موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: الوسائِلُ المعينةُ على تَركِ الفُحْشِ والبَذاءةِ


1- الإكثارُ من ذِكرِ اللهِ:
وَرَد أنَّ أعرابيًّا قال لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كَثُرت عَلَيَّ، فأنبِئْني منها بشيءٍ أتشبَّثُ به [5836] أتشبَّثُ: أي: أتعَلَّقُ. يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (4/1558). ، قال: لا يزالُ لِسانُك رَطْبًا من ذِكرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ)) [5837] رواه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3793)، وأحمد (4/190) (17734). قال الترمذي: (حسنٌ غريبٌ). وصحَّح إسنادَه الحاكم. وصحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7700). .
وذَكَر ابنُ القَيِّمِ من فوائِدِ الذِّكرِ: (أنَّه سَبَبُ اشتغالِ اللِّسانِ عن الغِيبةِ والنَّميمةِ والكَذِبِ والفُحشِ والباطِلِ؛ فإنَّ العَبدَ لا بُدَّ له من أن يَتكلَّمَ، فإنْ لم يَتَكَلَّمْ بذِكرِ اللَّهِ تَعالى وذِكْرِ أوامِرِه، تَكَلَّم بهذه المحَرَّماتِ أو بَعضِها، ولا سَبيلَ إلى السَّلامةِ منها البَتَّةَ إلَّا بذِكرِ اللَّهِ تعالى، والمشاهدةُ والتَّجرِبةُ شاهِدانِ بذلك، فمَن عوَّد لسانَه ذِكرَ اللَّهِ صانَ لسانَه عن الباطِلِ واللَّغوِ، ومن يَبِسَ لسانُه عن ذِكرِ اللَّهِ تعالى تَرَطَّبَ بكُلِّ باطِلٍ ولَغوٍ وفُحشٍ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ) [5838] ((الوابل الصيب)) (ص: 64). .
2- لُزومُ الصَّمتِ:
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلْيَقلْ خيرًا أو ليَصمُتْ)) [5839] رواه البخاري (6475)، ومسلم (47) مطوَّلًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ورواه البخاري (6019)، ومسلم (48) من حديثِ أبي شريحٍ العَدويِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
3- تعويدُ اللِّسانِ على الكلامِ الجميلِ:
فيُبعِدُه ذلك عن فُحشِ الكلامِ وبذيئِه.
4- تجنُّبُ الألفاظِ المستقبَحةِ وإن كانت صِدقًا، والتَّكنيةُ عنها:
قال الماوَرْديُّ: (يتجافى هُجرَ القَولِ ومُستقبَحَ الكلامِ، ولْيعدِلْ إلى الكنايةِ عمَّا يُستقبَحُ صَريحُه، ويُستهجَنُ فَصيحُه؛ ليَبلُغَ الغَرَضَ ولسانُه نَزِهٌ، وأدبُه مَصونٌ) [5840] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 284). .
وقال العلاءُ بنُ هارونَ: (كان عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ رَضِيَ اللهُ عنه يتحَفَّظُ في منطِقِه لا يتكَلَّمُ بشيءٍ من الخَنا، فخرج به خُرَاجٌ [5841] الخُراجُ: وَرَمٌ يخرُجُ بالبَدَنِ من ذاتِه، أو هو ما يخرُجُ في البَدَنِ من القُروحِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (5/ 512). في إبْطِه، فقالوا: أيُّ شيءٍ عسى أن يقولَ الآنَ؟! قالوا: يا أبا حَفصٍ، أين خرَج منك هذا الخُرَاجُ؟ قال: في باطِنِ يدي) [5842] رواه ابنُ أبي الدنيا في ((الصمت)) (586). .
5- ألَّا يتحدَّثَ فيما لا يَعنيه:
قال عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما: (دَعْ ما لستَ منه في شيءٍ، ولا تنطِقْ فيما لا يعنيك، واخزُنْ [5843] خزن: خزَن الشَّيءَ يخزُنُه خَزنًا واختزنه: أحرَزَه وجعَلَه في خزانةٍ واختزنه لنفَسِه. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/139). لسانَك كما تخزُنُ وَرَقَك) [5844] رواه ابنُ أبي الدنيا في ((الصمت)) (24)، وابن أبي عاصم في ((الزهد)) (41)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/288). .
وقال رجُلٌ للأحنَفِ بنِ قَيسٍ: بمَ سُدتَ قَومَك، وأراد عَيبَه؟ فقال الأحنَفُ: بتركي مِن أمرِك ما لا يعنيني، كما أعناك من أمري ما لا يَعنيك [5845] رواه أبو بكر الدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (821). .
6- ألَّا يعتادَ لَعْنَ الدوابِّ والأماكِنِ:
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا ينبغي لصِدِّيقٍ أن يكونَ لعَّانًا)) [5846] رواه مسلم (2597) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وعن أبي بَرزةَ الأسلَميِّ قال: ((بينما جاريةٌ على ناقةٍ عليها بعضُ متاعِ القَومِ، إذ بصُرَت بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتضايَقَ بهم الجَبَلُ، فقالت: حَلْ [5847] حَلْ: زجرٌ للنَّاقةِ. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) (2/294). ، اللَّهُمَّ العَنْها! قال: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تصاحِبْنا ناقةٌ عليها لعنةٌ)) [5848] رواه مسلم (2596). .
7- التَّخلُّقُ بخُلُقِ الحياءِ:
الحياءُ يمنعُ من كثيرٍ من الفُحشِ والبَذاءِ، ويحمِلُ على كثيرٍ من أعمالِ الخيرِ؛ فعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما كان الفُحْشُ في شيءٍ إلَّا شانه، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلَّا زانه)) [5849] رواه الترمذي (1974) واللفظ له، وابن ماجه (4185)، وأحمد (12689). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1974)، وحسَّنه ابنُ عبد البر في ((التمهيد)) (9/257)، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (12689). .
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (إنَّ الحياءَ يَمنَعُ من كَثيرٍ من الفُحشِ والفواحِشِ، ويَشتَمِلُ على كَثيرٍ من أعمالِ البِرِّ، وبهذا صار جُزءًا وشُعبةً من الإيمانِ؛ لأنَّه وإن كان غَريزةً مُرَكَّبةً في المرءِ فإنَّ المستَحيَ يَندَفِعُ بالحياءِ عن كَثيرٍ من المعاصي كما يَندَفِعُ بالإيمانِ عنها إذا عَصَمه اللهُ، فكأنَّه شُعبةٌ منه؛ لأنَّه يَعمَلُ عَمَلَه، فلمَّا صار الحياءُ والإيمانُ يَعمَلانِ عَمَلًا واحِدًا، جُعِلا كالشَّيءِ الواحِدِ، وإن كان الإيمانُ اكتِسابًا والحياءُ غَريزةً) [5850] ((التمهيد)) لابن عبد البر (9/234). .
8- مصاحبةُ ومجالسةُ الأخيارِ:
من جالَس الأخيارَ يعينونَه على طريقِ الخَيرِ، ويَحمَدونه إذا أحسَن، وينصَحونه إذا أخطأ؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المرءُ على دينِ خليلِه [5851] على دينِ خليلِه: أي: على عادةِ صاحِبِه وطريقتِه وسيرتِه. يُنظَر: ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (2/40). ، فلينظُرْ أحَدُكم من يُخالِلُ [5852] يخالِلُ: من المخالَّةِ، وهي المصادَقةُ والإخاءُ، وقيل: يخالِلُ، أي: يجري بينه وبينك خُلَّةٌ، أي: محبَّةٌ. يُنظَر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/ 234)، ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (7/ 42). ) [5853] رواه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وأحمد (8417) واللفظ له من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (6/306)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((الأمالي المطلقة)) (151)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4833)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1288)، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ. .
قال الشَّاعِرُ:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحِبْ خِيارَهم
ولا تصحَبِ الأردى فتَرْدى مع الرَّدِي
عن المرءِ لا تسألْ وسَلْ عن قرينِه
فكُلُّ قرينٍ بالمقارِنِ يقتدي [5854] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 179).
وقال الحَسَنُ بنُ عليٍّ الخَلَّالُ: (قال بَعضُ الحُكَماءِ: مُجالسةُ أهلِ الدِّيانةِ تَجلو عن القُلوبِ صَدَأَ الذُّنوبِ، ومُجالسةُ ذوي المروءةِ تَدُلُّ على مَكارِمِ الأخلاقِ، ومُجالسةُ العُلماءِ تُنتِجُ ذَكاءَ القُلوبِ، ومن عرَف تَقَلُّبَ الزَّمانِ لم يَركَنْ إليه) [5855] رواه أبو بكر الدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (3064). .

انظر أيضا: