السَّلامُ، "حتَّى إذا أتى السَّماءَ الخامسةَ فاسْتَفتحَ"، أي: طلَبَ فتْحَ بابِها مِنَ الملائكةِ المُوَكَّلينَ بتلك السَّماءِ، قيل، أي: قالَتْ ملائكةُ السَّماءِ: "مَنْ هذا؟" قال جبريلُ: "جبريلُ"، قيل: "ومَنْ معك؟" قال: "مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، قيل: "وقد أُرْسِلَ إليه؟" قال جبريلُ: "نَعَمْ"، قيل: "مرحبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فلمَّا خَلَصْتُ فإذا هارونُ"، أي: فيها هارونُ عليه السَّلامُ، قال جبريلُ: "هذا هارونُ فسلِّمْ عليه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فسلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ، ثمَّ قال: مرحبًا بالأخِ الصَّالحِ، والنَّبيِّ الصَّالحِ.
"ثمَّ صَعِدَ بي"، أي: جبريلُ عليه السَّلامُ، "حتَّى إذا أتى السَّماءَ السَّادسةَ فاسْتَفتحَ"، أي: طلَبَ فتْحَ بابِها مِنَ الملائكةِ المُوَكَّلينَ بتلك السَّماءِ، قيل، أي: قالَتْ ملائكةُ السَّماءِ: "مَنْ هذا؟" قال جبريلُ: "جبريلُ"، قيل: "مَنْ معك؟"، قال: "مُحَمَّدٌ"، قيل: "وقد أُرْسِلَ إليه؟"، قال جبريلُ: "نَعَمْ"، قيل: "مرحبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فلمَّا خَلَصْتُ فإذا مُوسَى"، أي: فيها موسى عليه السَّلامُ، قال جبريلُ: "هذا موسى فسلِّمْ عليه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فسلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ، ثمَّ قال: مرحبًا بالأخِ الصَّالحِ، والنَّبيِّ الصَّالحِ، فلمَّا تَجاوَزْتُ بَكَى"، أي: تَخَطَّيْتُ موسى عليه السَّلامُ، قيل له: "ما يُبْكيكَ؟" قال موسى عليه السَّلامُ: "أَبْكي لِأَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدي"، يَقصِد: النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "يَدخُلُ الجنَّةَ من أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدخُلُها من أُمَّتي"، وبُكاءُ مُوسى عليه السَّلامُ ليس حَسَدًا، وإنَّما يَبكِي على ما فاتَه مِنَ الأجْرِ؛ وذلك أنَّ لكُلِّ نبيٍّ دَرجتَهُ على عددِ مَنْ معه مِنَ الأَتْباعِ، وممَّا يدلُّ على أيضًا على أنَّه ليس حَسَدًا: نُصْحُ نبيِّ اللهِ موسَى عليه السَّلامُ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنْ يَسألَ ربَّهُ تخفيفَ الصَّلاةِ على أُمَّتِهِ، كما سيأتي؛ فهذا أَدْعى أنْ يَنفيَ عنه عليه السَّلامُ أنَّه بَكَى حَسَدًا لبُلوغِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَرجةً أعلى منه بما له مِن أَتْباعٍ.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثمَّ صَعِدَ بي"، أي: جِبريلُ عليه السَّلامُ، "إلى السَّماءِ السَّابعةِ، فاسْتَفتحَ"، أي: طلَبَ فتْحَ بابِها مِنَ الملائكةِ المُوَكَّلينَ بتلك السَّماءِ، قيل، أي: قالَتْ ملائكةُ السَّماءِ: "مَنْ هذا؟" قال جبريلُ: "جبريلُ"، قيل: "ومَنْ معك؟" قال: "مُحَمَّدٌ"، قيل: "وقد بُعِثَ إليه؟" قال جبريلُ: "نَعَمْ"، قيل: "مرحبًا به، فنِعْمَ المَجيءُ جاءَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فلمَّا خَلَصْتُ فإذا إبراهيمُ"، أي: فيها إبراهيمُ عليه السَّلامُ، قال جبريلُ: "هذا أبوكَ فسلِّمْ عليه"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فسلَّمْتُ عليه، فَرَدَّ السَّلامَ، قال: مرحبًا بالابنِ الصَّالحِ والنَّبيِّ الصَّالحِ، ثمَّ رُفِعَتْ لي"، أي: ظهَرَتْ، وقيل: إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدِ ارْتُقِيَ به فظهَرَتْ له، "سِدْرَةُ المُنْتَهَى"، وهي: شجرةٌ يَنتهي إليها ما يَعْرُجُ مِنَ الأرضِ وما يَهْبِطُ إليها فَيُقْبَضُ عِندها، وقيل: إنَّها يَنتهي إليها عِلْمُ الملائكةِ، ولم يُجاوِزْها أَحَدٌ إلَّا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فإذا نَبِقُها"، أي: ثِمارُها، "مِثلُ قِلالِ هَجَرَ"، وهَجَرُ قريةٌ من قُرى المدينةِ، ووَقَعَ التَّشبيهُ بحجمِ قِلالِها؛ لأنَّها كانت معروفةً عِند المُخاطَبينَ، والقِلالُ أَوْعِيَةٌ مِنَ الفَخَّارِ كبيرةُ الحجمِ كانت تُملأُ بالماءِ، والمرادُ أنَّ ثِمارَ الشَّجرةِ كانت كبيرةً، "وإذا وَرَقُها" أي: ورقُ شجرةِ سِدرةِ المُنتهى، "مِثلُ"، أي: في حجم، "آذانِ الفِيَلَةِ"، قال جبريلُ: "هذه سِدرةُ المنتهى".
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإذا أربعةُ أنهارٍ"؛ في رِواية: أنَّ هذه الأنهارَ تخرُجَ من أصْلِ شجرةِ سدرةِ المنتهى، "نَهْرانِ باطِنانِ"، أي: لِخَفاءِ أمْرِهما، فلا تَهتدي العقولُ إلى وصفِهِما، أو أنَّهما خافِيَانِ عَنِ الأَعْيُنِ؛ فلا يُرى إلى أين مَصَبُّهُما، "ونَهْرانِ ظاهِرانِ"، فقُلْتُ: "ما هذانِ يا جبريلُ؟" أي: الباطنانِ والظاهرانِ، قال جبريلُ: "أمَّا الباطنانِ: فنهرانِ في الجنَّةِ"، قيل: هما السَّلْسَبيلُ والكَوْثَرُ، وقيل في اسْمَيْهِما غيرُ ذلك، "وأمَّا الظاهرانِ: فالنِّيلُ والفُراتُ"، ونَهْرُ النِّيلِ: يَنْبُعُ ويَسيلُ مِنْ رافِدَيْنِ: النِّيلِ الأبيضِ، وهو أقصى رَوَافِدِهِ، يأتي من جَنوبِ القارَّةِ الإفْريقيَّةِ عِند هَضْبَةِ البحيراتِ (بُحَيْرَةِ فكْتورْيا)، والنِّيلِ الأزرقِ وَيَنْبُعُ من هَضْبةِ الحَبَشَةِ (بُحَيْرَةِ تانا بأثيوبيا)، يأتيانِ مِنَ الجنوبِ مُرورًا على طولِ البِلادِ إلى أنْ يَجتمِعا بأرضِ السُّودانِ، ثمَّ أرضِ مِصْرَ، فيَفيضَا في البحرِ الأبيضِ المتوسِّطِ، ويَبلُغُ طولُهُ: 6.853 كم، ونَهْرُ الفُراتِ: يَنْبُعُ من تركيا، ويَسيرُ في أراضيها، ويُتابِعُ طريقَهُ في الأراضي السُّوريَّةِ، ومِن ثَمَّ الأراضي العِراقيَّةِ، وينتهي به المَطافُ إلى الخليجِ العربيِّ بعْدَ أنْ يتَّحِدَ مع نَهْرِ دِجْلَةَ، ويبلُغُ طولُهُ: 2.781 كم.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثمَّ رُفِعَ لي"، أي: ظهَرَ، "البَيْتُ المعمورُ"، قيل: هو بيتٌ في السَّماءِ السَّابعةِ كحالِ الكَعبةِ في الأرضِ، وقيل: إنَّه فَوْقَها ومُسامِتٌ لها، وفي رِوايةٍ: يُصلِّي فيه كُلَّ يَوْمٍ سَبْعونَ ألْفَ مَلَكٍ، إذا خرَجوا لم يَعودوا إليه.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثمَّ أُتِيتُ بإناءٍ من"، أي: فيه، "خَمْرٍ، وإناءٍ من لَبَنٍ، وإناءٍ من عَسَلٍ، فأخَذْتُ"، أي: فشرِبْتُ من إناء "اللَّبن"، فقال جبريلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "هي الفِطْرةُ أنتَ عليها وأُمَّتُكَ"، أي: والفِطرةُ أصْلُ الخِلْقَةِ الَّتي يكون عليها كُلُّ مولودٍ؛ إذ يكون اللَّبنُ أوَّلَ ما يدخُلُ جَوْفَهُ، وقيل: فِطْرَةُ الإسلامِ. وفي رِوايةٍ: قيل للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو شرِبْتَ الخَمْرَ لَغَوَيْتَ، وَغَوَتْ أُمَّتُكَ. وفي روايةٍ أُخرى: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد شرِبَ بعضًا مِنَ العَسَلِ، ثمَّ شرِب بعضًا مِنَ اللَّبنِ حتَّى ارْتَوى، فعُرِضَتْ عليه الخَمْرُ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قد رَوِيتُ.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثمَّ فُرِضَتْ عليَّ الصَّلَواتُ خَمسينَ صلاةً كلَّ يَوْمٍ"، أي: أمَرَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بعدَما بلَغَ في صُعودِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السَّمواتِ ما بلَغَ بالصَّلاةِ، وعددُها خمسونَ في اليومِ الواحدِ، "فرجَعْتُ فمَرَرْتُ على موسى"، أي: بعدَما أخَذَ عَنِ اللهِ ما فرَضَهُ عليه وعلى أُمَّتِهِ من صلاةٍ، فقال موسى عليه السَّلامُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "بِمَ أُمِرْتَ؟" قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أُمِرْتُ بخَمسينَ صلاةً كلَّ يومٍ"، قال موسى عليه السَّلامُ: "أُمَّتُكَ لا تَستطيِعُ خمسينَ صلاةً كلَّ يومٍ"، أي: لا تَقْوى عليها، ولن تَقْدِرَ أنْ تقومَ بها، "وإنِّي واللهِ قد جرَّبْتُ النَّاسَ قبْلَكَ"، يَقصِدُ قومَهُ من بني إسرائيلَ وما كان من دَعوتِهِ فيهم، "وعالَجْتُ بني إسرائيلَ أَشَدَّ المعالَجَةِ"، أي: حاوَلَ بكُلِّ جَهْدٍ ومَشقَّةٍ أنْ يُغيِّرَ فيهم ويَحمِلَهم على أنْ يؤدُّوا ما فُرِضَ عليهم، "فارجِعْ إلى ربِّكَ فاسألْهُ التَّخفيفَ لأُمَّتِكَ"، أي: أنْ يُخفِّفَ عليهم من عددِ الصَّلواتِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فرجعْتُ فوَضَعَ عنِّي عَشْرًا"، أي: رجَعَ إلى ربِّهِ يسألُهُ التَّخفيفَ على أُمَّتِهِ، فَنَقَصَ اللهُ له مِنَ الخمسينَ عَشْرَ صلواتٍ، فكانت أربعينَ صلاةً في كلِّ يومٍ، "فرجعْتُ إلى موسى فقال مِثْلَهُ"، أي: يَنصَحُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يسألَهُ مَزيدًا مِنَ التَّخفيفِ في عددِ الصَّلواتِ، "فرجعْتُ فوضَعَ عنِّي عَشْرًا"، أي: فخُفِّفَتْ إلى ثلاثينَ صلاةً كلَّ يومٍ، "فرجعْتُ إلى موسى فقال مِثلَه، فرجعْتُ فوضَعَ عنِّي عشْرًا"، أي: فخُفِّفَتْ إلى عشرينَ صلاةً كلَّ يومٍ، "فرجعْتُ إلى موسى فقال مِثلَه، فرجعْتُ فأُمِرْتُ بعشْرِ صلواتٍ كلَّ يومٍ"، فنَقَصَ اللهُ له مِنَ العِشرينَ عَشْرَ صَلَواتٍ، فبَقِيَ له عَشْرٌ، "فرجعْتُ"، أي: إلى موسى عليه السَّلامُ، "فقال مِثلَه، فرجعْتُ فأُمِرْتُ بخَمسِ صلواتٍ كلَّ يومٍ"، أي: فنقَصَ اللهُ له مِنَ العَشْرِ خمسَ صلواتٍ، فبَقِيَ له خمسٌ كلَّ يومٍ، "فرجعْتُ إلى موسى، فقال: بِمَ أُمِرْتَ؟ قلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْمٍ"، قال موسى عليه السَّلامُ: "إنَّ أُمَّتَكَ لا تستطيعُ خَمْسَ صلواتٍ كُلَّ يومٍ، وإنِّي قد جرَّبْتُ النَّاسَ قبْلَكَ، وعالَجْتُ بني إسرائيلَ أشدَّ المُعالَجَةِ، فارجِعْ إلى ربِّكَ فاسألْهُ التَّخْفيفَ لِأُمَّتِكَ"، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "سألْتُ ربِّي حتَّى اسْتَحْيَيْتُ"، أي: أَسْتَحي أنْ أطلُبَ مَزيدًا مِنَ التَّخفيفِ بعدَما خُفِّفَتْ من خمسينَ إلى خمسٍ، فإنِّي إذا رجعْتُ كنتُ غيرَ راضٍ ولا مُسَلِّمٍ، "ولكنْ أَرْضى وأُسَلِّمُ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فلمَّا جاوَزْتُ، أي: تخطَّى موسى بعدَما رَضِيَ بما فُرِضَ مِنَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، "نادى مُنادٍ"، "أَمْضَيْتُ فَريضَتي"، أي: أَنْفَذْتُها، "وخَفَّفْتُ عن عِبادي"، أي: في عددِ الصَّلواتِ. وَزِيدَ في روايةٍ: "وأَجْزي الحَسَنَةَ عَشْرًا"، أي: إنَّ كلَّ صلاةٍ مِنَ الخَمسِ بعَشْرِ درجاتٍ، فتَعْدِلُ الصَّلواتُ الخَمسُ خمسينَ صلاةً في الأجْرِ، وقيل: إنَّ هذا الكلامَ قد احْتُجَّ به على أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد كلَّمَ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ الإسراءِ.
وهناك رِواياتٌ تَزيدُ على ذلك، وتُصَرِّحُ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد رُفِعَ إلى أعلى مِنْ هذا المقامِ؛ منها: قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "حتَّى ظهَرْتُ لِمُستوى أَسمَعُ فيه صَريفَ الأقلامِ، ومنها: "حتَّى جاء سِدْرَةَ المُنْتَهى، ودَنا الجبَّارُ ربُّ العِزَّةِ تَبارَكَ وتَعالى فَتَدَلَّى، فكان قابَ قَوْسَيْنِ".
وفي الحديثِ: بيانُ فضلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الأنبياءِ والعالَمينَ.
وفيه: بيانُ فضلِ أُمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبيانُ رحمةِ الله تعالى بها، وتَفضيلِه لها على سائِرِ الأُمَمِ.
وفيه: فضلُ ماءِ النِّيلِ والفُراتِ.
وفيه: بَذْلُ النَّصيحةِ لِمَنْ يَحتاجُ إليها، وإنْ لم يَحْتَجِ النَّاصِحُ إليها، ولم يَطْلُبْها المنصوحُ.( ).