الموسوعة الحديثية


-  أنَّ رَجُلًا جَاءَ إلى سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: هذا فُلَانٌ -لأمِيرِ المَدِينَةِ- يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ المِنْبَرِ، قَالَ: فيَقولُ: مَاذَا؟ قَالَ: يقولُ له: أبو تُرَابٍ، فَضَحِكَ، قَالَ: واللَّهِ ما سَمَّاهُ إلَّا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما كانَ له اسْمٌ أحَبَّ إلَيْهِ منه، فَاسْتَطْعَمْتُ الحَدِيثَ سَهْلًا، وقُلتُ: يا أبَا عَبَّاسٍ، كيفَ ذلكَ؟ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ علَى فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ في المَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيْنَ ابنُ عَمِّكِ؟ قَالَتْ: في المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قدْ سَقَطَ عن ظَهْرِهِ، وخَلَصَ التُّرَابُ إلى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عن ظَهْرِهِ فيَقولُ: اجْلِسْ يا أبَا تُرَابٍ، مَرَّتَيْنِ.
الراوي : سهل بن سعد الساعدي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 3703 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه رابِعُ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ، وابنُ عَمِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وله مَكانةٌ عَظيمةٌ في الإسْلامِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ أبو حازمٍ سَلَمةُ بنُ دينارٍ أنَّ  رَجلًا جاء إلى الصَّحابيِّ سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه، فأخْبَرَه أنَّ أميرَ المَدينةِ -وهو مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ- يسُبُّ علِيًّا رَضيَ اللهُ عنه عندَ المِنبَرِ، فذَكَره بشَيءٍ غَيرِ مَرْضيٍّ، فسَأَله: ماذا يقولُ له؟ فقال: يقولُ: أبو تُرابٍ، فضَحِكَ سَهلٌ رَضيَ اللهُ عنه، وقال: واللهِ ما سمَّاه أبا تُرابٍ إلَّا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما كان له اسمٌ أحبَّ إليه منه، قال أبو حازمٍ: «فاستَطْعَمتُ الحَديثَ سَهلًا»، أي: طلَبْتُ مِن سَهلٍ أنْ يُحدِّثَني الحَديثَ، وإتْمامَ القِصَّةِ، مُنادِيًا إيَّاه بكُنْيَتِه: يا أبا عبَّاسٍ، كيف ذلك؟ فأخبَرَ سَهلٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عَليًّا رَضيَ اللهُ عنه دَخَل على زَوجَتِه فاطمةَ بنتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بيْتِه، ثمَّ خرَج، فذَهَب إلى المَسجِدِ النَّبَويِّ، فاضطَجَعَ في المَسجدِ، فجاءَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال: «أين ابنُ عمِّكِ علِيٌّ؟»، وفي الصَّحيحَينِ: «جاء رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيتَ فاطمةَ، فلمْ يَجِدْ علِيًّا في البَيتِ، فقال: أين ابنُ عمِّكِ؟ قالت: كان بَيْني وبيْنَه شَيءٌ، فغاضَبَني، فخَرَج، فلمْ يَقِلْ عِنْدي»، والقَيْلولةُ هي نَومُ نِصفِ النَّهارِ، أوِ النَّومُ بعْدَ الظَّهيرةِ، فأخبَرَتْ فاطمةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه في المَسجِدِ، فخرَجَ إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوجَدَ رِداءَه قدْ سَقَط عن ظَهْرِه، ووصَل التُّرابُ إلى ظَهرِه، فجعَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمسَحُ التُّرابَ عن ظَهرِه ويَقولُ له: «اجلِسْ يا أبا تُرابٍ»، مرَّتَينِ، وفي رِوايةٍ أُخْرى للبُخاريِّ قال له: «قُمْ أبَا تُرابٍ، قُمْ أبَا تُرابٍ»، وهي كُنْيةٌ أطْلَقَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه؛ لأنَّه نامَ على التُّرابِ، وتَعفَّرَ ثَوبُه وجَسَدُه به، وفيها مِن التَّلطُّفِ به، ومُؤانَسَتِه في غضَبِه، وتَسْليةِ أمْرِه مِن عِتابِه بطَريقِ التَّعْريضِ لا التَّصْريحِ؛ لأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يُعاتِبْ علِيًّا على مُغاضَبتِه لأهْلِه؛ بل قال له: «قُمْ»، وعَرَّضَ له بالانْصِرافِ إلى أهْلِه، وهو مِن حُسنِ خُلُقِه، وجَميلِ عِشْرتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه، وعُلوُّ مَنزِلَتِه عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه مَشى إليه، ودخَل المَسجِدَ، ومسَح التُّرابَ عن ظَهرِه، واستَرْضاه تَلطُّفًا به.
وفيه: تَعاهُدُ الأبِ لأحْوالِ أبْنائِه، حتَّى بعدَ زَواجِهم.
وفيه: تَعْليمٌ للأحْماءِ والأصْهارِ أنْ يُحسِنوا التَّعامُلَ لأزْواجِ بَناتِهم عندَ وُقوعِ الخِلافِ بيْنَهم.
وفيه: أنَّ أهلَ الفَضلِ قدْ يقَعُ بيْنهم وبيْنَ أزْواجِهم ما جَبَل اللهُ عليه البشَرَ مِن الغضَبِ والحَرَجِ، حتَّى يَدعوَهم ذلك إلى الخُروجِ عن بُيوتِهم، وليس ذلك بعائبٍ لهم.
وفيه: دُخولُ الوالِدِ بَيتَ ابنَتِه بغَيرِ إذْنِ زَوْجِها، حيث يُعلَمُ رِضاهُ.
وفيه: المُمازَحةُ للغاضِبِ بالتَّكْنيةِ بغَيرِ كُنْيَتِه، إذا كان لا يَكرَهُ ذلك ولا يُغْضِبُه؛ بل يُؤْنِسُه مِن حَرَجِه.
وفيه: التَّكْنيةُ بغَيرِ الولَدِ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ النَّومِ في المَسجِدِ مُطلَقًا.