الموسوعة الحديثية


- إنَّ بَعْدِي مِن أُمَّتِي -أوْ سَيَكونُ بَعْدِي مِن أُمَّتِي- قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، لا يُجاوِزُ حَلاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ والْخَلِيقَةِ.
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1067 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
أنبَأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّحابةَ عن كَثيرٍ مِنَ الفِتنِ الَّتي حدَثَتْ في قَرنِهم وما بعدَ قَرْنِهم، ومِمَّا عاصَروهُ مِن تِلكَ الفِتنِ: فِتنةُ الخَوارجِ.
وفي هذا الحَديثِ أشارَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ذلكَ، فذكَرَ قَومًا سَيكونونَ في أُمَّتِه مِن بَعدِه، مِن صِفاتِهم أنَّهم «يَقْرؤونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حَلاقِيمَهم»، والحَلاقيمُ جمعُ حُلْقومٍ، وهوَ الحَنْجرةُ وداخِلُ الفَمِ؛ فَهم يَقرؤُونَ القرآنَ ولكِنَّهم لا يَتأثَّرونَ بهِ ولا يَفهَمونَهُ ولا يَعمَلونَ بآياتِهِ، فَلا يُؤجَرُونَ ولا يُثابونَ على ذلكَ بالحَسَناتِ، ولا تَتعدَّى قِراءتُهم ألسِنَتَهُم، فلا يُقبَلُ لهم عَملٌ، وليسَ ذلِكَ هو المَطْلوبَ، بل المَطْلوبُ تَعقُّلُه وتَدبُّرُه بوُقوعِه في القَلْبِ، والمُرادُ مِن كلِّ ذلك أنَّ الإيمانَ لم يَرسَخْ في قُلوبِهم. «يَخرُجونَ مِنَ الدِّينِ كما يَخرُجُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثمَّ لا يَعودونَ فيهِ»، أي: إنَّ خُرُوجَهم مِنَ الدِّينِ كخُروجِ السَّهمِ السَّريعِ الَّذي يُصِيبُ الصَّيدَ فيَدخُلُ فيهِ ويَخرُجُ مِنه سَريعًا جِدًّا دونَ أنْ يَتعلَّقَ بهِ أيُّ أثَرٍ منهُ؛ لسُرعةِ خُروجِهِ مِنَ الهدَفِ، والرَّميَّةُ هي الحَيوانُ أو ما تمَّ صيدُه وأصابَه السَّهمُ بعدَ الصَّيدِ، وهذا نَعتُ الخَوارِجِ الَّذين لا يَدينونَ للأئمَّةِ، ويَخرُجونَ عليهم، ويُكفِّرونَ النَّاسَ بالكَبائرِ الَّتي دونَ الشِّركِ والكُفرِ، ويَقتُلونَ أهلَ الإسْلامِ ويَترُكونَ أهلَ الأوْثانِ، وهُم بعدَ ذلكَ كلِّه لا يَعودونَ إلى الدِّينِ مرَّةً أُخْرى؛ فلا يَتوبونَ ولا يُراجِعونَ أنفُسَهم، ثمَّ عقَّبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: «هُم شَرُّ الخَلقِ والخَليقةِ»، قيلَ: إنَّ المُرادَ بالخَلْقِ البَشَرُ، والخَليقةُ: البَهائمُ، وقيلَ: هما بمعنًى واحدٍ، فيكونُ هذا كِنايةً عن جَميعِ الخَلائقِ، فهُمْ أسوَأُ المخْلوقاتِ؛ لأنَّهم يُقاتِلونَ خيرَ النَّاسِ، وبذلكَ يُفسِدونَ الأرْضَ بعدَ صَلاحِها.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعْلامِ النُّبوَّةِ؛ فقدْ أخبَرَ بما سَيَقعُ بعدَهُ، وقدْ وقَعَ كَما أخبرَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
وفيه: التَّحذيرُ مِن سُوءِ فَهمِ القُرآنِ، وعدَمِ تَدبُّرِ آياتِهِ ومَراميهِ ومَقاصِدِه، وأنَّ هذا يُؤدِّي إلى الفَسادِ والإفْسادِ في الأرْضِ.
وفيه: أنَّ مِن عَواقبِ سُوءِ التَّدبُّرِ لآياتِ اللهِ الخُروجَ مِنَ الدِّينِ.