قراءة وتعريف

الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ لله تعالى بيْنَ السَّلفِ والخلَفِ (قراءة وتعريف)
book
محمد بن محمود آل خضير
عنوان الكتاب: الصفات الخبرية لله تعالى بين السلف والخلف
اسم المؤلف: د. محمد بن محمود آل خضير
الناشر: شركة آفاق المعرفة- الرياض
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: 1446هـ
عدد الصفحات: 505

التَّعريفُ بمَوضوعِ الكتابِ:

تناوَلَ هذا الكتابُ قضيَّةَ الصِّفاتِ الخبَريَّةِ الَّتي دَلَّ عليها الكِتابُ والسُّنَّةُ ولم تُعلَمْ بالعقلِ، وتلك قضيَّةٌ كانت محلَّ خِلافٍ بيْن الطَّوائفِ، بيْن مُثْبِتٍ ومُفَوِّضٍ ومُؤَوِّلٍ، ومُلِئَتْ كُتبُ التَّفسيرِ وشُروحِ الحديثِ مِن ذلك، واختلطَتِ الأقوالُ، وتداخَلَتِ الأدِلَّةُ، وتشعَّبَ الخِلافُ، وكثُرَتِ الدَّعاوي؛ فمَسَّتِ الحاجةُ إلى جَمعِ ما يتَّصِلُ بهذه الصِّفاتِ، فأتى هذا الكتابُ وسَعى في تحريرِ كلامِ المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ عليها، والوُقوفِ على الأدِلَّةِ العقليَّةِ الَّتي صرفَتْ أكثَرَ المتكلِّمينَ عن إثباتِ هذه الصِّفاتِ، وتحقيقِ القولِ في مذهبِ السَّلفِ، وبيانِ الفَرقِ بيْنَه وبيْن مذهبِ الخلَفِ، وتأصيلِ القولِ في حُجِّيَّةِ الأدِلَّةِ النَّقليَّةِ، واعتمادِ الظَّواهِرِ أو نَفْيِها، وما يتَّصِلُ بذلك مِن المباحِثِ والمسائلِ.

وأصلُ هذا الكتابِ رسالةٌ عِلميَّةٌ نالَ بها المؤلِّفُ درجةَ الدُّكتوراه في الدِّراساتِ الإسلاميَّةِ مِن كلِّيَّةِ الآدابِ- جامعة المنيا.

عرضُ الكتابِ:

اشتمَل الكتابُ على مقدِّمةٍ، وتمهيدٍ، وثلاثةِ فُصولٍ، وخاتمةٍ.

فأمَّا المُقدِّمةُ فذُكِر فيها أنَّ العِلمَ باللهِ تعالى وأسمائِه وصِفاتِه مِن أشرَفِ العُلومِ وأجَلِّها وأعلاها قَدرًا؛ إذْ شرَفُ العِلمِ بشرَفِ المعلومِ، وهو الفِقهُ الأكبَرُ بالنِّسبةِ إلى فِقهِ الفُروعِ، وحاجةُ العِبادِ إليه فوقَ كلِّ حاجةٍ، وضرورتُهم إليه فوقَ كلِّ ضرورةٍ؛ لأنَّه لا حياةَ للقُلوبِ ولا نَعيمَ ولا طُمأنينةَ إلَّا بأن تَعرِفَ ربَّها ومَعبودَها وفاطِرَها بأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، ويكونَ مع ذلك كلِّه أحَبَّ إليها مِمَّا سِواهُ.

وقُرِّر فيها أنَّ الصَّحابةَ والتَّابِعينَ كانوا على إثباتِ الصِّفاتِ الواردةِ في الكتابِ والسُّنَّةِ دونَ تأويلٍ أو تشبيهٍ، قبْلَ ظُهورِ الفِرَقِ، ثمَّ ظهَرَتِ النُّفاةُ المُعَطِّلةُ، كالجَهميَّةِ والمعتزِلةِ، وظهرَتِ المُشَبِّهةُ والمُجَسِّمةُ، وظهَرَ مَن جمَع بيْن الإثباتِ والتَّأويلِ، كالأشعريَّةِ والماتُريديَّةِ، وعظُم الخِلافُ، وكثُر الكلامُ؛ ولهذا اهتمَّ العلماءُ بالكلامِ على الصِّفاتِ، وصنَّفوا في ذلك المصنَّفاتِ، تحتَ مُسمَّى: السُّنَّةِ، والتَّوحيدِ، والاعتِقادِ، والأسماءِ والصِّفاتِ.

ثمَّ جاء التَّمهيدُ، وذُكِر فيه أقسامُ الصِّفاتِ، وعُرِّف بالصِّفاتِ الخبَريَّةِ، وكذا عُرِّف بالسَّلفِ والخلَفِ.

ثمَّ أتى الفصلُ الأوَّلُ بعُنوان: مذهبُ السَّلفِ في الصِّفاتِ الخبَريَّةِ.

وتضمَّن ثمانيةَ مَباحِثَ:

الأوَّل: موقفُ السَّلفِ مِن الأدِلَّةِ النَّقليَّةِ. ومنقولٌ فيه اتِّفاقُ السَّلفِ على الأخذِ بالحديثِ الصَّحيحِ في إثباتِ الأسماءِ والصِّفاتِ، واحتجاجُ الأئمَّةِ الأربعةِ بحديثِ الآحادِ في العقيدةِ...

الثَّاني: مَوقِفُهم مِن ظواهرِ النُّصوصِ.

الثَّالثُ: إثباتُهمُ الصِّفاتِ الخبَريَّةَ. ومَحكيٌّ فيه اتِّفاقُ السَّلفِ على إثباتِ هذه الصِّفاتِ بلا تأويلٍ ولا تعطيلٍ، ولا تشبيهٍ ولا تمثيلٍ، وإثباتُ الأشعريِّ وقُدَماءِ أصحابِه هذه الصِّفاتِ.

الرَّابع: إثباتُهم الأفعالَ الاختياريَّةَ. وفيه إجماعُ السَّلفِ على إثباتِ هذه الأفعالِ.

الخامس: إثباتُهم معانيَ الصِّفاتِ.

وفيه: أوجُهُ براءةِ السَّلفِ مِن تفويضِ معاني الصِّفاتِ، وتوضيحُ ما أَوهَمَ مِن كلامِهم تفويضَ المعنى، وأوجُهُ بُطلانِ التَّفويضِ في نفْسِه، والكلامُ على قولِه تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7].

السَّادس: أصلُ المعنى وتمامُه والقَدرُ المشترَكُ.

السَّابع: تفويضُ الكَيفِ، لا نَفْيُ الكَيفِ.

وفيه: إثباتُ السَّلفِ للكَيفِ وتفويضُ معناه، والكلامُ على قول الإمامِ مالكِ بن أنس: (والكَيفُ مجهولٌ) أو: (والكَيفُ غيرُ معقولٍ)، ووقَفاتٌ مع كتاب: ((قول السَّلف في الصِّفات الخبَريَّة)) تأليف د. رشوان أبو زيد محمود.

الثَّامن: براءةُ السَّلفِ مِن التَّأويلِ.

وفيه: المرادُ بالتَّأويلِ، واتِّفاقُ السَّلفِ على مَنعِ التَّأويلِ، والجوابُ عمَّا ادُّعيَ عليهم مِن التَّأويلِ، والفَرقُ بيْن تأويلِ المُعتزِلةِ والجَهْميَّةِ وتأويلِ الأشاعرةِ -وفي هذا نقلٌ مُهِمٌّ عن الأستاذِ الدُّكتورِ حسَنٍ الشَّافِعيِّ في أنَّ الأشاعِرةَ نزَعوا إلى الإسرافِ في التَّأويلِ وتَبَنِّي المناهِجِ الاعتِزاليَّةِ-، ونصيحةُ الإخميميِّ في تركِ التَّأويلِ، وحملِ كلامِ الله تعالى على الظَّاهرِ المُتبادرِ إلى الأذهانِ.

ثمَّ جاء الفصلُ الثَّاني تحتَ عنوان: مذهبُ الخلَفِ (المتكلِّمين) في الصِّفاتِ الخبَريَّةِ.

واشتمَل على خمسةِ مَباحِثَ:

الأوَّل: مَوقِفُهم مِن الأدِلَّةِ النَّقليَّةِ. وفيه بيانُ أنَّ أكثَرَ الصِّفاتِ لا يُدرَكُ عندَ المُتكلِّمينَ إلَّا بالعقلِ وحدَه، والكلامُ على شُبهةِ الدَّورِ، وإبطالها.

الثَّاني: مَوقِفُهم مِن ظَواهِرِ نُصوصِ الصِّفاتِ.

الثَّالث: موقفُهم مِن الصِّفاتِ الخبَريَّةِ. وفيه أنَّ أكثَرَ المتكلِّمينَ على عدَمِ إثباتِ الصِّفاتِ الخبَريَّةِ، وبيانُ بُطلانِ دَعوى أنَّ حملَ هذه الصِّفاتِ على ظاهِرِها يُؤدِّي إلى التَّجسيمِ والتَّركيبِ، وفيه كلامٌ عن نَشأةِ التَّأويلِ والتَّفويضِ.

الرَّابع: موقفُهم مِن الأفعالِ الاختياريَّةِ.

الخامس: الأدِلَّةُ العَقليَّةُ الَّتي بنَوْا عليها مَذهَبَهم في الصِّفاتِ الخبَريَّةِ.

ومذكورٌ فيه: دليلُ التَّنزيهِ عن مُشابَهةِ المخلوقاتِ، ودليلُ الأعراضِ وحُدوثِ الأجسامِ، ودليلُ التَّركيبِ والتَّجسيمِ، ودليلُ التَّغيُّرِ، ودليلُ الكمالِ والنُّقصانِ.

ثمَّ كان الفصلُ الثَّالثُ: دراسة تفصيليَّة لبعضِ نُصوصِ الصِّفاتِ الخبريَّة، وبيان موقفِ السَّلفِ والخلَفِ منها.

وقد اندرج تحتَه ثمانيةُ مَباحِثَ، لثَماني صِفاتٍ؛ هي: صِفةُ العُلوِّ، وصفةُ الاستِواءِ على العرشِ، وصفةُ الوجهِ، وصفةُ اليدينِ، وصفةُ القَدمِ، وصفةُ المَجيءِ والإتيانِ، وصفةُ النُّزولِ، وصفةُ المَحَبَّةِ.

ثمَّ جاءت الخاتمةُ، وبها أهَمُّ نتائجِ البحثِ.

ونُوِّهَ فيها إلى أنَّ قناعةَ الباحثِ بصِحَّةِ مَذهَبِ السَّلفِ لا تَعني الغَضَّ مِن أقدارِ عُلماءِ الخلَفِ الَّذين كانت لهم جُهودٌ مَشكورةٌ في نُصرةِ الحقِّ، والرَّدِّ على أهلِ البِدَعِ والزَّيغِ، مع اليقينِ أنَّ مُرادَ الجميعِ التَّعظيمُ والتَّنزيهُ لله تعالى، فلا يُظَنُّ بأحدٍ مِن عُلمائِنا الكِبارِ أنَّهم يَعمدونَ إلى مخالفةِ الحقِّ أو يَذهَبونَ إلى تأويلِ صِفةٍ مِن صِفاتِ الله تعالى بباعِثٍ مِن هَوًى أو عصَبيَّةٍ، إنَّما أرادوا الحقَّ، وقدَّموا مُقدِّماتٍ وقعَّدوا قواعِدَ وأصَّلوا أصولًا ظَنُّوها صحيحةً، ثمَّ لم يَسَعْهُم إلَّا التِزامُ نتائِجِها، وذلك كتقديمِ العقلِ على النَّقلِ فِرارًا مِن الدَّورِ، أو الاستدلالِ بدليلِ حُدوثِ الأجسامِ والأعراضِ الَّذي التَزَموا مِن أجْلِه نَفْيُ الصِّفاتِ الاختياريَّةِ... ونحو ذلك.

وقد خلص الباحثُ إلى جُملةٍ مِن النَّتائجِ؛ منها:

- أنَّ مذهبَ السَّلفِ قائمٌ على اعتمادِ الدَّليلِ النَّقليِّ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ فى إثباتِ الصِّفاتِ، دونَ تفريقٍ بيْن متواترٍ أو آحادٍ، بخِلافِ مذهبِ المتكلِّمينَ الَّذي اعتمَد على الدَّليلِ العَقليِّ في إثباتِ الصِّفاتِ، ومنَع الاعتمادَ على النَّقلِ لشُبهةِ الدَّورِ.

- أنَّ السَّلفَ أثبَتوا جميعَ الصِّفاتِ الواردةِ على ظاهِرِها ومَعانيها المُتبادِرةِ إلى الأذهانِ السَّليمةِ مِن داءِ التَّعطيلِ والتَّشبيهِ.

- أنَّ التَّفويضَ المنسوبَ إلى السَّلفِ مذهبٌ باطلٌ، والسَّلفُ بَريئون منه، بل هُم مُثبِتونَ للمَعاني، يُفسِّرونَ ما يَحتاجُ منها إلى تفسيرٍ، ويُعرِضونَ عن التَّعمُّقِ والتَّكلُّفِ، ويُفَوِّضونَ الكَيفيَّةَ.

- أنَّ السَّلفَ يُثبِتونَ الأفعالَ الاختياريَّةَ صِفاتٍ لله تعالى -كالاستواءِ، والمجيءِ، والنُّزولِ-، خلافًا لِما ذهَب إليه الخلَفُ مِن اعتبارِ ذلك مُستحيلًا في حقِّه تعالى.

- أنَّ أكثرَ المتكلِّمينَ على أنَّه لا يوجَدُ شيءٌ في القُرآنِ لا يَعرِفُ الرَّاسِخونَ معناه، ولهذا كان أكثُرُهم على التَّأويلِ، لا التَّفويضِ، بل اعتبَر القُشَيْريُّ التَّفويضَ مِن أعظَمِ القَدحِ في النُّبُوَّاتِ.

- أنَّ الأدِلَّةَ العَقليَّةَ الَّتي مِن أجْلِها نَفى المتكلِّمونَ الصِّفاتِ الخبَريَّةِ -كدليلِ حُدوثِ الأجسامِ والأعراضِ، ودليلِ التَّركيبِ، والكمالِ والنُّقصانِ- أدِلَّةٌ ضعيفةٌ، نقَضَها المتكلِّمونَ أنفُسُهم.

- أنَّ السَّلفَ مُجْمِعونَ على إثباتِ العُلوِّ الذَّاتيِّ والفَوقيَّةِ على العالَمِ، وأنَّ القولَ بأنَّ "اللهَ لا داخِلَ العالَمِ ولا خارِجَه" قولٌ حادثٌ مردودٌ.

- أنَّ عامَّةَ التَّأويلاتِ الَّتي شهرها الجُوَيْنيُّ والرَّازيُّ والآمِديُّ مأخوذةٌ عن المُعتزِلةِ، وقد سبَق للأشعريِّ وكِبارِ أصحابِه ردُّها.

- أنَّه إذا بطَلَتْ شُبهةُ الدَّورِ، وبطَلتِ الأدِلَّةُ العَقليَّةُ الَّتي مِن أجْلِها نَفى المتكلِّمونَ الصِّفاتِ الخبَريَّةَ؛ وجَبَ إثباتُ هذه الصِّفاتِ، اعتِمادًا على الدَّليلِ النَّقليِّ الصَّحيحِ السَّالمِ عن المُعارِضِ.
 

هذا، والكتابُ جيِّدٌ في بابِه، ويُنصَحُ باقتِنائِه.