موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


لقد شَدَّد رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في النَّهيِ عن التَّجَسُّسِ والتَّحذيرِ منه، ومن ذلك:
- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحديثِ، ولا تَحَسَّسوا ولا تَجَسَّسوا، ولا تَنافَسوا ولا تَحاسَدوا، ولا تَباغَضوا ولا تَدابَروا، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا)) [1333] رواه البخاري (6064)، ومسلم (2563) واللفظ له. .
- عن أبي برزةَ الأسلَميِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا مَعشَرَ مَن آمَن بلِسانِه، ولم يدخُلِ الإيمانُ قَلبَه، لا تغتابوا المُسلِمين، ولا تتَّبِعوا عَوراتِهم؛ فإنَّه من اتَّبَع عوراتِهم يَتَّبِعِ اللهُ عَورتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضَحْه في بيتِه)) [1334] رواه أبو داود (4880) واللفظ له، وأحمد (19776). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4880)، وصحَّحه لغيرِه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4880)، وجوَّد إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/250). .
قولُه: («يا مَعشَرَ مَن آمَن بلِسانِه، ولم يدخُلِ الإيمانُ قَلبَه» فيه تنبيهٌ على أنَّ غِيبةَ المُسلِمِ من شِعارِ المُنافِقِ لا المُؤمِنِ. «ولا تتَّبِعوا عَوْراتِهم». أي: لا تجَسَّسوا عيوبَهم ومَساويَهم... «يتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَه». ذكَره على سبيلِ المُشاكَلةِ، أي: يكشِفْ عُيوبَه، وهذا في الآخِرةِ. وقيل: معناه: يجازيه بسُوءِ صنيعِه. «يَفْضَحْه»، أي: يكشِفْ مساويَه. «في بيتِه». أي: ولو كان في بيتِه مخفيًّا من النَّاسِ) [1335] ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (9/ 2160). .
- وعن معُاويةَ رَضِيَ الله عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّك إنِ اتَّبَعْتَ عَوراتِ النَّاسِ أفسَدْتَهم، أو كِدْتَ أن تُفسِدَهم)). فقال أبو الدَّرداءِ: (كَلِمةٌ سَمِعَها معاويةُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، نفعه اللهُ تعالى بها) [1336] أخرجه أبو داود (4888) واللفظ له، وابن حبان (5760)، والطبراني (19/379) (890). صحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4888)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1133)، وصحَّح إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/250)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4888). .
- وفي روايةٍ أخرى عن معاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعرِضوا عن النَّاسِ، ألم تَرَ أنَّك إن ابتَغَيتَ الرِّيبةَ في النَّاسِ أفسَدْتَهم، أو كِدْتَ تُفسِدَهم؟!)) [1337] رواه الطبراني (19/365) (859)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (18/24). وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1049). ورواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (248) عن معاويةَ يقولُ: سمِعتُ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلامًا نفعني اللهُ به، سمِعْتُه يقولُ -أو قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ-: ((إنَّك إذا اتَّبَعْتَ الرِّيبةَ في الناسِ أفسَدْتَهم)) فإنِّي لا أتَّبعُ الرِّيبةَ فيهم فأُفسِدَهم. صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (186). .
قال المُناويُّ: (أي: وَلُّوا عن النَّاسِ، ولا تتَّبِعوا أحوالَهم، ولا تبحَثوا عن عَوْراتِهم... ألم تعلَمْ أنَّك إن اتَّبَعْتَ التُّهمةَ فيهم لتعلَمَها وتُظهِرَها، أوقعْتَهم في الفسادِ، أو قارَبْتَ أن تُفسِدَهم؛ لوقوعِ بعضِهم في بعضٍ بنحوِ غِيبةٍ، أو لحصولِ تُهمةٍ لا أصلَ لها، أو هَتْكِ عِرضِ ذوي الهيئاتِ المأمورِ بإقالةِ عَثَراتِهم، وقد يترَتَّبُ على التَّفتيشِ من المفاسِدِ ما يربو على تلك المفسَدةِ التي يرادُ إزالتُها، والحاصِلُ: أنَّ الشَّارعَ ناظِرٌ إلى السَّترِ مهما أمكَن، والخِطابُ لوُلاةِ الأمورِ ومَن في معناهم) [1338] ((فيض القدير)) بتصرُّفٍ يسيرٍ (1/713). .
- وعن ابنِ عبَّاسٍ قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن استَمَع إلى حديثِ قومٍ وهم له كارِهون، أو يَفِرُّون منه، صُبَّ في أذُنِه الآنُكُ [1339] الآنُكُ: الرَّصاصُ المذابُ. يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 556). يومَ القيامةِ)) [1340] رواه البخاري (7042) مطوَّلًا. .
- وعن جُبَيرِ بنِ نُفَيرٍ وكَثيرِ بنِ مُرَّةَ، وعَمرِو بنِ الأسوَدِ، والمِقدامِ بنِ مَعدِ يكَرِبَ، وأبي أُمامةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ في النَّاسِ أفسَدَهم)) [1341] رواه أبو داود (4889)، وأحمد (23815). صحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4889)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4889)، ووثَّق رجالَه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/218). .
يقولُ المُناويُّ: (إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ، أي: طلَب الرِّيبةَ، أي: التُّهمةَ في النَّاسِ بنيَّةِ فَضائِحِهم. أفسَدَهم، وما أمهَلَهم، وجاهَرَهم بسُوءِ الظَّنِّ فيها، فيؤدِّيهم ذلك إلى ارتِكابِ ما ظُنَّ بهم ورُموا به، ففَسَدوا، ومقصودُ الحديثِ: حَثُّ الإمامِ على التَّغافُلِ، وعَدَمِ تتَبُّعِ العَوْراتِ؛ فإنَّ بذلك يقومُ النِّظامُ، ويحصُلُ الانتظامُ، والإنسانُ قَلَّما يسلَمُ مِن عَيبِه، فلو عامَلَهم بكُلِّ ما قالوه أو فعلوه اشتَدَّت عليهم الأوجاعُ، واتَّسَع المجالُ، بل يَستُرُ عُيوبَهم، ويتغافَلُ ويصفَحُ، ولا يتَّبِعُ عَوراتِهم، ولا يتجَسَّسُ عليهم) [1342] ((فيض القدير)) (2/ 409). .

انظر أيضا: