الموسوعة الحديثية


- يُؤْتَى بالرجلِ يومَ القيامةِ من أهلِ الجنةِ ، فيقولُ له : يا ابنَ آدمَ ! كيف وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟ فيقولُ : أَيْ رَبِّ ! خيرُ مَنْزِلٍ ، فيقولُ : سَلْ وتَمَنَّ ، فيقولُ : يا ربِّ ما أسألُ ولا أَتَمَنَّى إلَّا أن تَرُدَّنِي إلى الدنيا ، فأُقْتَلَ في سبيلِك عَشْرَ مِرَارٍ ، لِمَا يَرَى من فضلِ الشهادةِ ، ويُؤْتَى بالرجلِ من أهلِ النارِ ، فيقولُ له : يا ابنَ آدمَ ! كيف وَجَدْتَ مَنْزِلَكَ ؟ فيقولُ : أَيْ رَبِّ ! شَرُّ مَنْزِلٍ ، فيقولُ له : أَتَفْتَدِي منه بطِلَاعِ الأرضِ ذهبًا ؟ فيقولُ : أَيْ رَبِّ ! نعم ، فيقولُ : كَذَبْتَ قد سألتُكَ أَقَلَّ من ذلك وأَيْسَرَ ، فلم تفعلْ فيُرَدُّ إلى النارِ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 7996 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (2805)، والنسائي (3160) مختصراً، وأحمد (13162) واللفظ له
يُوضِّحُ هذا الحديثُ بعضًا مِن مَشاهِدِ يومِ القِيامةِ؛ ممَّا يُبيِّنُ منازلَ أهلِ الجَنَّةِ وفضْلَ الأعمالِ الصالحةِ، ومنازِلَ أهلِ النارِ وتقصيرَهم في الأعمالِ المُنجِيةِ مِن النارِ، حيثُ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يُؤتى بالرَّجُلِ يَومَ القِيامةِ مِن أهلِ الجَنَّةِ"، والمُرادُ به الشَّهيدُ الذي قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ بَعدَما دَخَلَ الجَنَّةَ ورأى مَنزِلَتَه فيها، وقيلَ: بل بغَيرِه بَعدَما رأى فَضلَ الشَّهيدِ، "فيَقولُ له اللهُ عَزَّ وجَلَّ: يا ابنَ آدَمَ، كيف وَجَدتَ مَنزِلَكَ؟"، أيْ: دَرَجَتَكَ ومَنزِلَتَكَ التي حَصَلتَ عليها في الجَنَّةِ، هل تَرضى بها؟ فيَقولُ الرَّجُلُ: "أيْ رَبِّ، خَيرُ مَنزِلٍ"، وهذا بَيانٌ لِرِضاه بما حَصَلَ عليه مِنْ نَعيمٍ، فيَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: "سَلْ وتَمَنَّ"، فاسألْ واطلُبْ ما تَشاءُ، "فيَقولُ" الرَّجُلُ: "يا رَبِّ ما أسألُ ولا أتَمَنَّى إلَّا أنْ تَرُدَّني إلى الدُّنيا، فأُقتَلَ في سَبيلِكَ عَشرَ مِرارٍ"، فيَطلُبُ تَكرارَ الحَياةِ لِبَذْلِها في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ وذلك "لِمَا يَرى مِن فَضلِ الشَّهادةِ"، فيَطمَعُ في أنْ يَنالَ أجْرَ الشَّهيدِ أضعافًا مُضاعَفةً؛ فلِلشَّهادةِ والمَوتِ في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَضلٌ كَبيرٌ، وأجْرٌ عَظيمٌ؛ ولذلك يَرجوها المُسلِمُ الصَّادِقُ ويَسألُ اللهَ تَعالى الشَّهادةَ والمَوتَ في سَبيلِه، حتى إنَّ أهلَ الجَنَّةِ يَتمنَّونَ الرجوعَ إلى الدُّنيا ونيْلَها لِمَا رأوا مِن فضلِها وعظيمِ مَنزلتِها. ثم قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "ويُؤتَى بالرَّجُلِ مِن أهلِ النارِ" مِنَ العاصينَ الذين دَخَلوا النارَ "فيَقولُ له: يا ابنَ آدَمَ، كيفَ وَجَدتَ مَنزِلَكَ؟"، أي: دَرَجتَكَ ومَنزِلَتَكَ التي حَصَلتَ عليها في النارِ، هل تَرضى بها؟ "فيَقولُ: أيْ رَبِّ! شَرُّ مَنزِلٍ" أسوَأُ مَكانٍ لِلنُّزولِ والإقامةِ "فيَقولُ له: أتَفتَدي منه بطِلاعِ الأرضِ ذَهَبًا؟" والمَعنى هل تَرضى وتُحِبُّ أنْ تَدفَعَ مِثلَ وَزنِ الأرضِ ذَهَبًا لِتَخرُجَ مِنَ النارِ؟ "فيَقولُ العاصي: "أيْ رَبِّ، نَعَمْ" فيَرضى بأنْ يَدفَعَ كُلَّ هذه الأموالِ والذَّهَبِ لِيَتخَلَّصَ مِنَ النارِ، فيَقولُ اللهُ له: "كَذَبتَ، قد سألتُكَ أقَلَّ مِن ذلك وأيسَرَ" مِنَ العِباداتِ أوِ النَّفَقةِ في سَبيلِ اللهِ، "فلم تَفعَلْ" في الدُّنيا "فيُرَدُّ إلى النارِ"؛ خِزْيًا له. وفي الحَديثِ: الحَثُّ والتَّرغيبُ في الجِهادِ والقِتالِ في سَبيلِ اللهِ تَعالى. وفيه: التَّحذيرُ والتَّرهيبُ مِن عَذابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَومَ القِيامةِ. وفيه: حَثٌّ على استِباقِ الآخِرةِ بالعَمَلِ الصَّالِحِ.