- أتدرونَ ما سَعةُ جَهنَّم قلنا لا قال أجل قال واللَّهِ ما تدرونَ أنَّ ما بينَ شحمةِ أذنِ أحدِهم وبينَ عاتقِه مسيرةُ سبعينَ خريفًا تجري فيهِ أوديةُ القيحِ والدَّم قلتُ أنهارٌ قال لا بل أوديةٌ ثمَّ قال هل تدرونَ ما سعةُ جَهنَّمَ قال قلنا لا قال أجل واللَّهِ ما تدرون حدَّثتني عائشةُ أنَّها سألتِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن قولِه {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} أينَ النَّاسُ يومئذٍ قال على جسرِ جَهنَّمَ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء
الصفحة أو الرقم: 8/196 | خلاصة حكم المحدث : غريب من حديث مجاهد تفرد به حبيب عن حمزة وهو كوفي ثقة عزيز الحديث
التخريج : أخرجه أحمد (24900)
وفي هذا الحديثِ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما قال لتِلميذِه مُجاهِدِ بنِ جبْرٍ: "أَتَدْري"، أي: أتَعْرِفُ "ما سَعَةُ جَهنَّمَ؟" أي: ما وُسْعُ ومِساحةُ النَّارِ، طولُها وعَرضُها؟ قال مُجاهدٌ: "قلْتُ: لا" أي: إنَّه لا يَعلَمُ حَجمَها ووُسعَها، قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "أجَلْ واللهِ ما تَدْري" أي: نعَمْ، صدَقْتَ؛ فإنَّك لا تَعرِفُ؛ لأنَّ مِثلَ تلك الغَيبيَّاتِ لا تُعلَمُ إلَّا بما أخبَرَ اللهُ تعالى في كِتابِه، أو بما صحَّ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم قال ابنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "إنَّ بيْن شَحْمَةِ أُذُنِ" وهي اللَّحْمَةُ المتدلِّيةُ في آخِرِ الأُذُنِ، "أحَدِهم وبيْن عاتِقِه" وهو الكَتِفُ، "مَسيرةَ سبعينَ خريفًا" وهذا مِن عِظَمِ خَلْقِ اللهِ، "تَجْري فيها أودِيةُ القَيْحِ والدَّمِ" وهو الصَّديدُ وعِصارةُ الجُروحِ، "قلتُ: أنهارًا؟" أي: هل يَجري الصديدُ والدَّمُ أنهارًا؟ "قال: لا، بلْ أوديةً" وهذا دليلٌ على شِدَّةِ العذابِ، "ثم قال: أتَدْرون ما سَعَةُ جهنَّمَ؟ قلتُ: لا، قال: أجَلْ واللهِ ما تَدري" وهذا مِن بابِ إعادةِ السُّؤالِ؛ لِـجذْبِ الانتباهِ وتَحقيقِ القولِ في الأمْرِ.
ثم قال ابنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "حدَّثَتْنِي عائشةُ أنَّها سأَلَتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ عن قولِهِ: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، أي: إنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالى يَقبِضُ الأرَضينَ السَّبْعَ بكُلِّ أجزائِها وطبَقاتِها، وكذلك يَقبِضُ السَّمَواتِ في قَبضةِ يَدِه اليُمْنى، وكِلْتا يَدَيْه يَمينٌ سُبحانَه وتَعالى، ولهما صِفةُ الكَمالِ على ما يَلِيقُ بالربِّ الجليلِ سُبحانَه، ولا تُمثَّلُ صِفاتُه بصِفاتِ خَلْقِه؛ فليسَ كمِثْلِه شيءٌ، ولا يَعلَمُ كيفيَّتَها إلَّا هو سُبحانَه، فتعَجَّبَتْ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها، وسأَلتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فأين الناسُ يومَئذٍ يا رسولَ اللهِ؟ قال: همْ على جِسْرِ" وهُو الصِّراطُ الذي يُنصَبُ على ظَهْرِ "جَهَنَّمَ"، والمعنى: يَكونون واقِفينَ على الصِّراطِ، وهذا بَيانٌ لِمَدى سَعَةِ النَّارِ؛ حيثُ اجتمَعَتْ تلكَ الخلائقُ كلُّها على جِسْرٍ مِنها.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ اليدِ للهِ تَعالى.
وفيه: بَيانُ عظمةِ قُدْرَةِ اللهِ وعَظَمَةِ خَلْقِه وسَعَتِه بما لا يُدْرِكُه أحَدٌ .