الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثامن: وقْفُ المُكرَهِ


لا يَصِحُّ وقْفُ المكرَهِ بغيرِ حقٍّ، نصَّ عليه الشافعيَّةُ [230] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/236)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/377). ، والمالكيَّةُ [231]((شرح الزُّرْقاني على مختصر خليل)) (7/138)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/77). ، وهو الظاهرُ مِن مَذهبِ الحنفيَّةِ [232] ما يصِحُّ مِن الأحكامِ مع الإكراهِ عشَرةُ أشياءَ عندَهم ليس منها الوقفُ، وهي الأشياءُ التي لا يُشترَطُ فيها تمامُ الرِّضا. ((المبسوط)) للسرَخسي (6/145)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (2/195، 196). ، والحنابلةِ [233]الحنابلةُ نَصُّوا على أنَّ فِعلَ المُكرَهِ لا يُنسَبُ إليه. ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (3/471)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (6/419).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنة
عن ابنِ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ وضَعَ عن أُمَّتي الخطَأَ، والنِّسيانَ، وما استُكْرِهوا عليه )) [234] أخرجه مِن طُرقٍ ابنُ ماجه (2045) واللفظُ له، وابنُ حِبَّانَ (7219)، والحاكمُ (2801). قال العُقَيليُّ في ((الضعفاء الكبير)) (4/145): يُروى مِن غيرِ هذا الوجهِ بإسنادٍ جيِّدٍ. وصحَّحه الحاكمُ على شرطِ الشَّيخَينِ، وصحَّحه ابنُ حزمٍ في ((المحلى)) (10/205)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2045)، وحسَّنه النوويُّ في ((المجموع)) (2/267)، وابنُ حجَرٍ في ((موافقة الخُبْرِ الخَبَرَ)) (1/510)، وقال ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/90): (رِجالُه على شرطِ الصَّحيحينِ، وله شاهدٌ مِن القرآنِ، ومِن طُرقٍ أُخَرَ). وذكر ثبوتَه على شرطِ الشَّيخينِ ابنُ المُلَقِّنِ في ((شرح البخاري)) (25/276)، وقال الشوكانيُّ في ((فتح القدير)) (1/461): (وفي أسانيدِ هذه الأحاديث مقالٌ، ولكنَّها يُقوِّي بعضُها بعضًا؛ فلا تَقصُرُ عن رُتبةِ الحسَنِ لِغَيرِه). وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/348): (الانقطاعُ في إسنادِ ابنِماجه، ولكن إسنادَيِ ابنِ حِبَّانَ والطَّبَرانيِّ مُتَّصِلانِ صَحيحانِ). وصحَّح إسنادَه أيضًا في تحقيقه لكتاب ابن حزم ((الإحكام في أصول الأحكام)) (5/149). لكنْ أعلَّه الإمامُ أحمدُ، واستنكَرَه جدًّا في ((العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله)) (1/561)، واستنكره أيضًا أبو حاتمٍ كما في ((علل الحديث)) لابن أبي حاتم (4/116)، وقال ابنُ عبدِ الهادي: «رُواتُه صادِقون، وقد أُعِلَّ». وقال ابنُ رجب في ((جامع العلوم والحِكَم)) (2/361): (إسنادُه صحيحٌ في ظاهرِ الأمرِ، ورُواتُه كلُّهم محتَجٌّ بهم في الصَّحيحينِ وقد خرَّجه الحاكمُ، وقال: صحيحٌ على شرطِهما كذا قال، ولكن له علَّةٌ. وقال البوصيريُّ في ((مصباح الزجاجة)) (1/353): (إسنادُه صحيحٌ إنْ سَلِمَ مِن الانقطاعِ، والظاهرٌ أنَّه منقطِعٌ). قال ابنُ العربي: (والخبرُ وإنْ لم يصِحَّ سنَدُه، فإنَّ معناهُ صحيحٌ باتِّفاقِ العُلماءِ). ((أحكام القرآن)) (5/212). وقال ابنُ عُثيمينَ في ((شرح بلوغ المرام)) (5/48): (هذا الحديثُ وإن لم يَثبُتْ سنَدًا، فهو ثابتٌ معنًى).
ثانيًا: لأنَّه في حالةِ الإكراهِ ليس صحيحَ العِبارةِ، ولا أهلًا للتبرُّعِ، ولا لغَيرِه؛ إذ ما يَقولُه أو يَفعَلُه -لأجْلِ الإكراهِ- لَغْوٌ منه [235] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/236).
ثالثًا: لأنَّ القَولَ إنَّما يُعتبَرُ شرعًا إذا صدَرَ عن قصْدٍ صَحيحٍ، وبسَببِ الإكراهِ يَنعدِمُ ذلك القصدُ؛ لأنَّ المكرَهَ يَقصِدُ دفْعَ الشَّرِّ عن نفْسِه، لا عَيْنَ ما تَكلَّم به، وهو مُضْطَرٌّ إلى هذا القصْدِ والاختيارِ [236] ((المبسوط)) للسرَخسي (6/146).

انظر أيضا: