موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: أخطاءٌ شائِعةٌ حَولَ التَّفريطِ


تحوُّلُ بعضِ المُفَرِّطين إلى الإفراطِ والتَّشديدِ وإرهاقِ النَّفسِ؛ طَلَبًا لاستدراكِ ما فرَّطوا فيه، وهذا يُفضي بهم إلى التَّفريطِ مرَّةً أُخرى؛ فالمُفَرِّطُ يُطلَبُ منه الاعتدالُ والقَصدُ، لا الإفراطُ والمبالَغةُ؛ فإجهادُ النَّفسِ يُفضي إلى المَلالِ فيُؤدِّي إلى تَركِ الطَّاعةِ والعبادةِ [1895] ((الأدب النبوي)) (ص: 181). ، وأيضًا يؤدِّي إلى التَّفريطِ في حقوقٍ أُخرى؛ عن عَونِ بنِ أبي جُحَيفةَ، عن أبيه، قال: آخَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ سَلْمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزار سَلْمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأى أمَّ الدَّرداءِ مُتبَذِّلةً، فقال لها: ما شأنُكِ؟! قالت: أخوك أبو الدَّرْداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، فجاء أبو الدَّرداءِ، فصَنَع له طعامًا، فقال: كُلْ فإنِّي صائِمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتَّى تأكُلَ، فأكَلَ، فلمَّا كان اللَّيلُ ذَهَب أبو الدَّرداءِ يقومُ، فقال: نَمْ، فنام، ثمَّ ذهب يقومُ، فقال: نَمْ، فلمَّا كان آخِرُ اللَّيلِ قال سَلْمانُ: قُمِ الآنَ، قال: فصَلَّيَا، فقال له سَلْمانُ: إنَّ لرَبِّك عليك حَقًّا، ولنَفْسِك عليك حَقًّا، ولأهلِك عليك حَقًّا؛ فأعْطِ كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، فأتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذَكَر ذلك له، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَدَق سَلْمانُ)) [1896] أخرجه البخاري (6139) .
فـ (ينبغي للمُسلِمِ أن يحذَرَ من التَّشدُّدِ في العبادةِ، وتكليفِه النَّفسَ ما لا تطيقُ من الطَّاعاتِ، ومن فَعَل ذلك غلَبَه الدِّينُ لكثرةِ الأعمالِ والطَّاعاتِ، فيكونُ آخِرُ أمرِه العَجزَ والانقِطاعَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أوجَب على عبادِه وظائِفَ من الطَّاعاتِ في وَقتٍ دونَ وَقتٍ؛ تيسيرًا ورحمةً، ولأنَّ الإنسانَ إذا أخذ بالقَصدِ دام عَمَلُه، وتمكَّن من أداءِ الحُقوقِ كُلِّها: حَقِّ اللهِ تعالى، وحَقِّ النَّفسِ، وحَقِّ الأهلِ والأصحابِ برِفقٍ وسُهولةٍ) [1897] ((منحة العلام شرح بلوغ المرام)) (3/321). .

انظر أيضا: