الموسوعة الحديثية


- أُتِي عُمرُ بامرأةٍ قد فجَرَتْ، فأمَرَ برَجْمِها، فمَرَّ عليٌّ، فأخَذَها فخلَّى سبيلَها، فأُخبِرَ عُمرُ، فقال: ادعوا لي عليًّا، فجاء عليٌّ، فقال: يا أميرَ المؤمنينَ، لقد علِمتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن النائمِ حتى يستيقِظَ، وعن المعتوهِ حتى يبرَأَ؛ لانَّ هذه مَعْتوهةُ بني فلانٍ، لعلَّ الذي أتاها أتاها وهي في بلائِها، قال: فقال عُمرُ: لا أدري، فقال عليٌّ: وأنا لا أدري.
الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 4402 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
حَثَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أنْ تُدرَأَ الحُدودُ بالشُّبُهاتِ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "أُتيَ عُمَرُ بامرأةٍ"، أي: جاءَ الناسُ بها إليه؛ لِيَقضيَ فيها بكِتابِ اللهِ تَعالى؛ وذلكَ أنَّه كانَ خَليفةَ المُسلِمينَ آنَذاكَ، ووَليَّ الأمْرِ، "قد فَجَرتْ" وذلك بأنْ وَقَعتْ في فاحِشةِ الزِّنا، "فأمَرَ برَجْمِها"، فقَضى فيها بَعدَ الشُّورى أنْ تُرجَمَ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّها كانتْ مُحصَنةً؛ قيلَ: ولَعَلَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه أرادَ أنْ يُقيمَ الحَدَّ على هذه المَرأةِ؛ لأنَّها كانتْ تُجَنُّ مَرَّةً وتُفِيقُ أُخرى، فرَأى عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه ألَّا يُسقِطَ عنها الحَدَّ لِمَا يُصيبُها مِنَ الجُنونِ؛ إذْ كانَ الزِّنا منها حالَ الإفاقةِ، فمَرَّ عَلِيُّ بن أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه بالناسِ وهم آخِذونَ تلكَ المَرأةَ بَعدَ أن خَرَجوا بها مِن عِندِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه "فأخَذَها فخَلَّى سَبيلَها"، أي: أخَذَها عليٌّ رَضيَ اللهُ عنه مِن أيدي الناسِ وتَرَكَها لِحالِ سَبيلِها، وأمَرَ الناسَ ألَّا يُقِيموا عليها الحَدَّ، "فأُخبِرَ عُمَرُ" بما فَعَلَه عَلِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه، "فقال: ادْعوا لي عَلِيًّا"؛ لِمَعرفةِ السَّبَبِ في إخلائِهِ سَبيلَ المَرأةِ، وعَدَمِ مُوافَقَتِه على إقامةِ الحَدِّ عليها، "فجاءَ عَلِيٌّ، فقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، لقد عَلِمتُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثةٍ"؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ قد رَفعَ التَّكليفَ والعِقابَ عن ثَلاثةِ أصنافٍ مِنَ البَشَرِ، "عنِ الصَّبيِّ حتى يَبلُغَ" حتى يَبلُغَ الحُلُمَ ويَعقِلَ، "وعنِ النائِمِ حتى يَستَيقِظَ" مِن نَوْمِه، "وعنِ المَعتوهِ"، وهو مَن فَقَدَ عَقلَه، أو يأتيه الصَّرَعُ وفُقدانُ العَقلِ مَرَّاتٍ في بَعضِ الأوقاتِ، "حتى يَبرَأَ" حتى يُشفَى ويَعقِلَ، وهذا مِن بابِ تَذكيرِ عَلِيٍّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما بحَديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم بَيَّنَ سَبَبَ رَفضِهِ لإقامةِ الحَدِّ على المَرأةِ، فقالَ: "لأنَّ هذه مَعتوهةُ بَني فُلانٍ"، أيْ: مَشهورةٌ عِندَ قَومِها بهذا المَرَضِ؛ "لَعَلَّ الذي أتاها" وهو الذي زَنى بها، "أتاها وهي في بَلائِها"، فوقَعَ بها وهي في حالةِ فُقدانِ العَقلِ والوَعيِ، "فقالَ عُمَرُ: لا أدْري" ماذا أفعَلُ بها، وقد وَقَعَ الشَّكُّ والرَّيبُ في قَلبِه مِنَ الأمْرِ، فهو لا يَدْري متى وَقَعَ عليها الفاعِلُ، "فقالَ عَلِيٌّ: وأنا لا أدْري"، فوَقَعَ الجَميعُ في الشَّكِّ والشُّبهةِ، وهنا تُدرَأُ الحُدودُ بالشُّبُهاتِ. وفي رِوايةِ أبي داودَ: أنَّ عَليًّا قالَ لِعُمَرَ: "فأرْسِلْها. قال: فأرسَلَها"، فأطلَقَ عُمَرُ سَراحَها دونَ حَدٍّ؛ لِمَا بها مِن جُنونٍ، "قال: فجَعَلَ يُكَبِّرُ"، فجَعَلَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه يُكبِّرُ اللهَ عزَّ وجلَّ؛ فرَحًا بتَصويبِ عَليٍّ له، ومَنعِه مِن أنْ يَقَعَ في مِثلِ هذا الخَطأِ، وكانَ مِن عَادةِ عُمَرَ ودَأْبِه رَضيَ اللهُ عنه أنَّه رجَّاعٌ إلى الحَقِّ. وفي الحديثِ: أنَّ حُضورَ العقلِ هو مناطُ التكليفِ. وفيه: بيانُ تخفيفِ الشرعِ على الناسِ في التَّكليفاتِ، واحتياطِه الشديدِ في أمْرِ الدِّماءِ. وفيه: إنكارُ العالِمِ على الحاكمِ أو نُصحِه له بالحُجَّةِ والدليلِ الشرعيِّ، وأنَّ هذا ليس افتِئاتًا عليه.