الموسوعة الحديثية


- عنْ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ، أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه شاوَرَ الهُرْمُزانَ في أصْبَهانَ وفارِسَ وأذْرَبِيجانَ، فقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، أصْبَهانُ الرَّأسُ، وفارِسُ وأذْرَبِيجانُ الجَناحانِ، فإذا قطَعْتَ إحْدى الجَناحَينِ، فالرَّأسُ بالجَناحِ، وإنْ قطَعْتَ الرَّأسَ، وقَعَتِ الجَناحانِ، فابدَأْ بأصْبَهانَ، فدخَلَ عُمَرُ المَسجِدَ، فإذا هو بالنُّعْمانِ بنِ مُقرِّنٍ يُصلِّي، فانتَظَرَه حتَّى قَضى صَلاتَه، فقالَ: إنِّي مُستَعمِلُكَ، فقالَ: أمَّا جابيًا فلا، وأمَّا غازيًا فنعمْ، قالَ: فإنَّكَ غازٍ، فسرَّحَه، وبعَثَ إلى أهْلِ الكوفةِ أنْ يَمُدُّوه ويَلْحَقوا به، وفيهم حُذَيفةُ بنُ اليَمانِ، والمُغيرةُ بنُ شُعْبةَ، والزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ، والأشعَثُ بنُ قَيسٍ، وعَمْرُو بنُ مَعْدي كَرِبَ، وعَبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، فأتاهُمُ النُّعْمانُ وبيْنَه وبيْنَهم نَهرٌ، فبعَثَ إليهمُ المُغيرةَ بنَ شُعْبةَ رَسولًا، ومَلِكُهم ذو الجَناحَينِ فاستَشارَ أصْحابَه: ما ترَوْنَ أقعُدُ لهم في هَيْئةِ الحَربِ أو في هَيْئةِ المُلكِ وبَهجَتِه؟ فجلَسَ في هَيْئةِ المُلكِ وبَهجَتِه على سَريرٍ، ووضَعَ التَّاجَ على رأْسِه، وحَولَه سِماطَينِ عليهم ثِيابُ الدِّيباجِ، والقُرْطةِ، والأَسْوَرةِ، فجاء المُغيرةُ بنُ شُعْبةَ، فأخَذَ بضَبعَيْه، وبيَدِه الرُّمحُ والتُّرسُ، والنَّاسُ حَولَه سِماطَينِ على بِساطٍ له، فجعَلَ يَطعَنُه برُمحِه، فخَرَّقَه لكي يَتطَيَّروا، فقالَ له ذو الجَناحَينِ: إنَّكم يا مَعشَرَ العرَبِ أصابَكم جوعٌ شَديدٌ وجَهدٌ فخرَجْتُم، فإنْ شِئْتم مُرْناكم ورَجَعْتم إلى بِلادِكم، فتكَلَّمَ المُغيرةُ فحمِدَ اللهَ وأثْنى عليه، وقالَ: إنَّا كنَّا مَعشرَ العَربِ نأكُلُ الجِيَفَ والمَيْتةَ، وكانَ النَّاسُ يَطَؤُونا، ولا نَطَؤُهم، فابتَعَثَ اللهُ منَّا رَسولًا في شرَفٍ منَّا أوسَطَنا حَيًّا وأصدَقَنا حَديثًا، وإنَّه قد وعَدَنا أنَّ هاهنا ستُفتَحُ علينا، وقد وجَدْنا جَميعَ ما وعَدَنا حقًّا، وإنِّي لأرَى هاهنا بَزَّةً وهَيْئةً ما أرَى مَن مَعي بذاهِبينَ حتَّى يَأْخُذوه، فقالَ المُغيرةُ: فقالَتْ لي نَفْسي: لو جمَعْتَ جَراميزَكَ فوثَبْتَ وَثْبةً، فجلَسْتُ معَه على السَّريرِ؛ إذ وجَدْتُ غَفْلةً فزَجَروني، وجَعَلوا يَجُبُّونَه، فقُلْتُ: أرأيْتُم إنْ كنْتُ أنا استَجمَعْتُ، فإنَّ هذا لا يُفعَلُ بالرُّسلِ، وإنَّا لا نَفعَلُ هذا برُسُلِكم إذا أتَوْنا، فقالَ: إنْ شِئْتم قطَعْنا إليكم، وإنْ شِئْتم قطَعْتم إلينا، فقُلْتُ: بل نقطَعُ إليكم، فقطَعْنا إليهم، وصافَفْناهُم، فتَسَلسَلوا كلُّ سَبعةٍ في سِلسلةٍ، وخَمسةٌ في سِلسِلةٍ حتَّى لا يَفِرُّوا، قالَ: فرامَوْنا حتَّى أسْرَعوا فينا، فقالَ المُغيرةُ للنُّعْمانِ: إنَّ القَومَ قد أسْرَعوا فينا فاحمِلْ، فقالَ: إنَّكَ ذو مَناقِبَ، وقد شهِدْتَ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنِّي شهِدْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا لم يُقاتِلْ أوَّلَ النَّهارِ أخَّرَ القِتالَ حتَّى تَزولَ الشَّمسُ، وتهُبَّ الرِّياحَ ويَنزِلَ النَّصرُ، فقالَ النُّعْمانُ: يا أيُّها النَّاسُ، اهْتَزُّوا ثَلاثَ هَزَّاتٍ، فأمَّا الهَزَّةُ الأُولى: فلْيَقضِ الرَّجلُ حاجَتَه، وأمَّا الثَّانيةُ: فلْيَنظُرِ الرَّجلُ في سِلاحِه وسَيفِه، وأمَّا الثَّالثةُ: فإنِّي حامِلٌ فاحْمِلوا، فإنْ قُتِلَ أحَدٌ، فلا يَلْوي أحَدٌ على أحَدٍ، وإنْ قُتِلْتُ فلا [تَلْوُوا] عَلَيَّ، وإنِّي داعٍ اللهَ بدَعْوةٍ فعزَمْتُ على كلِّ امْرئٍ منكم لَما أمَّنَ عليها، فقالَ: اللَّهمَّ ارزُقِ اليَومَ النُّعْمانَ شَهادةً بنَصرِ المُسلِمينَ، وافتَحْ عليهم، فأمَّنَ القَومُ وهَزَّ لِواءَه ثَلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ حمَلَ، فكانَ أوَّلَ صَريعٍ رَضيَ اللهُ عنه، فذكَرْتُ وَصيَّتَه فلم آلُو عليه، وأعلَمْتُ مَكانَه، فكنَّا إذا قتَلْنا رَجُلًا منهم شُغِلَ عنَّا أصْحابُه يَجُرُّونَه، ووقَعَ ذو الجَناحَينِ مِن بَغلَتِه الشَّهْباءِ، فانشَقَّ بَطنُه، وفتَحَ اللهُ على المُسلِمينَ، فأتيْتُ النُّعْمانَ وبه رَمَقٌ، فأتَيْتُه بماءٍ، فجعَلْتُ أصُبُّه على وَجهِه أغسِلُ التُّرابَ عنْ وَجهِه، فقالَ: مَن هذا؟ فقُلْتُ: مَعقِلُ بنُ يَسارٍ، فقالَ: ما فعَلَ النَّاسُ؟ فقُلْتُ: فتَحَ اللهُ عليهم، فقالَ: الحَمدُ للهِ، اكْتُبوا بذلك إلى عُمَرَ، وفاضَتْ نفْسُه، فاجتمَعَ النَّاسُ إلى الأشعَثِ بنِ قَيسٍ، قالَ: فأتَيْنا أمَّ ولَدِه فقُلْنا: هل عهِدَ إليكِ عَهدًا؟ قالتْ: لا، إلَّا سُفَيطٌ له فيه كِتابٌ، فقَرأْتُه: فإذا فيه إنْ قُتِلَ فُلانٌ ففُلانٌ، وإنْ قُتِلَ فُلانٌ، قالَ حمَّادٌ: فحَدَّثَني علِيُّ بنُ زَيدٍ، حدَّثَنا أبو عُثْمانَ النَّهْديُّ، أنَّه أتَى عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، فقالَ: ما فعَلَ النُّعْمانُ بنُ مُقَرِّنٍ؟ فقالَ: قُتِلَ، قالَ: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ، ثمَّ قالَ: ما فعَلَ فُلانٌ؟ قلْتُ: قُتِلَ يا أميرَ المُؤمِنينَ، وآخَرينَ لا نَعلَمُهم، قالَ: لا نَعلَمُهم لكنَّ اللهَ يَعلَمُهم.
الراوي : معقل بن يسار | المحدث : الحاكم | المصدر : المستدرك على الصحيحين
الصفحة أو الرقم : 5369 | خلاصة حكم المحدث : [سكت عنه وقال في المقدمة رواته ثقات احتج بمثله الشيخان أو أحدهما]