موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثاني: مطابقةُ البَدَلِ للمُبدَلِ منه


لا يلزَمُ في البَدَلِ أن يُطابِقَ المُبدَلَ منه في التعريفِ والتنكيرِ؛ فيجوزُ أن يُبدَلَ المَعرِفةُ من النَّكِرةِ، كقَولِه تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ [الشورى: 52، 53]، ويجوزُ أن يُبدَلَ النَّكِرةُ من المَعرِفةِ، كقَولِه جَلَّ جَلالُه: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق: 15، 16]، ويجوزُ أن يُبدَلَ المَعرِفةُ من المَعرِفةِ، كقَولِه تعالى: إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ [إبراهيم: 1، 2]، والنَّكِرةُ من النَّكِرةِ كقَولِه: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا [النبأ: 31، 32].
ويُبَدَلُ المُضْمَرُ من الظَّاهِرِ. تَقولُ: رأيتُ زيدًا إيَّاه. أمَّا إبدالُ الظَّاهِرِ مِن المُضْمَرِ ففيه تفصيلٌ:
فإن كان الضَّميرُ للغائِبِ فيجوزُ إبدالُه بلا إشكالٍ، تَقولُ: ضرَبْتُه زيدًا، ومررتُ به عَمرٍو. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
على حالةٍ لو أنَّ في القَومِ حاتِمًا
على جُودِه لضَنَّ بالماءِ حاتِمِ
بجَرِّ حاتم على أنَّه بَدَلٌ من الهاءِ في "جُودِه". ومنه قَولُه تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء: 3] باعتبارِ أنَّها ليست من لغة (أكلوني البراغيث)؛ فيكونُ "الذين" بَدَلًا من واوِ الجماعةِ.
وإن كان الضَّميرُ للمُتكَلِّمِ أو للمُخاطَبِ فيجوزُ أن يأتيَ منه بَدَلُ البَعضِ. تَقولُ: إنِّي باطني وَجِلٌ، وقَول الرَّاجِزِ:
أَوْعَدَنِي بالسِّجنِ والأداهِمِ
رِجْلِي فرِجْلي شَثْنةُ المناسِمِ
فأبَدَل "رجلي" من الضَّميرِ في "أوعَدَني"، ومنه قَولُه تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [الأحزاب: 21] .
ويأتي منه بَدَلُ الاشتمالِ كذلك؛ كقَولِ الشَّاعِرِ:
ذَرِيني إنَّ أمْرَكِ لن يُطاعا
وما ألفيتِنِي حلْمي مُضاعا
بإبدالِ "حُلمي" من الياءِ في "ألفيتِني". وقَولِ الآخِرِ:
بَلَغْنَا السَّماءَ مجدُنا وسَناؤُنا
وإنَّا لنرجو فوق ذلك مَظْهَرَا
فأبَدَلَ من النُّونِ في "بلَغْنا" الظَّاهِرَ "مَجْدُنا".
أمَّا إبدالُ الظَّاهِرِ بَدَلَ الكُلِّ مِنَ الكُلِّ في ضَميرِ المُتكَلِّمِ  والمُخاطَبِ، فيَجوزُ بشَرطِ ألَّا يُفهَمَ منه التوكيدُ، بل يكونُ للإحاطةِ والشُّمولِ. تَقولُ: جِئتُم كبيرُكم وصغيرُكم.
جئتم: جاء فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِلِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، والميمُ حَرفُ الجَمعِ.
كبيرُكم: بَدَلٌ مطابِقٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والكاف ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
وصغيرُكم: معطوفٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والكاف ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
ومنه قَولُه تعالى: تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا [المائدة: 114] ؛ فأبَدَل من الضَّميرِ في لَنَا الاسمَ الظَّاهِرَ: لِأَوَّلِنَا.

انظر أيضا: