موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ


- رُوِيَ أنَّ الحارِثَ بنَ حَوطٍ اللَّيثيَّ نَهَض إلى عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه وهو على المنبَرِ، فقال: (أتظُنُّ أنَّا نَظُنُّ أنَّ طَلحةَ والزُّبَيرَ كانا على ضلالٍ؟ قال: يا حارِ [1935] أي: يا حارِثُ. فهو من بابِ النِّداءِ المُرَخَّمِ، والتَّرخيمُ: نقصانُ أواخِرِ الأسماءِ، تفعَلُ ذلك العرَبُ على وجهِ التَّخفيفِ. يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 350). ، إنَّه ملبوسٌ عليك! إنَّ الحَقَّ لا يُعرَفُ بالرِّجالِ، فاعرِفِ الحَقَّ تَعرِفْ أهلَه) [1936] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (3/ 144)، ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 74). .
- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ الله عنه أنَّه كان يقولُ: (اغْدُ عالِمًا أو متعَلِّمًا، ولا تَغْدُ إمَّعةً فيما بَيْنَ ذلك) [1937] رواه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (15/407)، والبيهقي في ((المدخل إلى السنن)) (378)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (145). صحَّحه ابنُ القَيِّمِ في ((إعلام الموقعين)) (2/160)، وحسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (15/407). .
- وعنه أيضًا قال: (ألا لا يُقَلِّدَنَّ أحَدُكم دينَه رَجُلًا؛ إن آمَنَ آمَنَ، وإن كَفَر كَفَر، وإنْ كُنتُم لا بُدَّ مُقتَدين، فاقتَدوا بالميِّتِ؛ فإنَّ الحَيَّ لا يُؤمَنُ عليه الفِتنةُ) [1938] رواه الطَّبراني في (9/152) (8764).  قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/185): (رجالُه رجالُ الصَّحيحِ). .
- وعنه أيضًا قال: (لا يَكونَنَّ أحَدُكم إمَّعةً، قالوا: وما الإمَّعةُ؟ قال: يجري مع كُلِّ ريحٍ) [1939] رواه الخرائطي في ((اعتلال القلوب)) (381). وفي روايةٍ: قال: (لا يكونُ أحَدُكم إمَّعةً، قالوا: وما الإمَّعةُ يا أبا عَبدِ الرَّحمنِ؟ قال: يقولُ: إنَّما أنا مع النَّاسِ؛ إن اهتَدَوا اهتدَيتُ، وإن ضَلُّوا ضلَلْتُ، ألَا ليُوَطِّنْ أحَدُكم نفسَه على إن كَفَر النَّاسُ ألَّا يَكفُرَ). رواها الطبراني في (9/152) (8765). .
قال الخلَّالُ: وأخبَرَني حَربُ بنُ إسماعيلَ الكَرْمانيُّ، قال: (قُلتُ لإسحاقَ -يعني ابنَ راهَوَيهِ- ما معنى قَولِه: «لا يكونُ أحَدُكم إمَّعةً»؟ قال: يقولُ: إن ضَلَّ النَّاسُ ضلَلْتُ، وإن اهتَدَوا اهتَدَيتُ) [1940] رواه الخَلَّال في ((السنة)) (944). .
- قال عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ: (لِيُوطِّنَنَّ المرءُ نفسَه على أنَّه إن كَفَر مَن في الأرضِ جميعًا لم يَكفُرْ، ولا يكونَنَّ أحَدُكم إمَّعةً، قيل: وما الإمَّعةُ؟ قال: الذي يقولُ: أنا مع النَّاسِ؛ إنَّه لا أُسوةَ في الشَّرِّ) [1941] رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (9/152). .
- وعن الفُضَيلِ بنِ عِياضٍ قال: (اتَّبِعْ طريقَ الهُدى، ولا يَضُرَّك قِلَّةُ السَّالِكين، وإيَّاك وطُرُقَ الضَّلالةِ، ولا تغتَرَّ بكَثرةِ الهالِكين) [1942] ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/86). .
- و(عن كُمَيلِ بنِ زيادٍ أنَّ عَليًّا رَضِيَ الله عنه قال: يا كُمَيلُ: إنَّ هذه القُلوبَ أوعيةٌ، فخَيرُها أوعاها للخَيرِ، والنَّاسُ ثلاثةٌ: فعالِمٌ رَبَّانيٌّ، ومتعَلِّمٌ على سبيلِ نجاةٍ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كُلِّ ناعقٍ، لم يَستضيئوا بنورِ العِلمِ، ولم يَلجَؤوا إلى رُكنٍ وثيقٍ.. إلى أن قال: أفٍّ لحامِلِ حَقٍّ لا بصيرةَ له، ينقَدِحُ الشَّكُّ في قَلبِه بأوَّلِ عارِضٍ من شُبهةٍ، لا يَدري أين الحَقُّ، إن قال أخطَأَ، وإن أخطأَ لم يَدْرِ، مشغوفٌ بما لا يدري حقيقتَه، فهو فِتنةٌ لِمن فُتِن به) [1943] رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/79)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (50/255). .
وعن ابنِ مسعودٍ أنَّه قال: (كُنَّا ندعو الإمَّعةَ في الجاهليَّةِ الذي يُدعى إلى الطَّعامِ، فيذهَبُ معه بآخَرَ، وهو فيكم المُحقِبُ دِينَه الرِّجالَ، الذي يمنَح دينَه غيرَه، فيما ينتَفِعُ به ذلك الغيرُ في دُنياه، ويبقى إثمُه عليه) [1944] ((شرح مشكل الآثار)) للطحاوي (15/407)، الحاكم في المستدرك (7378). قال الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (15/408): رجالُه رجالُ الصَّحيحِ غيرَ أبي الزَّعراءِ، وهو ثقةٌ، وصحَّح الحاكِمُ إسنادَه. .
و(المُحقِبُ دينَه الرِّجالَ): (يعني: المتْبِعَ دينَه آراءَ الرِّجالِ من غيرِ نَظَرٍ في دليلٍ ولا طلَبٍ لحُجَّةٍ، وهو مأخوذٌ من الحقيبةِ التي تُعلَّقُ على الفَرَسِ، فكذلك هذا يُعلِّقُ أمرَ دينِه على غيرِه؛ تقليدًا لا اجتِهادًا) [1945] ((التطفيل وحكايات الطُّفيليين)) للخطيب البغدادي (ص: 50). .
- وقال ابنُ القَيِّمِ: (وكانوا يُسَمُّون -أي: الصَّحابةُ والتَّابعون- المُقَلِّدَ الإمَّعةَ ومُحقِبَ دينِه، كما قال ابنُ مسعودٍ: الإمَّعةُ الذي يُحقِبُ دِينَه الرِّجالَ، وكانوا يُسَمُّونه الأعمى الذي لا بصيرةَ له، ويُسَمُّون المقَلِّدين أتباعَ كُلِّ ناعقٍ، يميلون مع كُلِّ صائحٍ) [1946] ((إعلام الموقعين)) (2/184). .
- وكان أحمدُ بنُ حَنبَلٍ يقولُ: (مِن ضِيقِ عِلمِ الرَّجُلِ أن يُقَلِّدَ في اعتقادِه رَجُلًا) [1947] يُنظَر: ((طبقات الحنابلة)) لأبي يعلى (1/ 217)، ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 74). .
- وقال الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ مَن عَرَف الحَقَّ بالرِّجالِ حار في متاهاتِ الضَّلالِ؛ فاعرِفِ الحَقَّ تَعرِفْ أهلَه إنْ كُنتَ سالِكًا طريقَ الحَقِّ) [1948] ((إحياء علوم الدين)) (1/ 23). .
- وقال ابنُ الجوزيِّ: (اعلَمْ أنَّ المقَلِّدَ على غيرِ ثقةٍ فيما قلَّد فيه، وفي التَّقليدِ إبطالُ منفعةِ العقلِ؛ لأنَّه إنَّما خُلِق للتَّأمُّلِ والتَّدبُّرِ، وقبيحٌ بمن أُعطيَ شمعةً يستضيءُ بها أن يُطفِئَها ويمشيَ في الظُّلمةِ.
واعلَمْ أنَّ عُمومَ أصحابِ المذاهِبِ يَعظُمُ في قلوبِهم الشَّخصُ، فيتَّبِعون قولَه من غيرِ تدبُّرٍ بما قال، وهذا عينُ الضَّلالِ؛ لأنَّ النَّظَرَ ينبغي أن يكونَ إلى القولِ لا إلى القائِلِ) [1949] ((تلبيس إبليس)) (ص: 74). .
- وقال أيضًا: (إنَّما ينبغي للإنسانِ أن يتَّبِعَ الدَّليلَ، لا أن يتَّبِعَ طريقًا ويتطَلَّبَ دليلَها... ولقد كان جماعةٌ من المحَقِّقين لا يبالون بمُعظَّمٍ في النُّفوسِ إذا حاد عن الشَّريعةِ، بل يُوسِعونَه لَومًا، فنُقِل عن أحمدَ أنَّه قال له المرُّوذيُّ: ما تقولُ في النِّكاحِ؟ فقال: سُنَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فقال: فقد قال إبراهيمُ. قال: فصاح بي، وقال: جِئْتَنا ببُنَيَّاتِ الطَّريقِ [1950] بُنَيَّاتُ الطَّريقِ، أي: الطُّرُقُ الصِّغارُ تتشَعَّبُ من الجادَّةِ. يُنظَر: ((مختار الصَّحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 40). !
وقيل له: إنَّ سَرِيًّا السَّقَطيَّ قال: لمَّا خلَقَ اللهُ تعالى الحروفَ وَقَف الألِفُ، وسَجَدت الباءُ... فقال: نَفِّروا النَّاسَ عنه.
واعلَمْ أنَّ المحَقِّقَ لا يَهولُه اسمٌ مُعَظَّمٌ، كما قال رجُلٌ لعَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أتظُنُّ أنَّا نظُنُّ أنَّ طَلحةَ والزُّبَيرَ كانا على الباطِلِ؟ فقال له: إنَّ الحَقَّ لا يُعرَفُ بالرِّجالِ، اعرِفِ الحَقَّ تَعرِفْ أهلَه.
ولَعَمْري، إنَّه قد وَقَر في النُّفوسِ تعظيمُ أقوامٍ، فإذا نُقِل عنهم شيءٌ فسَمِعَه جاهِلٌ بالشَّرعِ قَبِلَه؛ لتعظيمِهم في نفسِه) [1951] يُنظَر: ((صيد الخاطر)) (ص: 41-43). .
- وقال الطَّحاويُّ: (كان أبو عُبَيدٍ يُذاكِرُني بالمسائِلِ، فأجَبْتُه يومًا في مسألةٍ، فقال لي: ما هذا قولَ أبي حنيفةَ. فقُلتُ له: أيُّها القاضي، أوَ كُلُّ ما قاله أبو حنيفةَ أقولُ به؟ قال: ما ظنَنْتُك إلَّا مُقَلِّدًا. فقُلتُ له: وهل يُقَلِّدُ إلَّا عَصَبيٌّ؟ فقال لي: أو غَبيٌّ؟ فطارت هذه الكَلِمةُ بمِصرَ حتَّى صارت مَثَلًا) [1952] ((رفع الإصر عن قضاة مصر)) لابن حجر (ص: 273). .
- قال عبدُ اللهِ بنُ المُعتَزِّ: (لا فَرْقَ بَيْنَ بهيمةٍ تُقادُ، وإنسانٍ يُقَلِّدُ) [1953] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 989). .

انظر أيضا: