موسوعة الفرق

الفرْعُ التَّاسِعُ: وِلايةُ الفقيهِ عِندَ الحُوثيِّين


وِلايةُ الفقيهِ نِظامٌ وعَقيدةٌ شيعيَّةٌ إماميَّةٌ مُستَحدَثةٌ، اختَرَعَها الخُمينيُّ وطَبَّقَها، وهي تَقضي بإعطاءِ الفقيهِ العادِلِ صَلاحيَّاتِ الإمامِ المَعصومِ عِندَهم، فهو في حالِ غَيبَتِه يقومونَ بهذه الوِلايةِ نيابةً عنه إلى ظُهورِه.
ويرى الحُوثيُّون أنَّ هذه العَقيدةَ مُقتَبَسةٌ منهم في مَوضوعِ الاحتِسابِ المَشهورِ عِندَ الزَّيديَّةِ. فكما أنَّ وِلايةَ الفقيهِ مَسألةٌ مُؤَقَّتةٌ، وإجراءٌ اضطِراريٌّ في ظِلِّ غيابِ الإمامِ المُنتَظَرِ، فكذلك الاحتِسابُ عِندَ الزَّيديَّةِ، فـ(يجِبُ على المُحتَسِبِ أن ينعَزِلَ عِندَ ظُهورِ الإمامِ؛ لأنَّ الإمامةَ رِئاسةٌ عامَّةٌ لشَخصٍ في الدِّينِ والدُّنيا، والفرقُ بَينَ المُحتَسِبِ والإمامِ أنَّ الإمامَ يختَصُّ بأربَعِ خِصالٍ: إقامةِ الجُمَعِ، وأخذِ الأموالِ كَرهًا، وتَجييشِ الجُيوشِ لمُحارَبةِ الظَّالمينَ، وإقامةِ الحُدودِ على مَن وجَبَت عليه، وقَتلِ مَن امتَنَعَ مِنَ الانقيادِ لها. والمُحتَسِبُ لا وِلايةَ له على شَيءٍ من أموالِ اللهِ، ولا يجوزُ قَبضُها إلَّا أن يأذَنَ له أربابُها، ويأمُروا بذلك) [2647] ((الزيدية نشأتها ومعتقداتها)) للأكوع (ص: 83). .
وقال المُرتَضى في تَوضيحِ ذلك: (... فرَجَعَ الإماميُّون بغَيرِ شُعورٍ لمبادئِ الزَّيديَّةِ مِنَ الثَّورةِ والخُروجِ وتَنصيبِ إمامٍ ولو بطَريقةٍ أُخرى كمُرشِدِ ثَورةٍ أو وليٍّ فقيهٍ، أو نائِبِ الإمامِ الثَّاني عَشَرَ، فكُلُّها تُؤَدِّي غَرَضًا واحِدًا هو وُجودُ مَن يحكمُ ويتَولَّى سياسةَ أمرِ الأُمَّةِ، ثُمَّ إنَّ الحاجةَ جَعَلتْهم يرجِعونَ إلى هذه المَبادِئِ فنَجَحوا نَجاحًا باهرًا) [2648] ((الزيدية والإمامية وجها لوجه)) (ص: 127). .
وقد أُعجِبَ حُسَينٌ الحُوثيُّ بقُدوتِه الخُمينيِّ وبما غَيَّرَه في الفِكرِ الجَعفريِّ بناءً على عَقيدَتِه في وِلايةِ الفقيهِ وتَطويرِه لها، وجَعْلِه المَآتِمَ نُقطةَ انطِلاقٍ للثَّورةِ والتَّغييرِ، فقال: (كان اسمُ الحُسَينِ صَلواتُ اللهِ عليه يتَرَدَّدُ كثيرًا في أيَّامِ عاشوراءَ، وفي غَيرِ عاشوراءَ في أوساطِ الشِّيعةِ الجَعفريَّةِ كثيرًا، ويبكونَ ويَلطُمونَ، لكِن كانت كُلُّها مَظاهِرَ عاطِفيَّةً، فجاءَ الإمامُ الخُمينيُّ رَحمةُ اللهِ عليه فاستَطاعَ أن يجعَلَها ذاتَ تَأثيرٍ كبيرٍ... وأصبَحوا يستَلهِمونَ من كَربَلاءَ ومِن عاشوراءَ ومِنَ الحُسَينِ عليه السَّلامُ الأشياءَ الكثيرةَ جِدًّا جِدًّا التي تَدفعُ بهم وبشَبابِهم إلى مَيادينِ الجِهادِ) [2649] ((معرفة الله -وعده ووعيده)) الدرس الثالث عشر (ص: 2، 3). .
ولو صَحَّ ما ادَّعاه الحُوثيُّون من أنَّ الخُمينيَّ استَفادَ في ثَورَتِه من أصلهمُ الخامِسِ ومِن نَظَريَّةِ الاحتِسابِ لدَيهم، فإنَّ حُسَينًا قد طَوَّرَ حتَّى في نَظَريَّةِ الاحتِسابِ، فجعَل منها قيادةً عامَّةً في الدِّينِ والدُّنيا، وخَوَّل نَفسَه بذلك كُلِّه، تَمامًا مِثلَما فعَل الخُمينيُّ في وِلايةِ الفقيهِ التي عارَضَه عليها بَعضُ عُلماءِ ومَراجِعِ الاثني عَشريَّةِ؛ كأبي القاسِمِ الخوئيِّ، فقال حُسَينٌ: (... وليس كما يُقالُ: الإمامةُ رِئاسةٌ عامَّةٌ يعني إقامةَ الحُدودِ، نَقتُلُ هذا ونَقطَعُ يدَ هذا، أوامِرُ فقَط، الأمرُ الذي هو وليُّك فيه، هو الأمرُ الواسِعُ، هي المَهامُّ الواسِعةُ في مَقامِ تَزكيةِ نَفسِك، في مَقامِ أداءِ مَسؤوليَّاتِك في الحَياةِ، هذه الأُمورُ كما قال رسولُ اللهِ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه مَن لم يهتَمَّ بأمرِ المُسلمينَ فليس منهم. أُمورُهم تلك المُتَعَلِّقةُ بنُفوسِهم لتَزكوَ، تلك المُتَعَلِّقةُ بحَياتِهم لتُبنى وتُعمَّرَ على الصَّلاحِ والعِزَّةِ) [2650] ((دروس من هدي القرآن - سورة المائدة)) الدرس الثالث (ص: 11). .
ويقولُ في شَرحِ كلمةِ (وَليٍّ) ما يوضِّحُ اعتِقادَه تِجاهَ الوِلايةِ: (تَجِدُ كلمةَ (وليٍّ) في القُرآنِ استُخدِمَت بشَكلٍ كبيرٍ في مَجالِ العَلاقةِ فيما بَينَ اللهِ وبَينَ الإنسانِ، وبَينَ عِبادِه، بالذَّاتِ المُسلمينَ؛ لتُعَبِّرَ عن أنَّ مصاديقَها مُتَعَدِّدةٌ، وليست مَعانيها مُتَعَدِّدةً كما يقولُ البَعضُ: (مَولى) بمَعنى كذا وبمَعنى كذا، كلمةُ (مَولى) هي كلمةٌ واسِعةٌ مصاديقُها مُتَعَدِّدةٌ، مصاديقُها مُتَعَدِّدةٌ؛ في مَيدانِ الهدايةِ هو وليُّك يهديك، في مَيدانِ المواجَهةِ هو وليُّك يُؤَيِّدُك وينصُرُك، هَكذا يعمَلُ المُحافِظُ مَعَ الرَّئيسِ، أليس كذلك؟ في مَيدانِ المواجَهةِ يبقى على اتِّصالٍ مُستَمِرٍّ، يتَّصِلُ به تِليفونيًّا: ماذا نَعمَلُ؟ كيف نَتَحَرَّكُ؟ أليس كذلك؟ في مَيدانِ الثَّقافةِ في مَيادينَ أُخرى أليس على اتِّصالٍ مُستَمِرٍّ به؟ هو وليُّه يستَمِدُّ منه كذا، ويتَلقَّى منه كذا، ويتَحَرَّكُ على وَفقِ ما يُرشِدُه إليه، وليست فقَط كما نَتَصَوَّرُها كنَظرةِ الشَّخصِ مِنَّا للعَلاقةِ التي بَينَه وبَينَ الرَّئيسِ، هل القَضيَّةُ الآنَ مَعروفةٌ؟
فلهذا نَفهَمُ كم هي قَيمةُ كَلِمةِ (وليٍّ) هو مَن يتَولى مُختَلِفَ الشُّؤونِ، الشُّؤونُ المُتَعَلِّقةُ بك في إطارِ المُهمَّةِ الكُبرى المَنوطةِ بك في مُختَلِفِ مَجالاتِ الحَياةِ، وأنت تَتَحَرَّكُ، هي نَفسُها ما أعطاه الرَّسولُ صَلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه للإمامِ عَليٍّ يومَ الغَديرِ عِندَما قال: "فمَن كُنتُ مَولاه فهذا عَليٌّ مَولاه") [2651] ((دروس من هدي القرآن - سورة المائدة)) الدرس الثالث (ص: 10). .

انظر أيضا: