الموسوعة الحديثية


- كان جُنادةُ بنُ أبي أُمَيَّةَ أميرًا علينا في البَحرِ سِتَّ سِنينَ، فخَطَبَنا ذاتَ يومٍ، فقال: دَخَلْنا على رَجُلْ مِن أصْحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وقُلْنا له: حَدِّثْنا بما سَمِعتَ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ولا تُحَدِّثْنا بما سَمِعتَ مِن الناسِ قالوا: قال: فشَدَّدوا عليه، فقال: قام فينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فقال: أُنذِرُكُم المَسيحَ الدَّجَّالَ، أُنذِرُكُم المَسيحَ الدَّجَّالَ، وهو رَجُلٌ مَمْسوحُ العَينِ، قال ابنُ عَوْنٍ: أظُنُّه قال: اليُسْرى، يَمكُثُ في الأرضِ أربَعينَ صَباحًا، معَه جِبالُ خُبزٍ وأنْهارُ ماءٍ، يَبلُغُ سُلطانُه كلَّ مَنهَلٍ، لا يأتي أربَعةَ مَساجِدَ، فذَكَرَ المسجِدَ الحَرامَ، والمسجِدَ الأقْصى، والطُّورَ، والمَدينةَ، غَيرَ أنَّ ما كان مِن ذلك، فاعْلَموا أنَّ اللهَ ليس بِأعوَرَ، ليس اللهُ بِأعوَرَ، ليس اللهُ بِأعوَرَ. قال ابنُ عَوْنٍ: وأظُنُّ في حَديثِه: يُسَلَّطُ على رَجُلٍ مِن البَشَرِ فيَقتُلُه، ثُمَّ يُحييه، ولا يُسَلَّطُ على غَيرِه.
الراوي : رجل من الصحابة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 23683 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (23683) واللفظ له، والحارث في ((المسند)) (784)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (14/376) مختصراً
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يأمُرُ أُمَّتَه بما يَنفَعُهم، ويُحذِّرُهم مِمَّا يَخافُ عليهم منه، فأخبَرَهم بعَلاماتِ الساعةِ التي تُنذِرُ بقُربِها؛ لِيُبادِروا إلى العَمَلِ الصالِحِ؛ نَجاةً مِن هَولِها. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ التابِعيُّ مُجاهِدُ بنُ جَبرٍ: "كان جُنادةُ بنُ أبي أُمَيَّةَ أميرًا علينا في البَحرِ سِتَّ سِنينَ" يَعني: أنَّه أميرٌ لِمُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنهما مُدَّةَ خِلافَتِه على السُّفُنِ والمَراكِبِ المُسَيَّرةِ في البَحرِ لِلغَزوِ والفُتوحِ الإسلاميَّةِ، "فخَطَبَنا ذاتَ يَومٍ، فقال: دَخَلْنا على رَجُلٍ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقُلْنا له: حَدِّثْنا بما سَمِعتَ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا تُحَدِّثْنا بما سَمِعتَ مِنَ الناسِ. قالوا: قال: فشَدَّدوا عليه"، أي: أكَّدْنا عليه أنْ يَكونَ الحَديثُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُباشَرةً، وليس عن واسطةٍ عنه، "فقال: قامَ فينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: أُنذِرُكمُ المَسيحَ الدَّجَّالَ، أُنذِرُكمُ المَسيحَ الدَّجَّالَ" وهو الكَذَّابُ الذي يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ ويَدَّعي الأُلوهيَّةَ، وهو أكبَرُ فِتنةٍ في الأرضِ، وهو مِنَ العَلاماتِ الكُبرى لِيَومِ القِيامةِ، والدَّجَّالُ مِنَ الدَّجَلِ: وهو التَّغطيةُ، سُمِّيَ به؛ لِأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه. ثم ذَكَرَ صِفَتَه، فقال: "وهو رَجُلٌ مَمسوحُ العَينِ" فإحْدَى عَينَيْه عَمياءُ لا تَرى، فهو أعوَرُ العَينِ، "قال ابنُ عَونٍ" أحَدُ رُواةِ هذا الحَديثِ: "أظُنُّه قال: اليُسرى"، أي: عَينُه اليُسرى هي العَوراءُ المَمسوحةُ التي لا يَرى بها، "يَمكُثُ في الأرض أربَعينَ صَباحًا" يَدورُ في الأرضِ "معه جِبالُ خُبزٍ وأنهارُ ماءٍ"، وذلك مِن فِتنَتِه أنَّ معه خَيراتِ الأرضِ مِنَ الخُبزِ والماءِ في وَقتٍ تَقِلُّ فيه الأزوادُ، ويَعُمُّ القَحطُ، "يَبلُغُ سُلطانُه كُلَّ مَنهَلٍ" فيَصِلُ مُلكُه إلى كُلِّ مَكانٍ في الأرضِ، ما عدَا الأماكِنَ التي حَرَّمَها اللهُ عليه وتَحرُسُها المَلائِكةُ، وهي التي قال عنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا يأتي أربَعةَ مَساجِدَ، فذَكَرَ المَسجِدَ الحَرامَ" في مَكةَ المُكرَّمةَ، "والمَسجِدَ الأقصى" في بَيتِ المَقدِسِ في فِلسطينَ، "والطُّورَ" في سَيناءَ، حيث كَلَّمَ اللهُ موسى، "والمَدينةَ" حيث مَسجدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "غَيرَ أنَّ ما كان مِن ذلك" فمهما بَلَغتْ فِتنَتُه واشتَدَّ أمْرُه، "فاعلَموا أنَّ اللهَ ليس بأعوَرَ، ليس اللهُ بأعوَرَ، ليس اللهُ بأعوَرَ"، وكُلُّ هذا تأكيدٌ على هذه العَلامةِ الظاهِرةِ التي تُمَيِّزُه ويُعرَفُ بها؛ لِأنَّ اللهَ سُبحانَه له صِفاتُ الكَمالِ والجَمالِ، أمَّا العَوَرُ فصِفةُ نَقصٍ لا تَليقُ باللهِ سُبحانَه؛ فيَكونُ ذلك دَليلًا على كَذِبِ الدَّجَّالِ الأعوَرِ مُدَّعي الأُلوهيَّةِ، "قال ابنُ عَونٍ" في رِوايَتِه لِلحَديثِ، "وأظُنُّ في حَديثِه: يُسَلَّطُ على رَجُلٍ مِنَ البَشَرِ فيَقتُلُه، ثم يُحييه" ويَحدُثُ ذلك بقَدَرِ اللهِ وحِكمَتِه؛ لِيَكونَ فِتنةً لِلنَّاسِ، حيثُ يَزعُمُ الدَّجَّالُ الكَذَّابُ أنَّه يُحيي ويُميتُ، "ولا يُسلَّطُ على غَيرِه" فلا يَستَطيعُ إماتةَ أحَدٍ ولا إحياءَه بَعدَ هذا الرَّجُلِ. وفي الحَديثِ: بَيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه، حيث حَذَّرَهم فِتنةَ الدَّجَّالِ. وفيه: بَيانُ حِرصِ التابِعينَ على مَعرِفةِ الأخبارِ الصَّحيحةِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.