موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّاني: الدَّخيلُ مِن الآراميَّةِ


اللُّغةُ الآراميَّةُ إحدى اللُّغاتِ السَّاميَّةِ، ولها لَهَجاتٌ كَثيرةٌ؛ مِنها: النَّبَطيَّةُ، والسُّرْيانيَّةُ، وآراميَّةُ الصَّابِئةِ، وغيْرُها، والآراميُّونَ كانوا يَقْطُنونَ سُهولَ سُوريةَ وبَواديَ الشَّامِ، وإذا كانَ الدَّوْرُ السِّياسيُّ الَّذي لَعِبَه الآراميُّونَ ليس عَظيمَ الخَطَرِ، فإنَّ اللُّغةَ الآراميَّةَ قد لَعِبَتْ دَوْرًا كَبيرًا في مِنْطَقةِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ والشَّامِ؛ حيثُ انْتَشَرَتِ انْتِشارًا واسِعًا في بِلادِ سوريَّةَ وفِلَسْطينَ وبيْنَ النَّهْرَينِ وبعضِ مَناطِقِ العِراقِ، وأصْبَحَتْ لُغةَ التِّجارةِ والسِّياسةِ، ويَرجِعُ السَّبَبُ في انْتِشارِها إلى أنَّها مِن أسْهَلِ اللُّغاتِ السَّاميَّةِ وأكْثَرِها مُرونةً ومُلاءَمةً للحَياةِ الحَضاريَّةِ والعِلْميَّةِ.
وكانَ تُجَّارُ مَكَّةَ يَتَّجِرونَ معَ الآراميِّينَ في دِمَشْقَ، وقَوافِلُ الآراميِّينَ كانَت تَجْتازُ جَزيرةَ العَربِ مِن جِهةٍ إلى أُخرى، وكانَتِ الآراميَّةُ مِن أهَمِّ لُغاتِ النَّصْرانيَّةِ، الَّتي يَدينُ بها كَثيرٌ مِن العَربِ، وكانَت اللغة الدينية عند اليهود [276] يُنظر: ((التَّطوُّر النحوي)) لبراجشتراسر (ص: 211، 212). .
واللُّغةُ العَربيَّةُ مَدينةٌ للُّغةِ الآراميَّةِ بآلافِ الألْفاظِ الَّتي دَخَلَتْ إليها في عُصورٍ مُخْتلِفةٍ؛ فقدْ أخَذَ العَربُ مُعظَمَ مُصْطلَحاتِ الزِّراعةِ عن النَّبَطِ الَّذين كانوا يَعمَلونَ بالفِلاحةِ على حافَةِ الجَزيرةِ، وكانَتِ الآراميَّةُ لُغةً وَسيطةً بيْنَ الكَلِماتِ اليونانيَّةِ واللَّاتينيَّةِ الَّتي دَخَلَتْ إلى العَربيَّةِ، كما أخَذَ العَربُ عنِ الصَّابِئةِ والنَّبَطِ والسُّرْيانِ ألْفاظًا كَثيرةً في التِّجارةِ وسِباكةِ المَعادِنِ والطِّبِّ والصَّيْدلةِ والحِياكةِ، وغيْرِ ذلك [277] يُنظر: ((الساميون ولغاتهم)) لحسن ظاظا (ص: 87 – 103). .
وتَخْتلِفُ مَنابِعُ الكَلِماتِ الآراميَّةِ المُعرَّبةِ؛ فقدْ تكونُ أُخِذَتْ مِن لَهْجةٍ مِن لَهَجاتِ اليَهوديَّةِ الآراميَّةِ، أو لَهْجةِ النَّصارى، ومِنها ما هو مَأخوذٌ عن طَوائِفَ صَغيرةٍ كالمَنْدائِيَّةِ، وتَحْقيقُ مَصدَرِ الكَلِمةِ الآراميَّةِ المُعرَّبةِ مِن بيْنِ تلك اللَّهَجاتِ أمْرٌ صَعْبٌ، وقدِ اقْتَبَسَتِ العَربيَّةُ في العَصْرِ الجاهِليِّ وأوَّلِ زَمانِ الإسْلامِ مِن هذه اللَّهَجاتِ، أمَّا اقْتِباسُها في العَصْرِ العَبَّاسيِّ فكانَ مِن السُّرْيانيَّةِ.
ومِن الكَلِماتِ الآراميَّةِ الَّتي دَخَلَتِ العَربيَّةَ قبْلَ العَصْرِ العبَّاسيِّ:
أسْماءُ النَّباتاتِ الَّتي لا تَنبُتُ في الجَزيرةِ العَربيَّةِ، مِثلُ الرُّمَّانِ، والخَمْرِ، والكِبْريتِ، والمَرْجانِ.
أسْماءُ كَثيرٍ مِن أجْزاءِ البَيْتِ والآلاتِ، مِثلُ البابِ والقُفْلِ والزُّجاجِ والكِيسِ والسَّيْفِ والخاتَمِ.
ما يَتَعلَّقُ بإدارةِ المَمالِكِ، مِثلُ السُّلْطانِ، والأمَّةِ، والعالَمِ، والمَدينةِ، والسُّوقِ.
ولأنَّ العَربَ أخَذوا الخَطَّ مِن الآراميِّينَ فإنَّ مُصْطلَحاتِ الكِتابةِ والقِراءةِ والتَّدْريسِ الَّتي دَخَلَتْ مِن الآراميَّةِ للعَربيَّةِ كَثيرةٌ، مِثلُ: كِتابٍ، وقَرأَ، ونُقْطةٍ، وصورةٍ، وتَفْسيرِ، وتِلْميذِ.
كَثيرٌ مِن الألْفاظِ الدِّينيَّةِ، مِثلُ: رَحْمنٍ، وقَيُّومٍ، وسَكينةٍ، وفُرْقانٍ، ومَلاكٍ، وصَليبٍ، وزِنْديقٍ، ودَجَّالٍ، وتابَ، وكَفَرَ.
وبعضُ الكَلِماتِ الآراميَّةِ دَخَلَتِ العَربيَّةَ بتَوسُّطِ لُغةٍ أُخرى، مِثلُ:
قُدُّوسٍ، وتابُوتٍ، وجَهَنَّمَ: دَخَلَتْ إلى العَربيَّةِ مِن الحَبَشيَّةِ بواسِطةِ الآراميَّةِ.
كَثيرٌ مِن الكَلِماتِ اليَهوديَّةِ الدِّينيةِ دَخَلَتْ مِن العِبْريَّةِ إلى العَربيَّةِ بتَوسُّطِ الآراميَّةِ، مِثلُ: مَلاكٍ وسَكينةٍ وأمَّةٍ، غيْرَ أنَّه مَشْكوكٌ في أصْلِها؛ أهي عِبْريَّةٌ ودَخَلَتِ الآراميَّةَ أم العَكْسُ [278] يُنظر: ((التَّطوُّر النحوي)) لبراجشترسر (ص: 220 – 227). .
ومِمَّا عُرِّبَ أيضًا:
الصِّيرُ: وهو السُّمَيكاتُ المَمْلوحةُ الَّتي يُعمَلُ مِنها الصَّحْناةُ، وهو إدامٌ يُتَّخَذُ مِن السَّمَكِ، وهو سُرْيانيٌّ مُعرَّبٌ؛ لأنَّ الشَّامَ يَتَكلَّمونَ بها [279] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 426). .
البَرْنَساءُ: الخَلْقُ والنَّاسُ، يُقالُ: مِن أيِّ البَرْنَساءِ هو؟ أي: مِن أيِّ النَّاسِ هو؟ وأصْلُه بالنَّبَطيَّةِ: ابنُ الإنْسانِ، وحَقيقةُ اللَّفْظِ بها بالسُّرْيانيَّةِ [280] تُكتب الكلمات السريانية في البحث بحروفها الأصلية، فإن تعذر، وذلك كثير، فإنها تُكتب بالحروف العربية، أو اللاتينية؛ بحسب المصدر. : برناشا، ومَعْنى (بر): الابنُ، و(ناشا): الإنْسانُ، فعَرَّبَتْه العَربُ [281] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 156). .
النَّاطورُ: هو حافِظُ النَّخْلِ والشَّجَرِ، وأصْلُه بالسُّرْيانيَّةِ (ناطورا)، مُشتَقٌّ مِن الفِعلِ (نَطَر)، أي: لاحَظَ وراقَبَ،  قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ النَّاظورُ، والنَّبَطُ تجْعَلُ الظَّاءَ طاءً [282] يُنظر: ((المعرَّب)) للجواليقي (ص: 610، 611). [283] يُنظر: ((التقريب لأصول التَّعْريب)) للشيخ طاهر الجزائري (ص: 59، 60). .

انظر أيضا: