موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رضِي اللهُ عنهما، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ لا يقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا ينتزِعُه مِن العِبادِ، ولكن يقبِضُ العِلمَ بقَبضِ العُلَماءِ، حتَّى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتَّخَذ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا فأفتَوا بغَيرِ عِلمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا)) [1616] أخرجه البخاري (100) واللفظ له، ومسلم (2673). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (وإنَّما يكونُ قَبضُ العِلمِ بتضييعِ التَّعلُّمِ، فلا يوجَدُ فيمن يبقى من يَخلُفُ من مضى) [1617] ((شرح صحيح البخاري)) (1/ 177). .
قال المُناويُّ: («فأفتَوا بغيرِ عِلمٍ» ... أي: استِكبارًا وأنَفةً عن أن يقولوا: لا نَعلَمُ، «فضلُّوا» في أنفُسِهم، «وأضَلُّوا» من أفتَوه... وهذا تحذيرٌ من ترئيسِ الجَهَلةِ، وأنَّ الفتوى هي الرِّئاسةُ الحقيقيَّةُ، وذَمُّ من يُقدِمُ عليها بلا عِلمٍ) [1618] ((فيض القدير)) (2/ 274). .
2- عن ثوبانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... وإنَّما أخافُ على أمَّتي الأئمَّةَ المُضَلِّين)) [1619] أخرجه مطولًا: أبو داود (4252) واللفظ له، والترمذي (2202، 2229) مفرقًا، وأحمد (22452) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (7238)، والسخاوي في ((البلدانيات)) (105). .
قال ابنُ رسلانَ: («وإنَّما أخاف على أمَّتي» من «الأئمَّة» الأئمَّةُ: جمعُ إمامٍ، وهو الذي يدعو النَّاسَ إلى ضلالةٍ بالقَولِ أو الفِعلِ أو اعتقادٍ يعتَقِدُه، «المُضَلِّين» الذين تولَّوا الوِلاياتِ بغيرِ علمٍ، فحَكَموا بغيرِ عِلمٍ، فضَلُّوا وأضَلُّوا، فهم ضالُّون عن الحَقِّ، مُضِلُّون لغيرِهم، وقد يدخُلُ فيهم العُلَماءُ الذين لا يَعمَلون بعِلمِهم، وجُهَلاءُ الصُّوفيَّةِ الذين صاروا مشايخَ يُقتدى بهم، فيَلعَبُ بهم الشَّيطانُ وبمن يقتدي بهم، إلَّا من وفَّقه اللَّهُ تعالى) [1620] ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (16/ 672). .
3- عن ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من ادَّعى دعوى كاذِبةً ليتكَثَّرَ بها، لم يَزِدْه اللَّهُ إلَّا قِلَّةً)) [1621] أخرجه مسلم (110) مطوَّلًا من حديثِ ثابتِ بنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال القاضي عِياضٌ: (هذا عامٌّ في كُلِّ دعوى يتشَبَّعُ بها المرءُ بما لم يُعْطَ؛ من مالٍ يحتالُ في التَّجمُّلِ به من غيرِه، أو نَسَبٍ ينتمي إليه ليس من جِذْمِه أي: فَرعِه، أو عِلمٍ يتحلَّى به ليس من حَمَلتِه، أو دينٍ يُرائي به ليس من أهلِه؛ فقد أعلَم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه غيرُ مُبارَكٍ له في دعواه، ولا زاكٍ ما اكتَسَبه بها) [1622] ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (1/ 391). .
4- عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المُتشَبِّعُ بما لم يُعْطَ كلابِسِ ثَوبَيْ زُورٍ)) [1623] أخرجه البخاري (5219)، ومسلم (2130). .
قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: معناه المتكَثِّرُ بما ليس عندَه، بأن يُظهِرَ أنَّ عندَه ما ليس عندَه، يتكثَّرُ بذلك عندَ النَّاسِ، ويتزيَّنُ بالباطِلِ؛ فهو مذمومٌ، كما يُذَمُّ من لَبِس ثوبَي زُورٍ؛ قال أبو عُبَيدٍ وآخرون: هو الذي يلبَسُ ثيابَ أهلِ الزُّهدِ والعبادةِ والوَرَعِ، ومقصودُه: أن يُظهِرَ للنَّاسِ أنَّه متَّصِفٌ بتلك الصِّفةِ، ويُظهِرَ من التَّخشُّعِ والزُّهدِ أكثَرَ ممَّا في قلبِه، فهذه ثيابُ زُورٍ ورياءٍ، وقيل: هو كمن لَبِس ثوبَينِ لغيرِه وأوهَمَ أنَّهما له، وقيل: هو مَن يلبَسُ قميصًا واحدًا ويَصِلُ بكُمَّيه كُمَّينِ آخرَينِ، فيُظهِرُ أنَّ عليه قميصينِ، وحكى الخطَّابيُّ قولًا آخَرَ: أنَّ المرادَ هنا بالثَّوبِ الحالةُ والمذهَبُ، والعرَبُ تُكنِّي بالثَّوبِ عن حالِ لابسِه، ومعناه: أنَّه كالكاذِبِ القائِلِ ما لم يكُنْ، وقولًا آخَرَ: أنَّ المرادَ الرَّجُلُ الذي تُطلَبُ منه شهادةُ زُورٍ فيَلبَسُ ثوبَينِ يتجمَّلُ بهما، فلا تُرَدُّ شهادتُه لحُسنِ هيئتِه. واللَّهُ أعلَمُ) [1624] ((شرح النووي على مسلم)) (14/ 110). .

انظر أيضا: