موسوعة الفرق

تَمهيدٌ حَولَ تَأثُّرِ الصُّوفيَّةِ بالأفكارِ الدَّخيلةِ:


إنَّ الدَّارِسَ للمَذاهِبِ والأفكارِ والفلسَفاتِ والأديانِ على اختِلافِها يَجِدُ تَقارُبًا وتَشابُهًا بَينَ جَوانِبَ منَ الفِكرِ الصُّوفيِّ المُنحَرِفِ وبَينَ تلك الأفكارِ والمَذاهبِ على اختِلافِها. والحَقيقةُ أنَّه لا يُمكِنُ القَطعُ برَأيٍ واضِحٍ في هذه المَسألةِ؛ فقد يَكونُ ذلك التَّشابُهُ وارِدًا على سَبيلِ تَوارُدِ الخَواطِرِ والأفكارِ في بَعضِ الجَوانِبِ، وقد يَكونُ ثَمَّةَ تَسَرُّبٌ لبَعضِ الأفكارِ في جَوانِبَ أخرى، كما قد يَكونُ لبَعضِ الشَّخصيَّاتِ الصُّوفيَّةِ تَأثُّرٌ ما ببَعضِ الأفكارِ والطُّقوسِ الأجنَبيَّةِ، فحاول أسلَمَتَها، ومن ناحيةٍ أخرى فبَعضُ الذينَ أسلَموا منَ العَجَمِ رُبَّما بَقيَت في نُفوسِهم رَواسِبُ مِن مُعتَقداتِهمُ القديمةِ وعاداتِهمُ السَّابقةِ وطَبيعَتِهمُ التي قد تَنحو نَحوَ الفلسَفةِ وتَعقيدِ الأمورِ وتَشقيقِ المَسائِلِ والإفراطِ في النَّظرةِ الرُّوحيَّةِ للأمورِ أحيانًا أخرى؛ فانتَقَلت هذه النَّظرةُ مَعَهم بَعدَ إسلامِهم، وصَبَغوا طَريقَتَهم بها، وهذا قد يُفسِّرُ كَثرةَ التَّصَوُّفِ والطُّرُقِ عِندَ الأعاجِمِ، وحُدوثَ الانحِرافاتِ في اعتِقاداتِهم وطُقوسِهم مَعَ شِدَّةِ التَّشَبُّثِ بها والدِّفاعِ المُستَميتِ عنها، والاجتِهادِ العَجيبِ في نَشرِها.
وقد غَلا عَدَدٌ منَ المُستَشرِقينَ في هذا الجانِبِ، واستَماتَ بَعضُهم في مُحاولةِ إرجاعِ جَوانِبَ عَديدةٍ في التَّصَوُّفِ إلى مُؤَثِّراتٍ خارِجيَّةٍ شَكَّلتِ التَّصَوُّفَ في صورةٍ جَديدةٍ مُختَلفةٍ.
وأيَّا ما كان فقد ظَهَرَ في عَهدِ الخِلافةِ العَبَّاسيَّةِ انتِشارُ العُلومِ الكَلاميَّةِ والفلسَفيَّةِ التي أبرَزَتها التَّرجَمةُ، ووضَعَتها في مُتَناوَلِ الجَميعِ، ودَخَلت على الفِكرِ الإسلاميِّ، وفتَحَتِ البابَ على مِصراعَيه أمامَ تَدَفُّقِ مُعتَقَداتٍ وفَلسَفاتٍ ومَذاهِبَ لاهوتيَّةٍ غَريبةٍ عنِ الإسلامِ، كالزَّرادُشتيَّةِ والمانَويَّةِ والمَزْدكيَّةِ والدِّيصانيَّةِ والمرقونيَّةِ وغَيرِها، وكان المُجتَمَعُ الفِكريُّ مَزيجًا من فلسَفةِ اليونانِ، وزُهدِ الهنودِ، وزَندَقةِ الفُرسِ، والشَّكِّ المَسيحيِّ، وانتَشَرَ المُتَكَلِّمونَ والفلاسِفةُ والمَلاحِدةُ، وأدَّت حُرِّيَّةُ العَقلِ التي دَعَت إليها المُعتَزِلةُ إلى البَلبلةِ الفِكريَّةِ.
وعلى كلٍّ فالمَطالِبُ التَّاليةُ تَبحَثُ في بَعضِ أوجُهِ التَّشابُهِ بَينَ تلك الدِّياناتِ والمُعتَقَداتِ وبَينَ التَّصَوُّفِ بصورةٍ عامَّةٍ وموجَزةٍ.

انظر أيضا: