الموسوعة الحديثية


-  أنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إلى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، ويَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عن دِينِهِمْ، فَقالَ: إنِّي لَعَلِّي أنْ أدِينَ دِينَكُمْ، فأخْبِرْنِي، فَقالَ: لا تَكُونُ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن غَضَبِ اللَّهِ، قالَ زَيْدٌ: ما أفِرُّ إلَّا مِن غَضَبِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن غَضَبِ اللَّهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُهُ! فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ؟ قالَ: ما أعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ زَيْدٌ: وما الحَنِيفُ؟ قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقالَ: لَنْ تَكُونَ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، قالَ: ما أفِرُّ إلَّا مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا مِن غَضَبِهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُ! فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ؟ قالَ: ما أعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ: وما الحَنِيفُ؟ قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ في إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أشْهَدُ أنِّي علَى دِينِ إبْرَاهِيمَ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 3827 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : من أفراد البخاري على مسلم
كان في الجاهِليَّةِ -وهي حِقْبةُ ما قبْلَ الإسْلام- مَن يَعبُدُ اللهَ سُبحانَه وتعالَى وحْدَه، ويَرفُضُ ما تَدْعو إليه هذه الجاهلِيَّةُ مِن عِبادةِ غَيرِ اللهِ والإشْراكِ به، ومِن هؤلاء زَيدُ بنُ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ زَيدَ بنَ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ خرَجَ مِن مكَّةَ إلى الشَّامِ يَسأَلُ عنِ الدِّينِ، أي: دِينِ التَّوْحيدِ، ويَتْبَعُه، أي: يَسْعى في طَلَبِه في مَظانِّه، وكان ذلك قبْلَ مَبعَثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلَقيَ عالِمًا منَ اليَهودِ فسَأَلَه عن دِينِهم، فقال له: إنِّي لعَلِّي أنْ أَدينَ دِينَكم، فأخْبِرْني عن شَأنِ دِينِكم، فأجابَه اليَهوديُّ: لا تَكونُ على دِينِنا حتَّى تَأخُذَ بنَصيبِكَ مِن غضَبِ اللهِ وعَذابِه، فقال زَيدٌ: ما أَفِرُّ إلَّا مِن غضَبِ اللهِ تعالَى، ولا أحمِلُ مِن غضَبِ اللهِ سُبحانَه شَيئًا أبدًا، وأنَّى أستَطيعُه! أي: لا يَستَطيعُ ولا يَقدِرُ أحدٌ على تَحمُّلِ شَيءٍ مِن غضَبِ اللهِ وعَذابِه. فسَأَلَ زَيدٌ العالِمَ اليَهوديَّ أنْ يَدُلَّه على غَيرِه منَ الأدْيانِ، فأجابَه اليَهوديُّ: ما أعلَمُه إلَّا أنْ يكونَ دِينًا حَنيفًا، قال زَيدٌ: وما الدِّينُ الحَنيفُ؟ قال اليَهوديُّ: هو دِينُ إبْراهيمَ، لم يكُنْ يَهوديًّا ولا نَصْرانيًّا، ولا يَعبُدُ إلَّا اللهَ وَحْدَه لا شَريكَ له، فخرَجَ زَيدٌ فلَقيَ عالِمًا مِنَ النَّصارَى، فذكَر مِثلَه، أي: مِثلَ ما ذكَرَ لعالمِ اليَهودِ، فأجابَه النَّصْرانيُّ: لنْ تَكونَ على دِينِنا حتَّى تَأخُذَ بنَصيبِكَ مِن لَعنةِ اللهِ، أي: مِن إبْعادِه مِن رَحمتِه وطَردِه عن بابِه، فقال له زَيدٌ: ما أَفِرُّ إلَّا مِن لَعنةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا أحمِلُ مِن لَعنةِ اللهِ سُبحانَه ولا مِن غَضبِه شيئًا أبدًا، وأنَّى أستَطيعُ! ثمَّ سَأَله أنْ يَدُلَّه على غَيرِه منَ الأدْيانِ، فأجابَه مِثلَما أجابَه اليَهوديُّ، فلمَّا رَأى زَيدٌ قولَهم في إبْراهيمَ عليه السَّلامُ خرَجَ، فلمَّا برَزَ -أي: ظهَر خارجًا عن أرضِهم- رفَع يدَيْه، فقال: اللَّهمَّ إنِّي أشهَدُ أنِّي على دِينِ إبْراهيمَ، الذي هو التَّوحيدُ الخالِصُ لِلهِ سُبحانَه وتعالَى.
وفي الحديثِ: أنَّ الدِّينَ الحَنيفَ عِندَ اللهِ تعالَى هو الإسلامُ وهو دِينُ إبراهيمَ وجَميعِ الأنبياءِ والمُرسَلينَ عليهم السَّلامُ، وأنَّ دِينَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ لم يكُن يهوديًّا ولانصرانيًّا، بل كان لا يعبُدُ إلَّا اللهَ حَنيفًا، وأمَّا اليهوديَّةُ والنَّصرانيَّةُ فليسَا مِن اللهِ عزَّ وجلَّ ولم يَبْعثِ اللهُ نبيًّا إلَّا بالإسلامِ، ومِنهم مُوسَى وعِيسى عليهما السَّلامُ؛ فإنَّهما كانَا مُسلِمَينِ؛ كما قال اللهُ تعالَى إخبارًا عن مُوسَى أنَّه قال لقومِه: {يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84]، وقال تعالَى عن عِيسى عليه السَّلامُ: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52].