الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّامِنُ: شَرِكاتُ التَّسويقِ الهَرَميِّ أو الشَّبَكيِّ


الفَرْعُ الأوَّلُ: معنى التَّسويقِ الهَرَميِّ أو الشَّبَكيِّ
التَّسويقُ الهَرَميُّ أوِ الشَّبَكيُّ: هو أُسلوبٌ للبَيعِ الشَّبَكيِّ يَسمَحُ لِمَن يَشتَرِكُ فيه أن يُنشِئَ شَبَكةً خاصَّةً به يَستَطيعُ مِن خِلالِها ضَمَّ العَديدِ مِنَ العُمَلاءِ الجُدُدِ، وبَيعَهُمُ الخِدمةَ أوِ المُنتَجَ، مُقابِلَ عُمولةٍ يَحصُلُ عليها عن كُلِّ مُشتَرِكٍ جَديدٍ، وهَكَذا.
وقيلَ: هوَ نَوعٌ مِن تَسويقِ المُنتَجاتِ أوِ الخِدْماتِ مَبنيٌّ على التَّسويقِ التَّواصُليِّ؛ حَيثُ يَقومُ المُستَهلِكُ بدَعوةِ مُستَخدِمينَ آخَرِينَ لشِراءِ المُنتَجِ في مُقابِلِ عُمولةٍ، ويَحصُلُ أيضًا المُستَخدِمُ على نِسبةٍ في حالةِ قيامِ عُمَلائِه ببَيعِ المُنتَجِ لآخَرِينَ بحَيثُ يُصبِحُ على قِمَّةِ الهَرَمِ، ويُصبِحُ لدَيه شَبَكةٌ مِنَ الزَّبائِنِ المُشتَرِكينَ بأسفَلِه، أو عُمَلاءَ قام بالشِّراءِ عن طَريقِهم ينظر: ((موقع الرسمي لدار الإفتاء الأردنية))، ((الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية – فتوى رقم 483)).
الفَرْعُ الثَّاني: حُكْمُ التعامُلِ مع شَرِكاتِ التَّسويقِ الهَرَميِّ أو الشَّبَكيِّ
التَّسويقُ الهَرَميُّ أوِ الشَّبَكيُّ ليسَ مِنَ السَّمسَرةِ الشَّرعيَّةِ، بَل هو مِن بابِ المَيْسِرِ، وعَلَيه يَحْرُمُ التَّعامُلُ مَعَ شَرِكاتِ التَّسويقِ الهَرَميِّ أوِ الشَّبَكيِّ، وبِهَذا أفْتَتِ اللَّجْنةُ الدَّائِمةُ للإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ جاءَ في فتوى اللَّجْنةِ الدَّائِمةِ عَنِ التَّسويقِ الهَرَميِّ أوِ الشَّبَكيِّ الآتي: (هَذا النَّوعُ مِنَ المُعامَلاتِ مُحرَّمٌ، وذلك أنَّ مَقصودَ المُعامَلةِ هوَ العُمولاتُ ولَيسَ المُنتَجَ، فالعُمولاتُ تَصِلُ إلَى عَشَراتِ الآلافِ، في حينِ لا يَتَجاوَزُ ثَمنُ المُنتَجِ بِضعَ مِئاتٍ، وكُلُّ عاقِلٍ إذا عُرِضَ عليه الأمرانِ فسيَختارُ العُمولاتِ؛ ولِهَذا كانَ اعتِمادُ هذه الشَّرِكاتِ في التَّسويقِ والدِّعايةِ لِمُنتَجاتِها هوَ إبرازَ حَجمِ العُمولاتِ الكَبيرةِ الَّتي يُمكِنُ أن يَحصُلَ عليها المُشتَرِكُ، وإغراؤُه بِالرِّبحِ الفاحِشِ مُقابِلَ مَبلَغٍ يَسيرٍ هوَ ثَمَنُ المُنتَجِ، فالمُنتَجُ الَّذي تُسَوِّقُه هذه الشَّرِكاتُ مُجَرَّدُ سِتارٍ وذَريعةٍ لِلحُصولِ على العُمولاتِ والأرباحِ، ولَمَّا كانَت هذه هيَ حَقيقةَ هذه المُعامَلةِ، فهيَ مُحَرَّمةٌ شَرعًا لِأمورٍ: أوَّلًا: أنَّها تَضَمَّنَتِ الرِّبا بِنَوعَيه: رِبَا الفَضلِ ورِبَا النَّسيئةِ؛ فالمُشتَرِكُ يَدفَعُ مَبلَغًا قَليلًا مِنَ المالِ ليَحصُلَ على مَبلَغٍ كبيرٍ مِنه، فهيَ نُقودٌ بِنُقودٍ مَعَ التَّفاضُلِ والتَّأخُّرِ، وهَذا هوَ الرِّبا المُحَرَّمُ بِالنَّصِّ والإجماعِ، والمُنتَجُ الَّذي تَبيعُه الشَّرِكةُ على العَميلِ ما هوَ إلَّا سِتارٌ لِلمُبادَلةِ، فهوَ غَيرُ مَقصودٍ لِلمُشتَرِكِ، فلا تَأثيرَ لَه في الحُكمِ. ثانيًا: أنَّها مِنَ الغَرَرِ المُحَرَّمِ شَرعًا؛ لِأنَّ المُشتَرِكَ لا يَدري هَل يَنجَحُ في تَحصيلِ العَدَدِ المَطلوبِ مِنَ المُشتَرِكينَ أو لا؟ والتَّسويقُ الشَّبَكيُّ أوِ الهَرَميُّ مهما استَمَرَّ فإنَّه لا بُدَّ أن يَصِلَ إلَى نِهايةٍ يَتَوَقَّفُ عِندَها، ولا يَدري المُشتَرِكُ حينَ انضِمامِه إلَى الهَرَمِ هَل سَيَكونُ في الطَّبَقاتِ العُليا مِنه فيَكونُ رابِحًا، أو في الطَّبَقاتِ الدُّنيا فيَكونُ خاسِرًا، والواقِعُ أنَّ مُعظَمَ أعضاءِ الهَرَمِ خاسِرونَ إلَّا القِلَّةَ القَليلةَ في أعلاه، فالغالِبُ إذَنْ هوَ الخَسارةُ، وهذه هيَ حَقيقةُ الغَرَرِ، وهيَ التَّرَدُّدُ بينَ أمرَينِ أغلَبُهما أخوَفُهما، وقَد نَهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنِ الغَرَرِ، كما رواه مُسلِمٌ في (صَحيحِه). ثالِثًا: ما اشتَمَلتْ عليه هذه المُعامَلةُ مِن أكلِ الشَّرِكاتِ لِأموالِ النَّاسِ بِالباطِلِ؛ حَيثُ لا يَستَفيدُ مِن هَذا العَقْدِ إلَّا الشَّرِكةُ ومَن تَرغَبُ إعطاءَه مِنَ المُشتَرِكينَ بِقَصدِ خَدْعِ الآخَرِينَ، وهَذا الَّذي جاءَ النَّصُّ بِتَحريمِه في قَولِه تَعالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. رابِعًا: ما في هذه المُعامَلةِ مِنَ الغِشِّ والتَّدليسِ والتَّلبيسِ على النَّاسِ، مِن جِهةِ إظهارِ المُنتَجِ وكَأنَّه هوَ المَقصودُ مِنَ المُعامَلةِ، والحالُ خِلافُ ذلك، ومِن جِهةِ إغرائِهم بِالعُمولاتِ الكَبيرةِ الَّتي لا تَتَحَقَّقُ غالِبًا، وهَذا مِنَ الغِشِّ المُحَرَّمِ شَرعًا، وقَد قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: مَن غَشَّ فلَيسَ مِني. رواه مُسلِمٌ في (صَحيحِه)، وقال أيضًا: البَيِّعانِ بِالخيارِ ما لم يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقَا وبَيَّنَا بُورِكَ لَهما في بَيْعِهما، وإن كَذَبا وكَتَما مُحِقَت بَركةُ بَيْعِهما. مُتَّفَقٌ عليه. وأمَّا القَولُ بِأنَّ هَذا التَّعامُلَ مِنَ السَّمسرةِ فهَذا غَيرُ صَحيحٍ؛ إذِ السَّمسرةُ عَقْدٌ يَحصُلُ السِّمسارُ بِموجِبِه على أجرِ لِقاءِ بيعِ السِّلعةِ، أمَّا التَّسويقُ الشَّبَكيُّ فإنَّ المُشتَرِكَ هوَ الَّذي يَدفَعُ الأجرَ لِتَسويقِ المُنتَجِ، كما أنَّ السَّمسرةَ مَقصودُها تَسويقُ السِّلعةِ حَقيقةً، بِخِلافِ التَّسويقِ الشَّبَكيِّ؛ فإنَّ المَقصودَ الحَقيقيَّ مِنه هوَ تَسويقُ العُمولاتِ ولَيسَ المُنتَجَ؛ ولِهَذا فإنَّ المُشتَرِكَ يُسَوِّقُ لِمَن يُسَوِّقُ هَكَذا بِخِلافِ السَّمسرةِ الَّتي يُسَوِّقُ فيها السِّمسارُ لِمَن يُريدُ السِّلعةَ حَقيقةً، فالفَرقُ بينَ الأمرَينِ ظاهرٌ. وأمَّا القَولُ بِأنَّ العُمولاتِ مِن بابِ الهِبةِ فلَيسَ بِصَحيحٍ، ولَو سُلِّمَ فلَيسَ كُلُّ هِبةٍ جائِزةً شَرعًا، فالهِبةُ على القَرضِ رِبًا؛ ولِذلك قال عَبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ لِأبي بُردةَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (إنَّكَ في أرضٍ الرِّبا فيها فاشٍ، فإذا كانَ لَكَ على رَجُلٍ حَقٌّ فأهَدَى إلَيكَ حملَ تِبنٍ أو حملَ شَعيرٍ أو حملَ قَتٍّ فإنَّه رِبًا) رواه البُخاريُّ في (الصَّحيحِ). والهِبةُ تَأخُذُ حُكمَ السَّبَبِ الَّذي وُجِدَت لِأجلِه.) ((الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية)). ، ودارُ الإفتاءِ المِصْريَّةُ جاءَ في فتوى دارِ الإفتاءِ المِصريَّةِ: (بِناءً على ذلك كُلِّه: فإنَّ هذه المُعامَلةَ تَكونُ بِهذه الحالِ المَسؤولِ عَنها حَرامًا شَرعًا؛ لِاشتِمالِها على المَعاني السَّابِقةِ، خاصَّةً بعدَ أن ثَبَتَ لَدَى أهلِ الِاختِصاصِ أنَّ شُيوعَ مِثلِ هَذا النَّمَطِ مِنَ التَّسويقِ يُخِلُّ بِمَنظومةِ العَمَلِ التَّقليديَّةِ الَّتي تَعتَمِدُ على الوَسائِطِ المُتَعَدِّدةِ، وهوَ في ذاتِ الوَقتِ لا يُنشِئُ مَنظومةً أخرَى بديلةً مُنضَبِطةً ومُستَقِرَّةً، ويُضَيِّقُ فُرَصَ العَمَلِ، ووُجِدَ أنَّ هَذا الضَّربَ مِنَ التَّسويقِ قَد يَدفَعُ الأفرادَ إلَى مُمارَساتٍ غَيرِ أخلاقيَّةٍ مِن كَذِبِ الموَزِّعِ أوِ استِخدامِه لِألوانٍ مِنَ الجَذبِ يُمكِنُ أن تُمَثِّلَ عَيبًا في إرادةِ المُشتَري؛ كالتَّركيزِ على قَضيَّةِ العُمولةِ وإهدارِ الكَلامِ عَنِ العَقْدِ الأساسِ -وهوَ شِراءُ السِّلعةِ-، وقَد سَبَقَ لِأمانةِ الفتوى أن نَبَّهَتْ في الفتوى السَّابِقةِ بِشَأنِ هذه المُعامَلةِ إلَى أنَّ خُلُوَّها مِن هذه المَحاذيرِ شَرطٌ في حِلِّها؛ فحَصَلَ اللَّبسُ بِعَدَمِ الِالتِفاتِ إلَى هذه القُيودِ، وقَد تَبَيَّنَ لِأمانةِ الفتوى بعدَ دِراسةِ واقِعِ هذه المُعامَلةِ أنَّها مُشتَمِلةٌ على هذه المَحاذيرِ الَّتي تَمنَعُ حِلَّها، وهَذا ما دَعاها إلَى الجَزمِ بِتَحريمِها صَراحةً؛ فلا يَحِلُّ التَّعامُلُ بِها حينَئِذٍ؛ لِعَدَمِ سَلامَتِها مِن هذه المَحاذيرِ المَذكورةِ) ((الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية – فتوى رقم 483)). ، والأردنيَّةُ جاء في فتوى دارِ الإفتاءِ الأردُنِيَّة: (أسلوبُ التسويقِ الشَّبَكيِّ أو الهَرَميِّ وأخْذُ العمولاتِ عليه ليس من السَّمْسَرةِ الشَّرعيَّةِ في كثيرٍ مِن صوَرِه المُنتَشِرةِ اليَومَ، بل هوَ مِن بابِ الميسِرِ والمُقامَرةِ المُحَرَّمةِ؛ لِأنَّ المُشتَرِكينَ عادةً لا يَشتَرِكونَ إلَّا بِغَرَضِ تَحصيلِ المُكافَآتِ على إحضارِ زَبائِنَ آخَرِينَ، فإذا جَلَبَ المُشتَرِكُ عَدَدًا مِنَ الزَّبائِنِ، وحَقَّقَ شُروطَ الشَّرِكةِ أخذَ عُمولَتَه الَّتي قَد تَزيدُ أو قَد تَنقُصُ عَنِ المَبلَغِ الَّذي دَفَعَه ابتِداءً، وإذا فشِلَ خَسِرَ المَبلَغَ كُلَّه، وهَذا الِاحتِمالُ يُدخِلُ المُعامَلةَ في شُبهةِ الغَرَرِ والميسِرِ. فمَناطُ التَّحريمِ هوَ اضطِرارُ المُشتَرِكِ إلَى دَفعِ مالٍ مُسبَقًا، سَواءٌ على سَبيلِ الِاشتِراكِ أو على سَبيلِ شِراءِ بِضاعةٍ غَيرِ مَقصودةٍ، وسَواءٌ كانَ ذلك في التَّسويقِ الشَّبَكيِّ أوِ الهَرَميِّ... ونُنَبِّه هُنا إلَى أنَّ شَرِكاتِ التَّسويقِ الشَّبَكيِّ والهَرَميِّ تَنَوَّعَت طُرُقُها، واختَلَفَت أساليبُها، ونَظَرًا لِاشتِمالِها على المَحاذيرِ السَّابِقةِ فإنَّ حُكمَها هوَ التَّحريمُ) ((الموقع الرسمي لدار الإفتاء الأردنية – فتوى رقم 1995)). ، ومَجْمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ بالسُّودانِ جاءَ في قَرارِ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ بِالسُّودانِ ما يَلي: (أكَّدتْ فتوى المَجْمَعِ على الآتي: 1/ أنَّ الِاشتِراكَ في شَرِكةِ بزناس وما يُشابِهُها مِن شَرِكاتِ التَّسويقِ الشَّبَكيِّ لا يَجوزُ شَرعًا؛ لِأنَّه قِمارٌ. 2/ أنَّ نِظامَ شَرِكةِ بزناس وما يُشابِهُها مِن شَرِكاتِ التَّسويقِ الشَّبَكيِّ لا صِلةَ لَه بِعَقْدِ السَّمسرةِ، كما تَزعُمُ الشَّرِكةُ، وكَما حاوَلتْ أن توحيَ بِذلك لِأهلِ العِلمِ مِن خارِجِ السُّودانِ الَّذينَ أفتَوا بِالجَوازِ على أنَّه سَمَسرةٌ مِن خِلالِ الأسئِلةِ الَّتي وُجِّهَت لَهم، والَّتي صوَّرَت لَهمُ الأمرَ على غَيرِ حَقيقَتِه) نَقلًا عَن ((الموسوعة الميسَّرة في فِقهِ القضايا المعاصرة)) (1/ 304). ، ومَجْمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ بالهِنْدِ جاءَ في قَرارِ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ بِالهندِ ما يَلي: (صُوَرُ التَّسويقِ الشَّبَكيِّ السَّائِدةُ اليَومَ تَتَضَمَّنُ مَفاسِدَ شَرعيَّةً مُختَلِفةً؛ لِاشتِمالِها على الغِشِّ والغَرَرِ، فعلى المُسلِمينَ أن يَتَجَنَّبوا مِثلَ هَذا النَّوعِ مِنَ التِّجاراتِ) نَقلًا عَن ((أصول النوازل)) للجيزاني (ص: 537). ، وذلك لاشتِمالِها على مَفاسِدَ شَرعيَّةٍ مُختَلِفةٍ، كالْمَيسِرِ، والغِشِّ، والغَرَرِ ((قرار مجمَعِ الفِقهِ الإسلاميِّ بالهندِ بخُصوصِ التسويقِ الشَّبَكي)) نقلا عن ((أصول النوازل)) للجيزاني (ص: 537).

انظر أيضا: