موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: الوسائلُ المعينةُ على تجنُّبِ البُغْضِ والكَراهيَةِ


1- الإحسانُ:
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((بعَث رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيلًا قِبَلَ نَجدٍ، فجاءت برجُلٍ مِن بَني حَنيفةَ، يُقالُ له: ثُمامةُ بنُ أُثالٍ، سيِّدُ أهلِ اليَمامةِ، فربَطوه بساريةٍ مِن سَواري المسجدِ، فخرَج إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ماذا عندَك يا ثُمامةُ؟ قال: عِندي يا محمَّدُ خَيرٌ؛ إن تقتُلْ تقتُلْ ذا دَمٍ، وإن تُنعِمْ تُنعِمْ على شاكِرٍ، وإن كنْتَ تُريدُ المالَ فسَلْ تُعطَ منه ما شِئْتَ، فترَكه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى إذا كان الغدُ، ثُمَّ قال له: ما عِندك يا ثُمامةُ؟ فأعاد مِثلَ هذا الكلامِ، فترَكه حتَّى كان بَعدَ الغدِ فذكَر مِثلَ هذا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أطلِقوا ثُمامةَ، فانطلَق إلى نَخلٍ قريبٍ مِن المسجدِ، فاغتسَل فيه، ثُمَّ دخل المسجدَ، فقال: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُه ورسولُه، يا محمَّدُ، واللهِ ما كان على الأرضِ وَجهٌ أبغَضَ إليَّ من وَجهِك، فقد أصبح وجهُك أحبَّ الوُجوهِ إليَّ، واللهِ ما كان من دينٍ أبغَضَ إليَّ من دينِك، فأصبح دينُك أحَبَّ الدِّينِ إليَّ، واللهِ ما كان من بَلَدٍ أبغَضَ إليَّ من بلَدِك، فأصبح بلَدُك أحبَّ البلادِ إليَّ، وإنَّ خيلَك أخذَتْني وأنا أريدُ العُمرةَ، فماذا ترى؟ فبَشَّرَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَرَه أن يعتَمِرَ، فلمَّا قَدِم مكَّةَ قال له قائِلٌ: صَبَوتَ؟! قال: لا، ولكِنْ أسلَمْتُ مع محمَّدٍ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا واللهِ لا يأتيكم من اليمامةِ حَبَّةُ حِنطةٍ حتى يأذَنَ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [1262] رواه مسلم (1764). .
عن ابنِ شِهابٍ، قال: (غزا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غزوةَ الفتحِ، فتحِ مكَّةَ، ثمَّ خرج رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَن معه من المُسلِمين، فاقتَتَلوا بحُنَينٍ، فنَصَر اللَّهُ دينَه والمُسلِمين، وأعطى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَئذٍ صَفوانَ بنَ أميَّةَ مائةً مِن النَّعَمِ، ثمَّ مائةً ثمَّ مائةً)، قال ابنُ شِهابٍ: حدَّثَني سعيدُ بنُ المُسَيِّبِ أنَّ صفوانَ قال: (واللهِ لقد أعطاني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أعطاني، وإنَّه لأبغَضُ النَّاسِ إليَّ، فما بَرِحَ يُعطيني حتَّى إنَّه لأحَبُّ النَّاسِ إليَّ) [1263] أخرجه مسلم (2313). .
2- الإنصافُ: فبالإنصافِ تُنـتَزَعُ صِفاتُ الحِقدِ والكَراهيَةِ؛ لتَحُلَّ محَلَّها صفاتُ الاحترامِ والحبِّ والتَّنافُسِ في الخيراتِ.
3- المعاتبةُ دونَ إكثارٍ: فالمعاتبةُ تنقِّي النُّفوسَ من الشَّرِّ والكَراهيَةِ، وتزيدُ المحبَّةَ والألفةَ، إذا كانت برِفقٍ ولينٍ، دونَ جِدالٍ، مع حُسنِ انتِقاءِ الألفاظِ، وبُعدٍ عن اللَّومِ الشَّديدِ والتَّجريحِ.
4- الصَّبرُ.
5- البُعدُ عن كُلِّ ما من شأنِه أن يُكَدِّرَ الصَّفوَ، ويَشْحَنَ النُّفوسَ بالكَراهيَةِ؛ كالجدالِ، والشَّتمِ، والغِيبةِ والنَّميمةِ، والحَسَدِ، وغيرِها من الأدواءِ والأمراضِ.
6- اتِّخاذُ الوسائِلِ التي توطِّدُ العَلاقاتِ، وتُرَسِّخُ الصِّلاتِ، وتحَبِّبُ المُؤمِنين إلى بعضِهم: كإفشاءِ السَّلامِ، والتَّهادي بَيْنَ النَّاسِ، والتَّعاوُنِ والتَّكافُلِ وغيرِها.
قال ابنُ حِبَّانَ: (الواجِبُ على العاقِلِ أن يَلزَمَ إفشاءَ السَّلامِ على العامِّ... والسَّلامُ ممَّا يذهِبُ إفشاؤُه بالمُكَتَنِّ من الشَّحناءِ، وما في الخَلَدِ من البَغْضاءِ، ويقطَعُ الهِجرانَ ويُصافي الإخوانَ) [1264] ((روضة العقلاء)) (ص: 74). .
وقال ابنُ جُزَيٍّ: (حقوقُ الصَّديقِ سَبعةٌ؛ الأوَّلُ: المُشاركةُ في المالِ حتَّى لا يختَصَّ أحدُهما بشيءٍ دونَ الآخَرِ. الثَّاني: الإعانةُ بالنَّفسِ في قَضاءِ الحاجاتِ وتقديمُ حاجتِه على حاجتِك. الثَّالِثُ: الموافقةُ له على أقوالِه والمساعدةُ له على أغراضِه من غيرِ مخالفةٍ ولا منازعةٍ؛ فإنَّ المخالفةَ تُوجِبُ البَغْضاءَ. الرَّابعُ: العَفوُ عن هَفَواتِ الصَّديقِ والإغضاءُ عن عيوبِه، فمَن طَلَب صديقًا بلا عَيبٍ بَقِيَ بلا صديقٍ. الخامِسُ: النَّصيحةُ له في دينِه ودُنياه. السَّادِسُ: الخُلوصُ في مودَّتِه ظاهِرًا وباطِنًا، حاضِرًا وغائبًا، والانتصارُ له في غَيبتِه. السَّابعُ: الدُّعاءُ له بظَهرِ الغَيبِ) [1265] ((القوانين الفقهية)) (ص: 291). .
7- البُعدُ عن التَّنافُسِ المذمومِ على الدُّنيا الفانيةِ؛ فإنَّه من أكبَرِ أسبابِ البَغْضاءِ والكَراهيَةِ.
8- الإغضاءُ عن المساوئِ، وملاحظةُ المحاسِنِ. قال السَّعديُّ: (وفي قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَفْرَكْ مُؤمِنٌ مُؤمِنةً، إن كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ)) [1266] أخرجه مسلم (1469). فائدتانِ عظيمتانِ:
إحداهما: الإرشادُ إلى معاملةِ الزَّوجةِ والقريبِ والصَّاحبِ والعامِلِ، وكُلِّ مَن بينك وبينه علاقةٌ واتِّصالٌ، وأنَّه ينبغي أن تُوَطِّنَ نفسَك على أنَّه لا بدَّ أن يكونَ فيه عيبٌ أو نقصٌ أو أمرٌ تكرَهُه، فإذا وجَدْتَ ذلك فقارِنْ بَيْنَ هذا وبين ما يجِبُ عليك أو ينبغي لك من قوَّةِ الاتِّصالِ والإبقاءِ على المحبَّةِ؛ بتذَكُّرِ ما فيه من المحاسِنِ والمقاصدِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، وبهذا الإغضاءِ عن المساوِئِ وملاحَظةِ المحاسِنِ، تدومُ الصُّحبةُ والاتِّصالُ، وتَتِمُّ الرَّاحةُ وتَحصُلُ لك.
الفائِدةُ الثَّانيةُ: وهي زوالُ الهَمِّ والقَلَقِ، وبقاءُ الصَّفاءِ، والمداومةُ على القيامِ بالحُقوقِ الواجبةِ والمستحَبَّةِ، وحصولُ الرَّاحةِ بَيْنَ الطَّرفينِ.
ومن لم يَسترشِدْ بهذا الذي ذكَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل عَكَس القضيَّةَ: فلَحَظ المساوئَ، وعَمِيَ عن المحاسِنِ؛ فلا بُدَّ أن يَقلَقَ، ولا بُدَّ أن يتكَدَّرَ ما بينَه وبينَ من يتَّصِلُ به من المحبَّةِ، ويتقَطَّعَ كثيرٌ من الحقوقِ التي على كُلٍّ منهما المحافظةُ عليها) [1267] يُنظر: ((الوسائل المفيدة للحياة السعيدة)) (ص: 28). .

انظر أيضا: