الموسوعة الحديثية


- [عن عمرو بن لؤي] دخلْتُ على ابنِ عبَّاسٍ بيتَ مَيْمونةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لغدِ يومِ الجُمُعةِ، قال: وكانَتْ مَيْمونةُ قد أوصَتْ له به، فكان إذا صلَّى الجُمُعةَ، بسَطَ له فيه، ثم انصَرفَ إليه، فجلَسَ فيه للناسِ، قال: فسأَلَه رجُلٌ، وأنا أسمَعُ، عن الوُضوءِ مما مَسَّتِ النارُ من الطعامِ؟ قال: فرفَع ابنُ عبَّاسٍ يَدَه إلى عينَيْه، وقد كُفَّ بصَرُه، فقال: بصُرَ عَيْناي هاتانِ، رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ توضَّأَ لصلاةِ الظهرِ في بعضِ حُجَرِه، ثم دعا بلالٌ إلى الصَّلاةِ، فنهَض خارجًا، فلمَّا وقَف على بابِ الحُجْرةِ، لقِيَتْه هَدِيَّةٌ من خبزٍ ولحمٍ بعَث بها إليه بعضُ أصحابِه، قال: فرجَع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمن معه، ووُضِعتْ لهم في الحُجْرةِ، قال: فأكَل وأكَلوا معه، قال: ثم نهَضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمن معه إلى الصَّلاةِ، وما مسَّ ولا أحدٌ ممن كان معه ماءً، قال: ثم صلَّى بهم. وكان ابنُ عبَّاسٍ إنَّما عقَلَ من أمرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آخِرَه.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 2377 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن | التخريج : أخرجه أحمد (2377) واللفظ له، وعبدالرزاق (646)، والطبراني (10/377) (10756) مختصراً
نَسَخَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بَعضَ الأحكامِ، مِن تَحليلٍ إلى تَحريمٍ، أوِ العَكسِ؛ لِحِكمةٍ منه عَزَّ وجَلَّ؛ فهو صاحِبُ العِلمِ المُطلَقِ، الخَبيرُ بشُؤونِ البَشَرِ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ التابِعيُّ مُحمدُ بنُ عَمرِو بنِ عَطاءٍ: "دَخَلتُ على ابنِ عَبَّاسٍ بَيتَ مَيمونةَ زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِغَدِ يَومِ الجُمُعةِ" بَعدَ صَلاةِ الجُمُعةِ، "وكانت مَيمونةُ" بِنتُ الحارِثِ رَضيَ اللهُ عنها، خالةَ عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، "قد أوصَتْ له به" جَعَلتْه في مِلكِ ابنِ عَبَّاسٍ بالوَصيَّةِ، "فكانَ إذا صَلَّى الجُمُعةَ" انتَهى مِن صَلاتِها في المَسجِدِ الجامِعِ، "بُسِطَ له فيه" فُرِشَ له فِراشٌ في هذا البَيتِ لِيَجلِسَ عليه "ثم انصَرَفَ إليه، فجَلَسَ فيه لِلناسِ" يَحضُرُه الناسُ في هذا الوَقتِ لِلفُتيا في أُمورِ الدِّينِ، "فسألَه رَجُلٌ، وأنا أسمَعُ، عنِ الوُضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النارُ مِنَ الطَّعامِ" ما حُكمُه؟ وهل يَجِبُ الوُضوءُ أو لا؟ وكان الناسُ في أوَّلِ عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتوَضَّؤونَ مِن أكْلِ الطَّعامِ الذي أُنضِجَ بالنارِ إذا أرادوا العِبادةَ، "قال: فرَفَعَ ابنُ عَبَّاسٍ يَدَه إلى عَينَيْه" أشارَ بها إلى عَينَيْه، "وقد كُفَّ بَصَرُه" أصابَه العَمى، وذلك في آخِرِ حياتِه، "فقال: بَصُرَ عَينايَ هاتانِ، رأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَوَضَّأ لِصَلاةِ الظُّهرِ في بَعضِ حُجَرِه" مِن بُيوتِ زَوجاتِه وحُجُراتهِنَّ، "ثم دَعا بِلالٌ إلى الصَّلاةِ"، أي: أذَّنَ لها "فنَهَضَ" وقامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "خارِجًا" مِنَ الحُجرةِ إلى الصَّلاةِ في المَسجِدِ، "فلَمَّا وَقَفَ على بابِ الحُجرةِ، لَقيَتْه هَديَّةٌ مِن خُبزٍ ولَحمٍ، بَعَثَ بها إليه بَعضُ أصحابِه" وذلك بَعدَ الوُضوءِ، وقَبلَ الإقامةِ لِصَلاةِ الظُّهرِ، "فرَجَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَن معه" مِمَّن كانوا يَحمِلونَ الهَديَّةَ، أو مَن كانوا معه في الحُجرةِ قَبلَ أنْ يَخرُجَ، "ووُضِعتْ لهم في الحُجرةِ، قال: فأكَلَ وأكَلوا معه" مِنَ الخُبزِ واللَّحمِ المَطهُوِّ، "ثم نَهَضَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَن معه إلى الصَّلاةِ"؛ لِيُصلِّيَ "وما مَسَّ ولا أحَدٌ مِمَّن كان معه ماءً" فلم يُجدِّدوا وُضوءَهم، "قال: ثم صَلَّى بهم" بَعدَما أكَلَ وأكَلوا مِنَ الخُبزِ واللَّحمِ، "وكان ابنُ عَبَّاسٍ إنَّما عَقَلَ مِن أمْرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آخِرَه" وقدْ كان آخِرُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الوُضوءِ مِن أكْلِ الطَّعامِ الذي طُهيَ وأُنضِجَ بالنارِ، هو تَركَ الوُضوءِ. وفي الحَديثِ: إثباتُ النَّسخِ في السُّنَّةِ. وفيه: بَيانٌ لِفِقهِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم.