موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ الكَذِبِ


الكَذِبُ إمَّا أن يكونَ اختراعًا لقِصَّةٍ لا أصلَ لها، أو زيادةً في القِصَّةِ أو نُقصانًا يُغَيِّرانِ المعنى، أو تحريفًا بتغييرِ عبارةٍ؛ فما كان اختراعًا يقالُ له: الافتراءُ والاختلاقُ، وما كان من زيادةٍ أو نقصانٍ فمَينٌ، وكلُّ من أورد كَذِبًا في غيرِه، فإمَّا أن يقولَه بحَضرةِ المقولِ فيه أو بغيرِ حضرتِه، وأعظَمُ الكَذِبِ ما كان اختراعًا بحضرةِ المقولِ فيه، وهو المعَبَّرُ عنه بالبُهتانِ [6106] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للأصفهاني (ص: 196). .
وينقَسِمُ الكَذِبُ باعتبارِ القولِ والفِعلِ إلى عِدَّةِ أقسامٍ:
1- الكَذِبُ في الأقوالِ.
2- الكَذِبُ في الأفعالِ.
وينقَسِمُ الكَذِبُ بحسَبِ الأداءِ والمطابقةِ للواقِعِ لعِدَّةِ أنواعٍ على النَّحوِ الآتي:
(الكَذِبُ يرادُ به أمرانِ؛ أحَدُهما: الخبَرُ غيرُ المطابِقِ لمُخبَرِه، وهو نوعانِ: كَذِبٌ عَمدٌ، وكَذِبٌ خَطَأٌ، فكَذِبُ العَمدِ معروفٌ، وكَذِبُ الخَطَأِ... منه قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "كذَب من قالها" [6107] أخرجه البخاري (6891) من حديثِ سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((خرَجْنا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى خيبَرَ، فقال رجُلٌ منهم: أسمِعْنا يا عامِرُ من هُنَيهاتِك! فحدا بهم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن السَّائقُ؟ قالوا: عامِرٌ. فقال: رحمه اللهُ! فقالوا: يا رسولَ اللهِ، هلَّا أمتَعْتَنا به! فأصيبَ صبيحةَ ليلتِه، فقال القومُ: حَبِط عمَلُه؛ قَتَل نَفسَه! فلمَّا رجَعْتُ وهم يتحدَّثون أنَّ عامِرًا حَبِط عمَلُه، فجِئتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ، فداك أبي وأمي، زعَموا أنَّ عامرًا حَبِط عمَلُه! فقال: كَذَب من قالها، إنَّ له لأجرَينِ اثنينِ؛ إنَّه لجاهِدٌ مجاهِدٌ، وأيُّ قَتلٍ يزيدُه عليه)). ، لمن قال: حَبِط عَمَلُ عامرٍ؛ حيث قَتَل نفسَه خطأً، ومنه قولُ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ: "كذَب أبو محمَّدٍ" [6108] أخرجه أبو داود (1420)، والنسائي (461)، وأحمد (22693) ولفظ أبي داود: عن ابنِ محيريزٍ أنَّ رجُلًا من بني كِنانةَ يُدعى المخدجيَّ سمِعَ رجلًا بالشَّامِ يُدعى أبا محمَّدٍ يقولُ: إنَّ الوِترَ واجِبٌ. قال المخدجيُّ: فرُحتُ إلى عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ فأخبَرْتُه، فقال عُبادةُ: كَذَب أبو محمَّدٍ. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (1732)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/288)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/447)، والنووي في ((المجموع)) (4/20). ؛ حيث قال: الوِترُ واجِبٌ، فهذا كلُّه مِن كَذِبِ الخطأِ، ومعناه: أخطأَ قائِلُ ذلك.
والثَّاني من أقسامِ الكَذِبِ: الخبرُ الذي لا يجوزُ الإخبارُ به، وإن كان خبرُه مُطابقًا لمُخبَرِه، كخَبَرِ القاذِفِ المنفَرِدِ برؤيةِ الزِّنا، والإخبارِ به؛ فإنَّه كاذِبٌ في حُكمِ اللهِ وإن كان خبَرُه مطابقًا لمُخبَرِه؛ ولهذا قال تعالى: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 13] ، فحَكَم اللهُ في مِثلِ هذا أن يعاقَبَ عقوبةَ المُفتري الكاذِبِ وإن كان خبَرُه مطابقًا، وعلى هذا فلا تتحقَّقُ توبتُه حتى يعتَرِفَ بأنَّه كاذِبٌ عِندَ اللهِ، كما أخبَر اللهُ تعالى به عنه، فإذا لم يعترِفْ بأنَّه كاذِبٌ وجعَلَه اللهُ كاذبًا، فأيُّ توبةٍ له؟ وهل هذا إلَّا محضُ الإصرارِ والمجاهَرةِ بمخالفةِ حُكمِ اللهِ الذي حكَم به عليه [6109] يُنظَر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/ 371). ؟

انظر أيضا: