الموسوعة الحديثية


- كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لأصْحابِهِ: هلْ رَأَى أحَدٌ مِنكُم مِن رُؤْيا قالَ: فَيَقُصُّ عليه مَن شاءَ اللَّهُ أنْ يَقُصَّ، وإنَّه قالَ ذاتَ غَداةٍ: إنَّه أتانِي اللَّيْلَةَ آتِيانِ، وإنَّهُما ابْتَعَثانِي، وإنَّهُما قالا لي انْطَلِقْ، وإنِّي انْطَلَقْتُ معهُما، وإنَّا أتَيْنا علَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بصَخْرَةٍ، وإذا هو يَهْوِي بالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ ها هُنا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فلا يَرْجِعُ إلَيْهِ حتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عليه فَيَفْعَلُ به مِثْلَ ما فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى قالَ: قُلتُ لهما: سُبْحانَ اللَّهِ ما هذانِ؟ قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ قالَ: فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفاهُ، وإذا آخَرُ قائِمٌ عليه بكَلُّوبٍ مِن حَدِيدٍ، وإذا هو يَأْتي أحَدَ شِقَّيْ وجْهِهِ فيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إلى قَفاهُ، ومَنْخِرَهُ إلى قَفاهُ، وعَيْنَهُ إلى قَفاهُ، - قالَ: ورُبَّما قالَ أبو رَجاءٍ: فَيَشُقُّ - قالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلى الجانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ به مِثْلَ ما فَعَلَ بالجانِبِ الأوَّلِ، فَما يَفْرُغُ مِن ذلكَ الجانِبِ حتَّى يَصِحَّ ذلكَ الجانِبُ كما كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عليه فَيَفْعَلُ مِثْلَ ما فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى قالَ: قُلتُ: سُبْحانَ اللَّهِ ما هذانِ؟ قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى مِثْلِ التَّنُّورِ - قالَ: فأحْسِبُ أنَّه كانَ يقولُ - فإذا فيه لَغَطٌ وأَصْواتٌ قالَ: فاطَّلَعْنا فِيهِ، فإذا فيه رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وإذا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِن أسْفَلَ منهمْ، فإذا أتاهُمْ ذلكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قالَ: قُلتُ لهما: ما هَؤُلاءِ؟ قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ قالَ: فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى نَهَرٍ - حَسِبْتُ أنَّه كانَ يقولُ - أحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وإذا في النَّهَرِ رَجُلٌ سابِحٌ يَسْبَحُ، وإذا علَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قدْ جَمع عِنْدَهُ حِجارَةً كَثِيرَةً، وإذا ذلكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ ما يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتي ذلكَ الذي قدْ جَمع عِنْدَهُ الحِجارَةَ، فَيَفْغَرُ له فاهُ فيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ كُلَّما رَجَعَ إلَيْهِ فَغَرَ له فاهُ فألْقَمَهُ حَجَرًا قالَ: قُلتُ لهما: ما هذانِ؟ قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ قالَ: فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأَكْرَهِ ما أنْتَ راءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وإذا عِنْدَهُ نارٌ يَحُشُّها ويَسْعَى حَوْلَها قالَ: قُلتُ لهما: ما هذا؟ قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا، فأتَيْنا علَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فيها مِن كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وإذا بيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لا أكادُ أرَى رَأْسَهُ طُولًا في السَّماءِ، وإذا حَوْلَ الرَّجُلِ مِن أكْثَرِ وِلْدانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ قالَ: قُلتُ لهما: ما هذا ما هَؤُلاءِ؟ قالَ: قالا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ قالَ: فانْطَلَقْنا فانْتَهَيْنا إلى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أرَ رَوْضَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنْها ولا أحْسَنَ قالَ: قالا لِي: ارْقَ فيها قالَ: فارْتَقَيْنا فيها، فانْتَهَيْنا إلى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بلَبِنِ ذَهَبٍ ولَبِنِ فِضَّةٍ، فأتَيْنا بابَ المَدِينَةِ فاسْتَفْتَحْنا فَفُتِحَ لنا فَدَخَلْناها، فَتَلَقَّانا فيها رِجالٌ شَطْرٌ مِن خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ ما أنْتَ راءٍ، وشَطْرٌ كَأَقْبَحِ ما أنْتَ راءٍ قالَ: قالا لهمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا في ذلكَ النَّهَرِ قالَ: وإذا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأنَّ ماءَهُ المَحْضُ في البَياضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْنا قدْ ذَهَبَ ذلكَ السُّوءُ عنْهمْ، فَصارُوا في أحْسَنِ صُورَةٍ قالَ: قالا لِي: هذِه جَنَّةُ عَدْنٍ وهذاكَ مَنْزِلُكَ قالَ: فَسَما بَصَرِي صُعُدًا فإذا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبابَةِ البَيْضاءِ قالَ: قالا لِي: هذاكَ مَنْزِلُكَ قالَ: قُلتُ لهما: بارَكَ اللَّهُ فِيكُما ذَرانِي فأدْخُلَهُ، قالَا: أمَّا الآنَ فلا، وأَنْتَ دَاخِلَهُ قالَ: قُلتُ لهمَا: فإنِّي قدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَما هذا الذي رَأَيْتُ؟ قالَ: قالَا لِي: أما إنَّا سَنُخْبِرُكَ، أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الذي أتَيْتَ عليه يُثْلَغُ رَأْسُهُ بالحَجَرِ، فإنَّه الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ويَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، وأَمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفَاهُ، ومَنْخِرُهُ إلى قَفَاهُ، وعَيْنُهُ إلى قَفَاهُ، فإنَّه الرَّجُلُ يَغْدُو مِن بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وأَمَّا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بنَاءِ التَّنُّورِ، فإنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّوَانِي، وأَمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه يَسْبَحُ في النَّهَرِ ويُلْقَمُ الحَجَرَ، فإنَّه آكِلُ الرِّبَا، وأَمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ، الذي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا ويَسْعَى حَوْلَهَا، فإنَّه مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الذي في الرَّوْضَةِ فإنَّه إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ علَى الفِطْرَةِ قالَ: فَقالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يا رَسولَ اللَّهِ، وأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأَوْلَادُ المُشْرِكِينَ، وأَمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ منهمْ حَسَنًا وشَطْرٌ قَبِيحًا، فإنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللَّهُ عنْهمْ.
الراوي : سمرة بن جندب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 7047 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ فَقالَ: مَن رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قالَ: فإنْ رَأَى أحَدٌ قَصَّهَا، فيَقولُ: ما شَاءَ اللَّهُ فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقالَ: هلْ رَأَى أحَدٌ مِنكُم رُؤْيَا؟ قُلْنَا: لَا، قالَ: لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي فأخَذَا بيَدِي، فأخْرَجَانِي إلى الأرْضِ المُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، ورَجُلٌ قَائِمٌ، بيَدِهِ كَلُّوبٌ مِن حَدِيدٍ قالَ بَعْضُ أصْحَابِنَا عن مُوسَى: إنَّه يُدْخِلُ ذلكَ الكَلُّوبَ في شِدْقِهِ حتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذلكَ، ويَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هذا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلتُ: ما هذا؟ قالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حتَّى أتَيْنَا علَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ علَى قَفَاهُ ورَجُلٌ قَائِمٌ علَى رَأْسِهِ بفِهْرٍ - أوْ صَخْرَةٍ - فَيَشْدَخُ به رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فلا يَرْجِعُ إلى هذا حتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وعَادَ رَأْسُهُ كما هُوَ، فَعَادَ إلَيْهِ، فَضَرَبَهُ، قُلتُ: مَن هذا؟ قالَا: انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أعْلَاهُ ضَيِّقٌ وأَسْفَلُهُ واسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حتَّى كَادَ أنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وفيهَا رِجَالٌ ونِسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلتُ: مَن هذا؟ قالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حتَّى أتَيْنَا علَى نَهَرٍ مِن دَمٍ فيه رَجُلٌ قَائِمٌ علَى وسَطِ النَّهَرِ - قالَ يَزِيدُ، ووَهْبُ بنُ جَرِيرٍ: عن جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ - وعلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فأقْبَلَ الرَّجُلُ الذي في النَّهَرِ، فَإِذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بحَجَرٍ في فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّما جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى في فيه بحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كما كَانَ، فَقُلتُ: ما هذا؟ قالَا: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا حتَّى انْتَهَيْنَا إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وفي أصْلِهَا شيخٌ وصِبْيَانٌ، وإذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بي في الشَّجَرَةِ، وأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ منها، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وشَبَابٌ، ونِسَاءٌ، وصِبْيَانٌ، ثُمَّ أخْرَجَانِي منها فَصَعِدَا بي الشَّجَرَةَ، فأدْخَلَانِي دَارًا هي أحْسَنُ وأَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ، وشَبَابٌ، قُلتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فأخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قالَا: نَعَمْ، أمَّا الذي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عنْه حتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يَومِ القِيَامَةِ، والذي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَنَامَ عنْه باللَّيْلِ ولَمْ يَعْمَلْ فيه بالنَّهَارِ، يُفْعَلُ به إلى يَومِ القِيَامَةِ، والذي رَأَيْتَهُ في الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ، والذي رَأَيْتَهُ في النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا، والشَّيْخُ في أصْلِ الشَّجَرَةِ إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ، والصِّبْيَانُ، حَوْلَهُ، فأوْلَادُ النَّاسِ والذي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، والدَّارُ الأُولَى الَّتي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ المُؤْمِنِينَ، وأَمَّا هذِه الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ، وأَنَا جِبْرِيلُ، وهذا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ، قالَا: ذَاكَ مَنْزِلُكَ، قُلتُ: دَعَانِي أدْخُلْ مَنْزِلِي، قالَا: إنَّه بَقِيَ لكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أتَيْتَ مَنْزِلَكَ.
الراوي : سمرة بن جندب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1386 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

خُتِمَتِ النُّبوَّةُ بمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يَبْقَ مِن آثارِها إلَّا البُشرَياتُ الَّتي يُبشِّرُ اللهُ تعالَى بها المؤمنَ في الرُّؤيا، فيُبشِّرُه اللهُ بخَيرٍ، أو يُحذِّرُه مِن شَرٍّ، وكلَّما كان المرءُ أكثَرَ إيمانًا وتَقْوى كانَتْ رُؤْياه أكثرَ صِدقًا وتَحقُّقًا.
وفي هذا الحديثِ يَحكي سَمُرةُ بنُ جُنْدُبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا صَلَّى صَلاةً أقْبَلَ على الناسِ بِوَجهِه الكَريمِ، وسَألَ: مَن رَأى مِنكم اللَّيلةَ رُؤْيا؟ فإنْ رَأى أحَدٌ رُؤْيَا قَصَّها عليه، فيَقولُ فيها ما شاءَ اللهُ مِن التَّفسيراتِ والتَّأويلاتِ، ثمَّ إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأل الناسَ يَومًا: هَلْ رَأى أحَدٌ مِنكم رُؤْيَا؟ فنَفَوْا ذلك، فأخبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه هو الَّذي رأى رُؤْيَا هذه اللَّيْلةَ، ورُؤْيا الأنبياءِ حَقٌّ وصِدقٌ، ووَحْيٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ.
فرأَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَنامِه مَلَكَينِ، أتَيَاهُ فأخَذَا بيَدِه يَقودانِه حتَّى أَوْصَلوه إلى الأرضِ المُقدَّسةِ، وفي روايةٍ للبخاريِّ: «أرضٍ مقدَّسةٍ»، وعندَ أحمدَ: «إلى أرضٍ فضاءٍ، أو أرضٍ مستويةٍ»، فوجَد رَجُلًا جالِسًا ورَجُلًا واقفًا أمامَه، وبيَدِه كَلُّوبٌ مِن حَديدٍ -وهو حَديدةٌ مَعطوفةُ الرَّأسِ يُعَلَّقُ عليها اللَّحمُ- يُدخِلُه في شِدقِه، أي: جانِبِ فَمِ الرَّجُلِ الجالِسِ، حَتَّى يَبلُغَ قَفاه، أي: يَقطَعه شَقًّا، ثمَّ يَفعَل بِشِدقِه الآخَرِ مِثلَ ما فعَلَ بِشِدقِه الأوَّلِ، ويَلتَئِم شِدقُه هذا فَيَعودُ فيَصنَعُ مِثلَه. فسَألَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن هذا؟ فَقال المَلَكانِ: انطَلِقْ، ولم يُجيباهُ عن سؤالِه أوَّلًا، فانطلَقوا به حتَّى جاؤُوا على رجُلٍ مُضطَجِعٍ ومُستلِقٍ على قَفاه، وهناك رجُلٌ قائِمٌ وواقفٌ على رَأْسِه وفي يدِ الواقفِ حَجَرٌ مَلْء الكَفِّ، أو صَخرةٌ، فيَشْدَخُ به رأسَ الجالِسِ ويَشُقُّها، فإذا ضَرَبَه «تَدَهْدَه الحَجَرُ»، أي: تَدَحْرَجَ الحَجَرُ بعيدًا، فيَذهَبُ الرجُلُ إلى الحَجَرِ، فيَأخُذُه فيَصنَعُ به كما صَنَع، ويُكرِّرُ الضَّربَ مراتٍ أخرى، فلا يَرجِعُ إلى هذا الَّذي شَدَخَ رَأْسَه حتَّى يَصِحَّ رَأْسُه ويَعودُ رَأسُه كما هو، فيَعودُ إليه فَيضرِبُه، فسَألَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنه، فلمْ يُجِبْهُ المَلَكانِ، ثمَّ انطلَقوا وذهَبَا به إلى ثقْبٍ مِثلِ «التَّنُّورِ»، وهو الفُرنُ وما يُخبَزُ فيه، وكان أعْلاه ضَيِّقًا، وأسفَلُه واسِعًا، يَتَوَقَّدُ تَحتَه نارًا، وكان فيه أناسٌ عُراةٌ، فإذا اقتَرَبَ منهم لهَبُ النَّارِ ارتَفَعوا إلى أعلى التَّنُّورِ حَتَّى كادَ أن يَخرُجوا، فإذا سَكَنَ لَهيبُها ولَم يُطْفَأْ حَرُّها رَجَعوا فيها، فسَألَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنهم، فلمْ يُجِبْه المَلَكانِ.
ثمَّ ذهَبَا به حتَّى جاؤُوا على نَهْرٍ مِن دَمٍ وفيه رَجُلٌ يَسبَحُ، ويوجَدُ رجُلٌ آخَرُ واقفٌ على وسَطِ حافَّةِ النَّهرِ، وأمامَه وبيْنَ يَدَيْه حِجارةٌ، فأقبَلَ الرَّجُلُ الَّذي في النَّهْرِ، فلمَّا أراد أنْ يَخرُجَ مِنه رَمى الرَّجُلُ الَّذي بيْنَ يَدَيْه الحِجارةُ بِحَجَرٍ في فَمِه فَرَدَّه حيثُ كان مِن النَّهرِ، فجَعَل كُلَّما جاءَ ليَخرُجَ مِن النَّهرِ رَمى في فيهِ بِحَجَرٍ، فيَرجِعُ كما كان فيه، فسَأل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنهما، فلمْ يُجِبْهُ الملَكانِ، وإنَّما ذهَبَا به حتَّى جاؤُوا إلى رَوْضةٍ خَضراءَ، فيها شَجَرةٌ عَظيمةٌ، وفي أصْلِها وعندَ جذرِها يجلِسُ شَيخٌ وحَوْلَه صِبيانٌ، وإذا رجُلٌ قَريبٌ مِن الشَّجَرةِ أمامَه وبيْنَ يَدَيْه نارٌ يُوقِدُها، فصَعِد الملَكانِ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الشَّجَرةِ الَّتي هيَ في الرَّوضةِ الخَضراءِ، وأدْخَلاه دارًا جميلةً لَم يَرَ قَطُّ أحسَنَ منها، وكان فيها رِجالٌ شُيوخٌ وشَبابٌ ونِساءٌ وصِبيانٌ، ثمَّ أخرَجَه الملَكانِ مِن الدَّارِ، فَصَعِدَا به الشَّجَرةَ فأَدْخَلاه دارًا هيَ أحسَنُ وأفضَلُ مِن الأولى، فيها أيضًا شُيوخٌ وشَبابٌ.
وبعْدَ ذلك قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للملَكَينِ: طوَّفتُماني اللَّيلةَ ودُرْتُم بي فرأيْتُ كلَّ تلك المَشاهِدِ، فأخْبِراني عَمَّا رَأيتُ، فقالا: نَعَمْ سنُخبِرُك؛ أمَّا الَّذي رَأيْتَه يُشَقُّ شِدْقُه فكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بالكَذْبةِ فتُحمَلُ عنه حتَّى تَبلُغَ الآفاقَ، فيُصنَعُ به ما رَأيْتَ مِن العَذابِ؛ لِما يَنْشأُ عن تلك الكَذبةِ مِن المَفاسِدِ.
وأمَّا الَّذي رَأيتَه يُشْدَخُ رَأْسُه فرَجُلٌ علَّمَه اللهُ القُرآنَ، فنامَ عنه باللَّيلِ، فأعرَضَ عن تِلاوتِه ولم يَعملْ فيه بالنَّهارِ، فيُفعَلُ به ما رأيْتَ مِن العذابِ. وأمَّا الَّذي رَأيْتَهم في الثُّقبِ فهُمُ الزُّناةُ، والَّذي رَأيْتَه في النَّهرِ يَسْبَحُ في الدَّمِ فو آكِلُ الرِّبا، والشَّيخُ الكائِنُ والجالسُ في أصلِ الشَّجَرةِ عندَ جذرِها هو إبراهيمُ الخَليلُ عليه السَّلامُ، وأمَّا الصِّبيانُ حَوْلَه فأَوْلادُ النَّاسِ، وفي روايةٍ عندَ البُخاريِّ: «وأمَّا الوِلْدانُ الَّذين حَوْلَه فكلُّ مَولودٍ مات على الفِطرةِ»، والمرادُ أولادُ المُسلِمينَ والمشركينَ الذين لم يَبلُغوا سِنَّ التَّكليفِ، والمرَجَّحُ في أطفالِ المشركين أنَّهم يُمتحَنونَ يومَ القيامةِ؛ فإنْ آمَنوا دخَلوا الجنَّةَ، وإنْ كفَروا دخَلوا النَّارَ؛ للنُّصوصِ الدَّالَّةِ على ذلك.
والَّذي يُوقِدُ النَّارَ: هو مالِكٌ خازِنُ النَّارِ، والدَّارُ الأُولى الَّتي دخَلْتَها هي دارُ عامَّةِ المُؤمِنينَ، وأمَّا الدَّارُ الأُخرى الَّتي هي أعْلى وأجمَلُ مِن الأُولى فَدارُ الشُّهداءِ، وأنا جِبْريلُ وهذا مِيكائِيلُ، فارفَعْ رَأْسَك، فرفَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رأسَه فإذا مَوجودٌ فوقَه مِثلُ السَّحابِ، فأَخْبَراه أنَّ هذا المكانَ العاليَ هو مَنزِلُه في الجنَّةِ، فقال: اتْرُكاني أَدخُلْ مَنزِلي، فقالَا له: إنَّه بَقيَ لك عُمُرٌ في الدُّنيا لَم تَستَكمِلْه، فلو استَكْمَلْتَ عُمُرَك أتَيْتَ مَنزِلَك فدَخلْتَه وتَنعَّمتَ بما فيه.
وفي الحديثِ: بيانُ كرامةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ربِّه عزَّ وجلَّ.
وفيه: الاهتمامُ بأمْرِ الرُّؤْيا، والسُّؤالُ عنها، وذِكْرُها بعْدَ الصَّلاةِ.
وفيه: مشروعيَّةُ إقبالِ الإمامِ بعْدَ سلامِه على أصحابِه.
وفيه: إباحةُ الكلامِ في العِلمِ داخلَ المسجِدِ.
وفيه: مشروعيَّةُ استِدبارِ القِبلةِ عندَ الجُلوسِ للعِلمِ أو غيرِه.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الكَذِبِ والرِّوايةِ بغيرِ الحقِّ.
وفيه: التَّحذيرُ مِن ترْكِ قِراءةِ القُرآنِ والعَملِ به.
وفيه: التَّغليظُ على الزُّناةِ، وبيانُ شِدَّةِ عِقابِهم.