موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- عِندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ


كان أنبياءُ اللَّهِ ورسُلُه عليهم السَّلامُ على حَذَرٍ من أعدائِهم، يحتاطون في ذلك ويتفطَّنون له، فيَسلُكون أسبابَ الظَّفَرِ منهم والنَّجاةِ مِن كَيدِهم، وفي القرآنِ الكريمِ شواهِدُ لذلك من أفعالِ الأنبياءِ والمُرسَلين.
- موسى عليه السَّلامُ:
فهذا موسى عليه السَّلامُ لمَّا قَتَل قِبطيًّا أصبح خائفًا حَذِرًا من جنودِ فِرعَونَ، فلم ينتَظِرْ أن يحيطَ به أعداؤه، بل كان يَقِظًا متأهِّبًا حَذِرًا، فأخذ بالأسبابِ وسارع بالخروجِ من هذه المدينةِ مع اللُّجوءِ إلى اللَّهِ ودُعائِه.
قال تعالى: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص: 21] .
(فخرَج منها خائفًا يترَقَّبُ، أي: فخرج موسى من مدينةِ فِرعَونَ خائفًا على نفسِه يتلفَّتُ، ويترقَّبُ متابعةَ أحَدٍ له) [2968] ((التفسير المنير)) للزحيلي (20/77). .
- لوطٌ عليه السَّلامُ:
وهذا لوطٌ عليه السَّلامُ يستجيبُ لأمرِ اللَّهِ سُبحانَه، فيسيرُ بقومِه في اللَّيلِ قَبلَ الصُّبحِ، وكان هو في مؤخِّرتِهم يتفقَّدُهم، ولا يدَعُ أحدًا منهم يتخَلَّفُ أو يتلَكَّأُ أو يتلفَّتُ إلى الدِّيارِ، على عادةِ المهاجِرين الذين يتنازَعُهم الشَّوقُ إلى ما خلَّفوا من ديارِهم؛ فيتلفَّتون إليها ويتلكَّؤون.
قال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ [الحَجَرٍ: 65] .
قال القُرطبيُّ: (وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ أي: كُنْ مِن ورائِهم لئلَّا يتخَلَّفَ منهم أحدٌ فينالَه العذابُ. وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ نُهوا عن الالتِفاتِ ليَجِدُّوا في السَّيرِ ويتباعَدوا عن القريةِ قَبلَ أن يفاجِئَهم الصُّبحُ) [2969] ((الجامع لأحكام القرآن)) (10/38). .
- يعقوبُ عليه السَّلامُ:
قال اللَّهُ تعالى حكايةً عن نبيِّه يعقوبَ عليه السَّلامُ ما قاله ليوسُفَ عليه السَّلامُ: يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5] ، ففيه الحثُّ على التَّحرُّزِ ممَّا يُخشى ضُرُّه؛ فالإنسانُ مأمورٌ بالاحترازِ، فإن نفع فذاك، وإلَّا لم يَلُمِ العبدُ نَفسَه [2970] يُنظَر: ((فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام)) للسعدي (ص: 21). .
وقال حكايةً عنه أيضًا قولَه لأبنائِه: يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [يوسف: 67] . من بابِ الأخذِ بالحَذَرِ والحَيطةِ.
- سُلَيمانُ عليه السَّلامُ:
وقد تجَلَّت يقَظةُ نبيِّ اللَّهِ سُليمانَ عليه السَّلامُ، وكانت سمةً من سماتِه الشَّريفةِ، فلم يَغفُلْ عن غَيبةِ جُنديٍّ من جنودِه بَيْنَ حَشرٍ ضَخمٍ من الجِنِّ والإنسِ والطَّيرِ، الذي يُجمَعُ آخِرُه على أوَّلِه؛ كي لا يتفَرَّقَ وينتَكِثَ.
قال تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [النمل: 20 - 21] .
قال القُرطبيُّ: (في هذه الآيةِ دليلٌ على تفَقُّدِ الإمامِ أحوالَ رعيَّتِه، والمحافظةِ عليهم؛ فانظرْ إلى الهدهُدِ مع صِغَرِه كيف لم يَخْفَ على سُلَيمانَ حالُه، فكيف بعِظامِ المُلْكِ) [2971] ((الجامع لأحكام القرآن)) (13/178). .

انظر أيضا: