موسوعة اللغة العربية

تَمْهيدٌ


لَمَّا كان مِن أُصولِ العِلمِ مَعْرفةُ ألْفاظِه وعِباراتِه، والوُقوفُ على مُرادِ المُصنِّفينَ والمُتَكلِّمينَ مِنَ الألْفاظِ الَّتي اصْطَلحوا على التَّعْبيرِ بها عن مَسائِلِ الفَنِّ ومُفرَداتِه، وكانت أُولى خُطواتِ تَعلُّمِ اللُّغاتِ وغيْرِها مَعْرِفةَ مُسَمَّياتِ الأشْياءِ؛ لِقَولِه تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: 31] .
لِهذا ينبغي على طالِبِ العِلمِ قَبْلَ الشُّروعِ في خَوْضِ غِمارِ الطَّلَبِ في أيِّ فنٍّ مِنَ الفُنونِ أن يَقِفَ على مُفرَداتِ الفَنِّ ومُصْطلَحاتِه، واصْطِلاحاتِ المُصنِّفين ومُرادِهم بها، واخْتِلافِهم في تَسْميةِ مَوْضوعٍ أو مَسْألةٍ؛ حتَّى لا يَعسُرَ عليه فَهْمُ ما يَترتَّبُ عليها، أو يَظنَّ أنَّ التَّسْمياتِ لمُسَمَّياتٍ مُخْتلِفةٍ، وليست كذلك.
قال ابنُ القَيِّمِ: (ولا نُنكِرُ أن يَحدُثَ في كلِّ زَمانٍ أَوْضاعٌ لِما يَحدُثُ مِنَ المَعاني الَّتي لم تَكنْ قَبْلُ، ولا سيَّما أرْبابِ كلِّ صِناعةٍ؛ فإنَّهم يَضَعون لآلاتِ صِناعتِهم مِنَ الأسْماءِ ما يَحْتاجون إليه في تَفْهيمِ بعضِهم مُرادَ بعضٍ عِنْدَ التَّخاطُبِ، ولا تَتِمُّ مَصْلحَتُهم إلَّا بذلك، وهذا أمْرٌ عامٌّ لأهْلِ كلِّ صِناعةٍ مُقْترَحةٍ أو غيْرِ مُقْترَحةٍ، بل أهْلُ كلِّ عِلمٍ مِنَ العُلومِ قدِ اصْطَلَحوا على ألْفاظٍ يَسْتعملونها في عُلومِهم، تَدْعو حاجَتُهم إليها للفَهْمِ والتَّفْهيمِ) [1] ((مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة)) لابن القيم (ص: 332). .
وقال الشَّيخُ طاهِرٌ الجَزائِريُّ: (وقد ذكَر المُحقِّقونَ أنَّه يَنْبغي لمَنْ تَكلَّم في فنٍّ مِنَ الفُنونِ أن يُورِدَ الألْفاظَ المُتَعارَفةَ فيه، مُسْتعمِلًا لها في مَعانيها المَعْروفةِ عِنْدَ أرْبابِه، ومُخالِفُ ذلك إمَّا جاهِلٌ بمُقْتَضى المَقامِ، أو قاصِدٌ للإبْهامِ أوِ الإيْهامِ) [2] ((توجيه النظر إلى أصول الأثر)) لطاهر الجزائري (1/ 78). .
وقدِ اشتَهر في دِراسةِ بعضِ العُلومِ الشَّرْعيَّةِ الاهْتِمامُ بدِراسةِ مُصْطلحاتِ العِلمِ، كعِلمِ مُصْطلَحِ الحَديثِ، القائِمِ على التَّعْريفِ بمُصْطلَحاتِ أهْلِ الجَرْحِ والتَّعْديلِ، ومَراتِبِهم في التَّوْثيقِ والتَّضْعيفِ، كذلك مَعْرِفةُ ألْفاظِ المُحَدِّثينَ ومُرادِهم مِنها؛ فما مَعْنى الحَديثِ المُسَلسَلِ والمُعضَلِ والمُرسَلِ والمُتواتِرِ والمُنْقَطِعِ والمَوْقوفِ والمَقْطوعِ...؟
كذلك الأمْرُ في عِلمِ الفِقْهِ وأُصولِه؛ حيثُ اسْتَقرَّ الأمْرُ على التَّعْريفِ بمُصْطلَحاتِ الفُقَهاءِ وأقْوالِهم، واشتَهرتْ مَعاجِمُ الفُقَهاءِ الَّتي تُعنَى بذِكْرِ أقْوالِ الفُقَهاءِ في كلِّ بابٍ مِن أبْوابِ الفِقْهِ، ومَعْرِفةِ المُرادِ بها، واخْتِلافِ الفُقَهاءِ في مَعاني أو شُروطِ بعضِ المُصْطلَحاتِ.
لِذلك كان لِزامًا علينا أن نَضَعَ بَيْنَ يَديْ طالِبِ العِلمِ صَفَحاتٍ يَسيرةً، تَجمَعُ له مصطلحات النَّحْوِ والصَّرْفِ والبَلاغةِ وسائِرِ عُلومِ اللُّغةِ، معَ شَرْحٍ مُيَسَّرٍ لِتلك المُصْطلَحاتِ، وتَدْعيمِ ذلك الشَّرْحِ بالأمْثِلةِ الَّتي تُقرِّبُ الفَهْمَ، معَ بَيانِ تَعدُّدِ التَّسْمياتِ للمُسمَّى الواحِدِ إن وُجِدَ، جاعِلينَ ذلك كلَّه على التَّرْتيبِ الألِفبائيِّ، مِن غيْرِ تَجْريدِ المُصْطلَحاتِ أو حَذْفِ أحْرُفِ الزِّيادةِ مِنها.


انظر أيضا: