موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسِعًا: نماذِجُ من الكَذِبِ


- عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (شكا أهلُ الكوفةِ سَعدًا إلى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، فعَزَله، واستعمَلَ عليهم عمَّارًا، فشَكَوا حتى ذكَروا أنَّه لا يحسِنُ يُصَلِّي! فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاقَ، إنَّ هؤلاء يزعُمون أنَّك لا تحسِنُ تُصَلِّي، قال أبو إسحاقَ: أمَّا أنا واللهِ فإني كنتُ أُصَلِّي بهم صلاةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أخرِمُ عنها، أصلِّي صلاةَ العِشاءِ، فأركُدُ في الأوليَينِ وأخِفُّ في الأخرَيَينِ، قال: ذاك الظَّنُّ بك يا أبا إسحاقَ! فأرسل معه رجُلًا أو رجالًا إلى الكوفةِ، فسأل عنه أهلَ الكوفةِ ولم يَدَعْ مسجِدًا إلَّا سأل عنه، ويُثنون معروفًا، حتى دخل مسجِدًا لبني عَبسٍ، فقام رجلٌ منهم يقالُ له أسامةُ بنُ قتادةَ يُكنى أبا سعدةَ، قال: أمَا إذ نشَدْتَنا فإنَّ سعدًا كان لا يَسيرُ بالسَّرِيَّةِ، ولا يَقسِمُ بالسَّوِيَّةِ، ولا يَعدِلُ في القَضِيَّةِ! قال سعدٌ: أمَا واللهِ لأدعُوَنَّ بثلاثٍ: اللَّهُمَّ إن كان عبدُك هذا كاذِبًا، قام رياءً وسُمعةً، فأطِلْ عُمُرَه، وأطِلْ فَقْرَه، وعَرِّضْه بالفِتَنِ! وكان بَعدُ إذا سُئِل يقولُ: شيخٌ كبيرٌ مفتونٌ، أصابتني دعوةُ سعدٍ! قال عبدُ المَلِكِ -راوي الأثَرِ عن سَمُرةَ-: فأنا رأيتُه بَعْدُ قد سقَط حاجباه على عينَيه من الكِبَرِ، وإنَّه ليتعَرَّضُ للجواري في الطُّرُقِ يَغمِزُهنَّ!) [6148] أخرجه البخاري (755) واللفظ له، ومسلم (453) مختصرًا. .
- وذكَر الذَّهبيُّ نموذَجًا من الكَذِبِ على العُلَماءِ والعُبَّادِ، فقال: (قال ابنُ طاهِرٍ: سَمِعتُ أصحابَنا بهَراةَ يقولون: لمَّا قَدِم السُّلطانُ ألَب أرسَلانَ هراةَ في بعضِ قَدَماتِه، اجتمع مشايخُ البلَدِ ورؤساؤُه، ودخلوا على أبي إسماعيلَ وسَلَّموا عليه وقالوا: ورد السُّلطانُ ونحن على عَزمٍ أن نخرُجَ ونُسَلِّمَ عليه، فأحبَبْنا أن نبدأَ بالسَّلامِ عليك، وكانوا قد تواطَئوا على أن حمَلوا معهم صنَمًا من نُحاسٍ صغيرٍ وجعلوه في المحرابِ تحتَ سجَّادةِ الشَّيخِ، وخَرَجوا وقام إلى خَلوتِه، ودخَلوا على السُّلطانِ واستغاثوا من الأنصاريِّ وأنه مجسِّمٌ وأنَّه يترُكُ في محرابِه صَنَمًا، يزعم أنَّ اللهَ على صورتِه، إن بعث الآن السُّلطانُ يجِدْه! فعَظُم ذلك على السُّلطانِ وبعث غلامًا ومعه جماعةٌ، فدخلوا الدَّارَ وقصدوا المحرابَ فأخذوا الصَّنَمَ، ورجع الغُلامُ بالصَّنَمِ، فبعث السُّلطانُ من أحضَرَ الأنصاريَّ، فأتى فرأى الصَّنَمَ والعُلَماءَ، والسُّلطانَ قد اشتَدَّ غَضَبُه؛ فقال السُّلطانُ له: ما هذا؟ قال: هذا صنَمٌ يُعمَلُ من الصُّفرِ شِبهُ اللُّعبةِ، قال: لستُ عن ذا أسألُك؟ قال: فعَمَّ يسألُني السُّلطانُ؟ قال: إنَّ هؤلاء يزعُمون أنَّك تعبُدُ هذا، وأنك تقولُ: إنَّ اللهَ على صورتِه! فقال الأنصاريُّ بصَولةٍ وصَوتٍ جَهْوَريٍّ: سُبحانَك! هذا بهتانٌ عظيمٌ! فوقَع في قلبِ السُّلطانِ أنَّهم كَذَبوا عليه، فأمر به فأُخرِجَ إلى دارِه مُكَرَّمًا، وقال لهم: اصدُقوني، وهَدَّدهم، فقالوا: نحن في يدِ هذا الرَّجُلِ في بَليَّةٍ من استيلائِه علينا بالعامَّةِ، فأرَدْنا أن نقطَعَ شَرَّه عنا، فأَمَر بهم ووكَّل بكُلِّ واحدٍ منهم وصادَرَهم وأهانَهم) [6149] ((تذكرة الحفاظ)) للذهبي (3/ 251). .

انظر أيضا: