الموسوعة الحديثية


- أنَّ أبا هُرَيْرةَ قدِمَ المدينةَ هو ونفَرٌ من قوْمهِ، فقال: قدِمْنا وقدْ خرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى خَيْبرَ، واستَخلَف على المدينةِ رجُلٌ من بَني غِفارٍ يُقالُ له: سِباعُ بنُ عُرْفُطةَ، فأتَيْناهُ، وهو يُصلِّي بالنَّاسِ صلاةَ الغَداةِ، فقرَأ في الركعةِ الأُولى: (كهيعص)، وفي الثَّانيةِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)، قال أبو هُرَيْرةَ: فأقولُ وأنا في الصَّلاةِ: وَيلٌ لأبي فُلانٍ، له مِكيالانِ، إذا اكْتال اكْتال بالوافي، وإذا كال كال بالناقصِ، فلمَّا فرَغْنا من صلاتِنا أتَيْنا سِباعًا، فزوَّدنا شيئًا حتى قدِمْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقدْ فتَحَ خَيْبرَ، فكلَّم المُسلمِينَ، فأَشرَكَنا في سِهامِهم.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار | الصفحة أو الرقم : 2910 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
في هذا الحديثِ إخْبارٌ عن بعْضِ ما وقَعَ للصَّحابيِّ الجَليلِ أبي هُريْرةَ عندَ أوَّلِ قُدومِه للمَدينةِ، وفيه يَحكِي خُثَيْمُ بنُ عِراكٍ عن أَبيهِ: "أنَّ أبا هُريْرةَ قَدِمَ المدينةَ هو ونَفَرٌ مِن قَوْمِه"، وذلك حِينَ أَتَوا مُسْلِمينَ للهِ سَنةَ سبْعٍ مِن الهِجْرةِ، "فقالَ: قَدِمْنا وقد خَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ إلى خَيبَرَ"، أي: خَرَجَ لقِتالِ أهْلِها، وكانتْ غزْوةُ خَيبَرَ في السَّنةِ السَّابعةِ مِن الهجْرةِ بَيْنَ المُسْلِمين واليَهودِ، وخَيبَرُ قرْيةٌ تَبْعُدُ عن المدينةِ 165 مِيلًا على طريق الشَّامِ (264كم تقريبًا)، واسْتَخْلفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ على المدينةِ رجُلًا مِن بَني غِفارٍ يُقالُ له: سِباعُ بنُ عُرْفُطةَ، فأَتاه أبو هُريْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه وهو يُصلِّي بالنَّاسِ صَلاةَ الصُّبْحِ، فَوَجَدَه يَقْرأُ في الرَّكْعةِ الأولى سُورَةَ مرْيمَ، وفي الرَّكْعةِ الثَّانيةِ سُورَةَ المُطَفِّفين، وفي تلك السُّورَةِ يتَوعَّدُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ مَن يُطَفِّفون المِكْيالَ بالعَذابِ. والويلُ: هو الهَلاكُ والعَذابُ، وقيلَ: الوَادي الذي يَسيلُ منه صَديدُ أهلِ جَهنَّمَ في أسفَلِها، والمُطَفِّفون هم الذين يَنْقُصون النَّاسَ، ويَبْخَسونهم حُقوقَهم -في مَكاييلِهم إذا كالُوهم، أو مَوازينِهم إذا وَزَنوا لهم- عن الواجبِ لهم مِن الوفاءِ. وقِراءةُ هاتَيْنِ السُّورتَيْنِ للتَّطْويلِ في صَلاةِ الصُّبْحِ حتى يُصيبَ فيها التَّغْليسَ والإسْفارَ، فيَجْمعُ بَيْنَ ابتِداءِ الصَّلاةِ أوَّلَ وقْتِها ثُمَّ يُطيلُ القِراءةَ ليُنْهِيَها في وقْتِ بِدايةِ وُضوحِ الضَّوءِ قبْلَ الشُّروقِ. قال أبو هُريْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: "فأَقُولُ -وأنَا في الصَّلاةِ-"، ولَعلَّه قالَ ذلك في نفْسِه وهو يُصلِّي ولم يَجْهَرْ به: "وَيْلٌ لأبي فُلانٍ؛ له مِكْيالانِ"، وهذا مِن أَثَرِ سَماعِ أبي هُريْرةَ لسُورَةِ المُطَفِّفينَ وما فيها مِن زَجْرٍ وتَحْذيرٍ مِن الخِيانةِ في المِيزانِ والمِكْيالِ، فتَذَكَّرَ أَحَدَهم -والذي كان له مِعْيارانِ للكَيْلِ-، فكان "إذا اكْتالَ اكْتالَ بالوَافي"، يعني: أنَّه إذا وَزَنَ لنفْسِه عندَ شِرائِه البِضَاعةَ اسْتَوْفى الوَزْنَ والحقَّ كامِلًا، "وإذا كالَ كالَ بالنَّاقِصِ" فإذا وَزَنَ أو قَدَّرَ الحقَّ لغيْرِه عندَ البَيْعِ نَقَصَ الوَزْنَ للمُشْتَري، "فلمَّا فَرَغْنا مِن صَلاتِنا أَتَيْنا سِباعًا، فَزَوَّدَنا شَيئًا"، أي: فأَعْطانا قَليلًا مِن الطَّعامِ والزَّادِ لنَلْحَقَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ في فَتْحِ خَيبَرَ، "حتى قَدِمْنا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ وقد فَتَحَ خَيبَرَ" وانْتَهى مِن فَتْحِها قبْلَ وُصولِنا إليْه، "فكَلَّم المُسْلِمينَ، فأَشْرَكَنا في سِهامِهم"، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ قد اسْتَشارَ المُحارِبينَ الذين غَزَوْا معه خَيبَرَ في إشْراكِ أبي هُريْرةَ ومَن معَه في أَسْهُمِ وغَنيمَةِ خَيبَرَ، فَوافَقوا ورَضُوا؛ فأَشْرَكَهم في ذلك، ولم يُعْطِهم إلَّا عن طِيبِ خاطِرٍ مِن المُسْلِمينَ الذين حارَبوا في فَتحِ خَيبَرَ. وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن إنقاصِ الموازيينِ والمكاييلِ ولو شَيئًا قَليلًا. وفيه: أهمِّيَّةُ تَدبُّرِ القُرْآنِ، لا سِيَّما في الصَّلاةِ. وفيه: الحثُّ على مراقبةِ اللهِ تَعالى في أُمورِ البَيْعِ والشِّراءِ. وفيه: الحَثُّ على إكْرامِ المُسْلِمينَ وإيثارِ بعْضِهم بعْضًا.