الموسوعة الحديثية


- ذُكِرَ عِندَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الثُّومُ والبَصَلُ، وقيل: يا رَسولَ اللَّهِ، وأشَدُّ ذلك كُلِّه الثُّومُ، أفَتُحرِّمُه؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: كُلوهُ، ومَن أكَلَه مِنكم، فلا يَقرَبْ هذا المَسجِدَ حتى يَذهَبَ ريحُه مِنه.
الراوي : أبا سعيد الخدري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج سنن أبي داود | الصفحة أو الرقم : 3823 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
يَنبَغي لِلمُسلِمِ تَعظيمُ المَساجِدِ وتَنزيهُها عنِ الأقذارِ والنَّجاساتِ والرَّوائِحِ الكَريهةِ، ولا سِيَّما تَطهيرَ فَمِهِ، إذا أرادَ أنْ يُناجِيَ رَبَّهُ -بالتِّلاوةِ لِلقُرآنِ- الحَقَّ عزَّ وجلَّ، أو في الصَّلاةِ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه: "ذُكِرَ عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الثُّومُ والبَصَلُ"، أي: حُكمُ أَكْلِهما وما يَترُكانِ مِن أثَرٍ ورائِحةٍ، "وقيلَ: يا رَسولَ اللهِ، وأشَدُّ ذلك كُلِّهِ الثُّومُ" فإنَّه أشَدُّ تأثيرًا على المَعِدةِ وأشَدُّ رائِحةً في الفَمِ؛ ولذلك سألوه: "أفَتُحَرِّمُه؟" وهل أكْلُهما حَرامٌ فيَمتَنِعَ عنه الناسُ؟ "فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كُلوهُ"، فبَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إباحةَ أكْلِهما، إلَّا أنَّ هناك ضابِطًا لِمَا أُكِلَ منهما وهو أنَّ "مَن أكَلَهُ منكم، فلا يَقرَبْ هذا المَسجِدَ حتى يَذهَبَ ريحُهُ منه"، وهذا النَّهيُ إنَّما هو عن حُضورِ المَسجِدِ، لا عن أكْلِ الثُّومِ والبَّصلِ ونَحوِهما، فهذه البُقولُ حَلالٌ؛ وسَبَبُ النَّهيِ عنِ الدُّنُوِّ مِنَ المَسجِدِ هو تَأذِّي الآدَميِّينَ وتَأذِّي المَلائِكةِ بسَبَبِ رائحتِها؛ فإذا أكَلَ ما يُزيلُ ريحَهما، أو نَظَّفَ فَمَه، زالَ النَّهيُ، ومِثلُ ذلك كُلُّ ما له رَوائِحُ نَفَّاذةٌ مِنَ البُقولِ والخَضْراواتِ وغيرِها، وما يُسبِّبُ التَّجَشُّؤَ والانتِفاخَ. وعلى هذا فيَشمَلُ النَّهيُ دُخولَ المسجِدِ إنْ كانَ خَالِيًا من الإنسِ؛ لأنَّه مَحَلُّ الملائكةِ ولعُمومِ الأحاديثِ. ولَمَّا اختُصَّ النَّهيُ بدُخولِ المَساجِدِ، دَلَّ على عَدَمِ النَّهيِ عن دُخولِ الأسواقِ وغَيرِها لِمَن أكَلَ هذه الأشياءَ؛ لِأنَّه ليس فيها حُرمةُ المَساجِدِ، وليسَتْ مَحلَّ حُضورِ المَلائِكةِ، ولأنَّه إنْ تَأذَّى به أحَدٌ في السُّوقِ، يَسهُلُ عليه الابتِعادُ عنه، بخِلافِ المَساجِدِ.