الموسوعة الحديثية


- إنَّ أحبَّ الكلامِ إلى اللَّهِ أن يقولَ العبدُ : سبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ ، وتبارَكَ اسمُكَ ، وتعالى جدُّكَ ، ولا إلَهَ غيرُكَ ، وإنَّ أبغضَ الكلامِ إلى اللَّهِ أن يقولَ الرَّجلُ للرَّجلِ : اتَّقِ اللَّهَ ، فيقولُ عليكَ نفسَكَ
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 2939 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح رجاله ثقات | التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (10685)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (630)، وقوام السنة في ((الترغيب والترهيب)) (766)
ذِكْرُ اللهِ تَعالى مِن أسْبابِ مَحَبَّتِه، والذِّكْرُ وما يَشتَمِلُ عليْه مِن تَحْمِيدٍ وتَسْبيحٍ يَجعَلُ العَبْدَ مُرتَبطًا باللهِ في كلِّ أَوْقاتِه وجَميعِ أَحْوالِه، والمُؤمِنُ الذَّاكِرُ للهِ يَسْتجيبُ لأوامِرِه على كلِّ حالٍ، أمَّا الغافِلُ فإنَّه لا يَقْبَلُ شَيئًا مِن الخَيرِ، بل لا يُوَفَّقُ إليه. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ: "إنَّ أَحَبَّ الكَلامِ إلى اللهِ أنْ يَقولَ العَبْدُ: سُبْحانَكَ اللَّهمَّ وبِحَمْدِكَ"، أي: أُنزِّهُك يا ربِّ عن كلِّ نَقْصٍ، وأُثْني عليْك أنْ وفَّقْتَني لتَسْبيحِكَ، والتَّسْبيحُ: التَّقْديسُ والتَّنْزيهُ، والحمدُ: الثَّناءُ بالجَميلِ، وقدَّم التَّسْبيحَ على التَّحْميدِ؛ لأنَّ التَّسْبيحَ تَنْزيهٌ عن النَّقائِصِ، والحَمْدَ ثَناءٌ بصِفاتِ الكَمالِ؛ والتَّخلِيةُ مُقَدَّمةٌ على التَّحلِيةِ. "وتَبارَكَ اسْمُكَ"، أي: كَثُرَتْ بَرَكةُ اسْمِك العَظيمِ الجَليلِ، فوَجَدَ الخَيرَ كلُّ مَن ذَكَرَ اسْمَك، والبَرَكةُ: هي الزِّيادَةُ في الخيرِ، "وتَعالى جَدُّكَ"، أي: عَلَتْ عظَمتُكَ وارْتفَعَتْ على عَظَمةِ مَن سِواكَ، والجَدُّ: العَظَمةُ، "ولا إلَه غَيرُكَ"، أي: ولا يَسْتحِقُّ العِبادةَ والتَّعْظيمَ غيرُك، ولا مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِواكَ. وإنَّما كانتْ هذه الكَلِماتُ أَحَبَّ الكَلامِ إلى اللهِ؛ لاشْتِمالِها على تَوحيدِ اللهِ تعالَى وتَقْديسِه والثَّناءِ عليه بأَنْواعِ الجَميلِ، والتَّنْزيهِ لَه عن كلِّ ما لا يَجوزُ عليْه مِن المِثْلِ والشَّبَهِ والنَّقْصِ، وكلِّ ما أَلْحَدَ فيه المُلحِدونَ مِن أسْمائِه. وأفضليةُ هذا الكلامِ وكونُه أحبَّ الكلامِ إلى اللهِ تعالى محمولٌ على كلامِ البَشرِ، وإلَّا فالقرآنُ الذي هو كلامُ اللهِ تعالى أفضلُ وأحبُّ إلى اللهِ سُبحانَه من أيِّ كلامٍ، والاشتغالُ بالكلامِ المأثورُ في وقتٍ أو حالٍ ونحو ذلِك أفضلُ؛ فالجمْعُ بيْن هذا وبيْنَ ما يُوهِمُ ظاهره التعارُضِ كحَديثِ جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه الذي أخرَجَه أبو داودَ والتِّرمذيُّ، والذي فيه أنَّ "أفْضَل الذِّكرِ لا إلهَ إلَّا الله": أنَّ هذه الأذكارَ إذا أُطلِقَ على بعضِها أنَّه أفضلُ الكلامِ أو أحبَّه إلى اللهِ؛ فالمرادُ إذا انضمَّتْ إلى أخواتِها. ويَحتمِلُ أنْ تكون (مِن) مُضمَرةٌ في الكلامِ، ويكونَ المعنى: مِن أحبِّ، أو مِن أفضلِ الذِّكرِ والكلامِ كذا. . . ، وكلمة (لا إلهَ إلَّا اللهُ) أفضلُ ذلك؛ لأنَّها ذُكِرتْ بالتنصيصِ عليها بالأفضليةِ الصَّريحةِ، وذُكِرتْ مع أخواتِها بالأحبيَّةِ؛ فحصَلَ لها التفضيلُ تَنصيصًا وانضمامًا. "وإنَّ أبْغَضَ الكَلامِ إلى اللهِ"، وهو ما يَكْرَهُه اللهُ سُبْحانَه "أنْ يَقولَ الرَّجُلُ للرَّجُلِ" ناصِحًا له: "اتَّقِ اللهَ" بأنْ تَكونَ على خَوْفٍ مِن اللهِ، وتراقِبَه في نفْسِكَ، "فيَقولُ" المَنْصوحُ له وهو غيرُ مُستجيبٍ لنُصحِه: "عليْكَ نفْسَكَ"، فالزَمْ حالَ نفْسِكَ ولا عليْكَ أنْ تَنْصَحَني، وهذا يَدُلُّ على تَكَبُّرِ المَنْصوحِ، وعَدَمِ قَبُولِه دَعْوةَ العَوْدةِ إلى طَريقِ اللهِ والخَوْفِ مِن بَطْشِه سُبْحانَه!وفي الحديثِ: حَثٌّ وإرْشادٌ على دَوامِ ذِكْرِ اللهِ بِجَوامِعِ الكَلِمِ التي يُحِبُّها سُبْحانَه. وفيه: تَحْذيرٌ مِن عَدِمِ قَبولِ النَّصيحَةِ بِالتَّخْويفِ مِن اللهِ سُبْحانَه. وفيه: بيانُ تَفضيلِ بَعضِ الكَلامِ على بَعضٍ.