الموسوعة الحديثية


-  كانَ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهمَا إذَا صَلَّى بالغَدَاةِ بذِي الحُلَيْفَةِ أَمَرَ برَاحِلَتِهِ، فَرُحِلَتْ، ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ به اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ قَائِمًا، ثُمَّ يُلَبِّي حتَّى يَبْلُغَ الحَرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ، حتَّى إذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ به حتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا صَلَّى الغَدَاةَ اغْتَسَلَ. وزَعَمَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَعَلَ ذلكَ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1553 | خلاصة حكم المحدث : [معلق] [وقوله : تابعه إسماعيل ... معلق وصله في موضع آخر] | التخريج : أخرجه مسلم (1259) باختلاف يسير
لقدْ فَصَّلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه مَناسِكَ الحَجِّ بفِعلِه وقَولِه، وأمَرَهم أنْ يَأْخُذوا عنه مَنَاسِكَهم؛ لتتعلَّمَ الأُمَّةُ كلُّها بعدَهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ نافعٌ مَولى ابنِ عُمَرَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهمَا كان إذا صلَّى الصُّبحَ بِذي الحُلَيْفةِ -وهي قَريةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سبعَةٌ (10 كم)، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ، ومَن مرَّ بها مِن غيرِ أهْلِها- أمَرَ بإعدادِ دابَّتِه فأُعِدَّت، ووُضِع عليها الرَّحلُ، ثمَّ يَركَبُ، فإذا استَوت به راحِلتُه قائمةً استَقبلَ القِبلةَ، ثمَّ يُلبِّي وصِيغةُ التَّلبيةِ: «لَبَّيكَ اللَّهمَّ لَبَّيك، لَبَّيك لا شَريكَ لك لَبَّيك، إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلكَ، لا شَريكَ لك»، ولا يَقطَعُ تَلْبيتَه حتَّى يَبلُغَ أرْضَ الحَرَمِ، ثمَّ يُمسِكُ عن التَّلبيةِ، ثمَّ يَبيتُ بِوادي ذي طُوًى، وهو وادٍ قَريبٌ مِن مَكَّةَ عندَ حُدودِها، ويُعرَف الآنَ بالزَّاهِرِ، وفيها بِئرُ ذي طُوًى، وهي بأعلى مكَّةَ عندَ البَيضاءِ دارِ مُحَمَّدِ بنِ سَيفٍ. وفي الصَّباحِ يُصلِّي الصُّبحَ ثمَّ يَغتسِلُ، يَتجهَّزُ بذلك لدُخولِ مكَّةَ نَهارًا.
وقولُه: «وكان ابنُ عمَرَ يَزعُمُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَفعَلُ ذلك»، أي: إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باتَ بِذِي طُوًى، ثُمَّ دخلَ مَكَّةَ نهارًا، وليس هذا واجبًا؛ فقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخَلَ مَكَّةَ لَيلًا، واعْتَمَرَ وأحْرَمَ مِن الجِعْرَانَةِ؛ فليس ذلك مِن مَناسِكِ الحَجِّ، لكنْ فيه بَيانُ المنازِلِ التي كان يَنزِلُ فيها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقد وَرَدَ في الصَّحيحَينِ عن عَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «فلمَّا استَوَت به على البَيْداءِ أهَلَّ بالحَجِّ»، وهي مَكانٌ بالقُربِ مِن ذي الحُلَيفةِ مِن جِهةِ مكَّةَ، وسُمِّيتْ بَيداءَ؛ لعدَمِ وُجودِ مَعالِمَ فيها مِن أبْنيةٍ ونحوِها.
ولعلَّ سَببَ اختِلافِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم في المواضِعِ الَّتِي أهَلَّ منها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّ كُلًّا منهم أخبَرَ بما رأَى؛ فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ مِن المدينَةِ حاجًّا، فلمَّا صلَّى في مَسجدِ ذِي الحُلَيْفةِ أهَلَّ بالحَجِّ، فسَمِع ذلك منه أقْوامٌ فحَفِظُوا عنه، ثُمَّ رَكِب، فلمَّا استَقلَّت به ناقتُه أهَلَّ، وأدرَكَ ذلك منه أقوامٌ؛ لأنَّهم كانوا يَأْتُون جَماعاتٍ، فسَمِعُوه فقالوا: إنَّما أَهَلَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِين استَقلَّت به ناقتُه، ثُمَّ مضَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ أهَلَّ، وأدْرَكَ ذلك منه أقوامٌ، فقالوا: إنَّما أهَلَّ حِين عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ، فنَقَل كلٌّ مِنْهم ما سَمِع، وظَهَر بذلك أنَّ الخلافَ وقَعَ في ابتدَاءِ الإهْلالِ والإحْرامِ مِن المِيقاتِ. والحاصلُ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهَلَّ ثلاثَ مَرَّاتٍ.
وفي الحديثِ: الاغتِسالُ لدُخولِ مكَّةَ.