الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: زكاةُ الأوراقِ النقديَّة


المطلب الأوَّل: تعريفُ الورَق النقديِّ:
الورق النقديُّ: هي قطعةٌ مِن وَرَقٍ خاصٍّ، تُزيَّنُ بنقوشٍ خاصَّة، وتحمِلُ أعدادًا صحيحةً، يقابِلُها في العادةِ رصيدٌ معدِنيٌّ بنسبةٍ خاصَّةٍ يحدِّدُها القانونُ، وتَصدرُ إمَّا من الحكومةِ، أو من هيئةٍ تُبيحُ لها الحكومةُ إصدارَها؛ ليتداوَلَها النَّاسُ عُملةً، وتسمَّى بأسماءٍ خاصَّة، كالرِّيال، والجُنيه، والدِّينار، والدِّرهم، واليِنِّ، والدولار، واليورو ((فقه الزَّكاة)) (1/269).
المطلب الثاني: زكاة الأوراق النقديَّة وحُكم ضمِّها إلى الذَّهَبِ والفضَّةِ
الفرع الأوَّل: حُكمُ زكاةِ الأوراقِ النقديَّةِ
تجِبُ زكاةُ الوَرَق النقديِّ، وبه صدرَ قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ التابِعِ لرابطةِ العالَم الإسلاميِّ ضمن قرارات مجمع الفقه الإسلامي بمكة: (وجوبُ زكاةِ الأوراق النقديَّة إذا بلغَتْ قيمتُها أدنى النِّصَابينِ مِن ذهبٍ أو فضَّة). ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد 3، (ج3 ص 952). ، واللَّجنة الدَّائمة في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (وجوبُ زكاتِها إذا بلغت قيمَتُها أدنى النِّصابينِ مِن ذهبٍ أو فضَّة). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (13/444). ، واختاره ابنُ باز قال ابنُ باز: (الأوراق النقديَّة التي يتعامَلُ بها النَّاس اليوم، سواء سمِّيَتْ: درهمًا أو دينارًا أو دولارًا، أو غير ذلك من الأسماء، إذا بلغت قيمَتُها نِصابَ الفضَّة أو الذَّهب، وحال عليها الحَوْل، وجبتْ فيها الزَّكاة). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/333). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (القولُ الرَّاجِحُ في هذه العملاتِ: أنَّ الزَّكاةَ فيها واجبةٌ مطلقًا، سواءٌ قُصِدَ بها التِّجارة أو لا). ((الشرح الممتع)) (6/95).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34 – 35]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ في قوله: وَلَا يُنفِقُونَهَا إيماءً إلى أنَّ المرادَ بالذَّهَبِ والفضَّةِ نقودُهما؛ لأنَّها هي المُعدَّةُ للإنفاقِ، والآلةُ المباشِرَةُ له، والضميرُ عائد عليهما باعتبارِهما دراهمَ ودنانيرَ، أي: باعتبارِهما نقودًا ((فقه الزَّكاة)) (1/241).
2- قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
 عمومُ الآيةِ في إيجابِ الزَّكاةِ في الأموالِ؛ فإنَّ الأموالَ المعتمَدةَ اليومَ هي الأوراقُ النقديَّةُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/93).
ثانيًا: من السُّنَّة
3- عن أبى سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس فيما دون خمْسِ أواقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقةٌ )) رواه البخاري (1459)، ومسلم (979)
وجه الدَّلالة:
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم خصَّ الصَّدقةَ في الرِّقَة مِن بينِ الفضَّة، وأعرَضَ عن ذِكر سواها، فلم يقلْ: إذا بلغَتِ الفضَّة كذا ففيها كذا، ولكنَّه اشتَرَط الرِّقَةَ مِن بينها، ولا يقَعُ هذا الاسمُ في الكلامِ المعقول عند العربِ إلَّا على الوَرِقِ المنقوشةِ ذات السِّكَّة السَّائرةِ في النَّاسِ، وفي حُكمِها الأوراقُ النقديَّةُ ((الأموال)) لأبي عبيد (ص: 542، 543).
4- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لِمُعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا بعثه إلى اليمن: وأعْلِمْهم أنَّ اللهَ افترَضَ عليهم صدقةً في أموالِهم )) رواه البخاري (1395)، ومسلم (19).
وجه الدَّلالة:
أنَّ الأوراقَ النَّقديةَ تدخُلُ في عمومِ الأموالِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/93).
ثالثًا: أنَّ الدِّرهَم والدِّينارَ لا يُعرَف له حدٌّ طَبَعيٌّ ولا شرعيٌّ، بل مرجِعُه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنَّه في الأصلِ لا يتعلَّقُ المقصودُ به، بل الغَرَضُ أن يكون معيارًا لِمَا يتعاملون به، فهي لا تُقصَدُ لِنفسِها، بل هي وسيلةٌ إلى التَّعامُلِ بها؛ ولهذا كانت أثمانًا، فالوسيلةُ المحضةُ التي لا يتعلَّقُ بها غَرَضٌ، لا بمادَّتِها ولا بصورَتِها يحصُلُ بها المقصودُ كيفما كانت، ومن ذلك الأوراقُ النقديَّةُ اليوم ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (29/251، 252). قال الإمام مالك: (ولو أنَّ الناس أجازوا بينهم الجلودَ حتى يكون لها سِكَّةٌ وعينٌ لَكَرِهتُها أن تُباعَ بالذَّهَب والوَرِق نظِرةً). ((المدونة الكبرى)) (3/5).
رابعًا: أنَّ الوَرِقَ النقديَّ يلقى قَبولًا عامًّا في التَّداوُلِ، ويحمِلُ خصائِصَ الأثمانِ؛ مِن كونِه مقياسًا للقِيَم، ومستودَعًا للثَّروةِ، وبه الإبراءُ العامُّ ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (1/91).
خامسًا: أنَّ الوَرَق النقديَّ موغِلٌ في الثَّمَنيَّة إيغالًا شديدًا، بل أصبح اليوم ثمنًا للذَّهَب والفضَّة نفسِهما، فوجَبَ اعتبارُه نقدًا قائمًا بذاته، كقيامِ النَّقديَّة في الذَّهَبِ والفضَّة؛ لوجودِ مناطِ الحُكمِ فيها ((مجلة البحوث الإسلامية)) (39/314، 320)، ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (1/92).
سادسًا: أنَّه يلزَمُ مِن عدَمِ اعتبارِ الأوراقِ النَّقديَّة من النقودِ أنَّه لا رِبًا بين النَّاسِ اليوم؛ لأنَّ غالِبَ تعامُلِهم بالأوراقِ النقديَّة، ولا زكاةَ على من يملِكُ الملايينَ مِن هذه الأوراقِ ما لم يُعِدَّها للتِّجارة، وهذه لوازِمُ باطلة، ولا يستقرُّ عليها قَدَمُ عالِمٍ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/93).
الفرع الثاني: ضمُّ الأوراقِ النقديَّةِ مع غيرها مِنَ الأثمانِ والعُروضِ المُعدَّة للتِّجارة
يجب ضمُّ الأوراقِ النقديَّةِ مع غيرها مِنَ الأثمانِ والعُروضِ المعدَّةِ للتِّجارة؛ لتكميلِ النِّصَاب، وبه صدَر قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ التَّابِعِ لرابطة العالَمِ الإسلاميِّ ضمن قرارات مجمع الفقه الإسلامي بمكة: (وجوبُ زكاةِ الأوراق النقديَّة إذا بلغت قيمَتُها أدنى النِّصَابينِ من ذهب أو فضَّة، أو كانت تُكَمِّلُ النِّصَاب مع غيرها من الأثمانِ والعروض المعدَّة للتِّجارة). ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد 3، (ج3 ص 952). ، واللَّجنة الدَّائمة في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (وجوبُ زكاتها إذا بلغت قِيمَتُها أدنى النِّصَابينِ مِن ذهب أو فضَّة، أو كانت تُكَمِّل النِّصَابَ مع غيرها من الأثمانِ والعُروضِ المُعدَّة للتِّجارة إذا كانت مملوكةً لأهلِ وُجوبِها). ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (13/444). ، واختاره ابنُ باز قال ابنُ باز: (الزَّكاةُ تَجِبُ فيها إذا بلغت قيمتُها أدنى النِّصابينِ من ذهب أو فضَّة، أو كانت تكمِّلُ النِّصَاب مع غيرها من الأثمانِ والعُروضِ المعدَّة للتِّجارة إذا كانت مملوكةً لأهلها وقتَ وُجوبِها) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/125).
المطلب الثالث: ِنِصابُ الأوراقِ النقديَّةِ
نِصابُ الأوراقِ النقديَّة، هو أدنى النِّصابينِ مِنَ الذَّهَبِ أو الفضَّة أي: إذا كان قيمةُ نِصابِ الفضَّة (595 جرامًا)، أو الذَّهب (85 جرامًا) أقلَّ من قيمةِ الآخَرِ اعتُبِرَت قيمةُ الأقَلِّ نِصابًا للأوراقِ النقديَّةِ. ، وبهذا صدَرَ قرارُ المجمَعِ الفقهي التابِعِ لرابطةِ العالَمِ الإسلاميِّ ضمن قرارات المجمع الفقهي بمكة: (وجوبُ زكاة الأوراقِ النقديَّة إذا بلغت قيمتُها أدنى النِّصَابين؛ من ذهبٍ أو فضَّة، أو كانت تكمِّلُ النِّصَابَ مع غيرها منَ الأثمان ِوالعروضِ المُعَدَّة للتِّجارة). ((مجلة البحوث الإسلامية)) (31/374)، ((مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي)) (ج3 ص 952). ، وقرارُ هيئةِ كبارِ العُلماءِ بالسعوديَّةِ ضمن قرارات هيئة كبار العلماء: (وجوبُ زكاتها إذا بلغتْ قيمتُها أدنى النِّصابينِ مِن ذهبٍ أو فضَّةٍ، أو كانت تكمِّل النِّصَابَ مع غيرها من الأثمانِ والعُروضِ المعدَّة للتِّجارة إذا كانت مملوكةً لأهلِ وُجوبِها). ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (1/93). ، وهو أيضًا اختيارُ اللَّجنة الدَّائمة في بحث للجنة الدائمة: (وجوبُ زكاتِها إذا بلغَتْ أدنى النِّصابين مِن ذهب أو فضَّة، إذا كانت مملوكةً لأهل وجوبها، وحالَ عليها الحَوْل). ((مجلة البحوث الإسلامية)) (1/214). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (الزَّكاةُ تجب فيها إذا بلغتْ قيمتُها أدنى النِّصابينِ من ذهب أو فضَّة، أو كانت تكمِّلُ النِّصَاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدَّة للتِّجارة، إذا كانت مملوكةً لأهلها وقت وجوبها، ومقدارُ النِّصَاب من الوَرَق المتعامل فيه الآن هو ما يُساوي ستةً وخمسين ريالًا فضَّة عربيًّا سعوديًّا، أو عشرينَ مثقالًا من الذهب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/125). ؛ وذلك مراعاةً لمصلحةِ الفُقَراء؛ إذ التقديرُ بأدنى النِّصَابينِ أنفعُ لهم؛ إذ به تجِبُ الزَّكاةُ على أكبَرِ عددٍ مِنَ المسلمينَ ((مجلة البحوث الإسلامية)) (39/337).

انظر أيضا: