موسوعة الأخلاق والسلوك

أسبابُ خوارِمِ المُروءةِ


1- الخبَلُ في العَقلِ (أي: الفسادُ فيه):
إنَّ الإنسانَ سُمِّي مَرْأً أو امرَأً، أي: عاقِلًا، ووُصِف بالمُروءةِ؛ لأنَّه لا يتَّصِفُ بخلافِها إلَّا الحَمقى، ومن هنا كان الخَبَلُ في العقلِ سَببًا في اقترافِ خوارِمِ المُروءةِ، والذي يجعَلُنا لا نَثِقُ بكلامِه، فنَرُدُّ شهادتَه بسَبَبِه.
ولا تستغرِبْ هذا! بل مِن الحُكَماءِ من جَعل المُروءةَ أعلى درجةً من العَقلِ، فقال: (العَقلُ يأمرُك بالأنفَعِ، والمُروءةُ تأمُرُك بالأرفَعِ)، فمن أخَلَّ بمروءتِه رَضِيَ بالدُّونِ، ولم يُكرِمْ نفسَه ممَّا يَشينُها.
ويلتقي هذا مع اشتراطِ الفُقهاءِ الفِطنةَ وعَدَمَ التَّغفُّلِ في الشُّهودِ، ولو كانوا عُدولًا، وعدُم قَبولِ شهادةِ المجنونِ ابتداءً.
2- نُقصانُ الدِّينِ:
إنَّ الفِسقَ علامةٌ على النَّقصِ في الدِّينِ، فلا يُقدِمُ على الكبائِرِ مَثَلًا إلَّا فاسِقٌ غيرُ مُبالٍ بدِينِه، وكذا خوارِمُ المُروءةِ لا يُقدِمُ عليها حتى تَخرِمَ مروءتَه إلَّا ناقِصُ دينٍ، فكان أحَدَ الأسبابِ التي تخرِمُ المُروءةَ.
3- قِلَّةُ الحياءِ:
إنَّ من أسبابِ فِعلِ الخوارِمِ قِلَّةَ الحياءِ؛ لأنَّ فاعِلَها لا يستقبِحُ القبيحَ، ولا يبالي بكلامِ النَّاسِ، وقِلَّةُ حيائِه تعطيه الجسارةَ في فِعلِ خوارِمِ المُروءةِ [8441] يُنظَر: ((عدالة الشاهد في القضاء الإسلامي)) لشويش هزاع المحاميد (ص: 356، 357). .
أنواعُ خوارِمِ المُروءةِ:
يمكِنُ أن نقسِمَ خوارِمَ المُروءةِ إلى نوعينِ اثنَينِ:
الأوَّلُ: خوارِمُ للمُروءةِ بحسَبِ الشَّرعِ.
الثَّاني: خوارِمُ للمُروءةِ بحسَبِ العُرفِ السَّائدِ.
فالأُولى لا تتغيَّرُ ولا تتبدَّلُ بتبدُّلِ الأحوالِ والأزمانِ؛ لأنَّها تستَمِدُّ ثباتَها من الشَّرعِ الحنيفِ. وعليه فكُلُّ من وُصِف بأنَّه منخَرِمُ المُروءةِ بواحدةٍ من تلك الخوارمِ، فهو مخرومُ المُروءةِ في كُلِّ حينٍ، كأخذِ الأجرِ على التَّحديثِ عِندَ من يرى حُرمةَ ذلك، فمَن خُرِمَت مروءتُه لهذا فإنَّه لا يَزالُ على ذلك أبدًا، وكذلك مَن خُرِمَت مروءتُه بسَبَبِ السَّفَهِ، وبذاءةِ اللِّسانِ؛ لأنَّ المُسلِمَ لا يكونُ بذيئًا ولا سفيهًا...
وأمَّا الخوارمُ التي ترجِعُ إلى مخالفةِ عُرفٍ سائدٍ، فإنَّ المحقِّقين من العُلَماءِ لا ينظُرون إليها سواءً بسواءٍ مع تلك الخوارمِ التي ترجِعُ إلى مخالفةِ أصلٍ شَرعيٍّ؛ لجوازِ أن يتغَيَّرَ العُرفُ السَّائدُ، فما يُعَدُّ من الخوارِمِ في زمَنٍ لا يكونُ كذلك في زمَنٍ آخَرَ، وما يُعَدُّ من الخوارِمِ في بلدٍ لا يكونُ كذلك في بلَدٍ آخَرَ... (لاختلافِ العُرفِ في هذين البلدَينِ، مِثلُ: كَشفِ الرَّأسِ؛ فقد يكونُ مُستقبَحًا في بلَدٍ للعُرفِ السَّائِدِ فيه، فيكونُ قادحًا في المُروءةِ والعدالةِ، وقد لا يكونُ مُستقبَحًا في بلَدٍ آخَرَ؛ فلا يكونُ قادحًا في العدالةِ)؛ ولهذا فإنَّ المُروءةَ في مِثلِ هذا هي مراعاةُ العُرفِ السَّائِدِ [8442] يُنظَر: ((جرح الرواة وتعديلهم)) لمحمود عيدان الدليمي (ص: 108). .
وقال ابنُ عُثَيمين فيما يخُصُّ خوارمَ المُروءةِ عُرفًا: (المُروءةُ ألَّا يفعَلَ أو يقولَ ما يخرِمُ المُروءةَ، ويُنزِلُ قيمتَه عِندَ النَّاسِ، وإن كان الفِعلُ في نفسِه ليس محرَّمًا، وقد ذكَرَ الفقهاءُ رحمهم اللهُ من الأمثلةِ: الرَّجُلَ المُتمَسخِرَ، يعني الذي يفعَلُ التَّمثيليَّاتِ سُخريةً وهُزءًا، فإنَّ هذا خارِمٌ للمُروءةِ، وذكَروا أيضًا الذي يأكُلُ في السُّوقِ فليس عنده مُروءةٌ، ومعلومٌ أنَّ هذا المثالَ في الوقتِ الحاضِرِ لا ينطَبِقُ على ذلك؛ لأنَّ النَّاسَ الآن اعتادوا أن يأكُلوا في السُّوقِ، ولا أعني الولائِمَ، لكِنْ لو وُجِد مطعَمٌ في السُّوقِ فإنَّ الإنسانَ يأكُلُ فيه، وكنا نستنكِرُ أن يشرَبَ الشَّايَ في دُكَّانِه، ونرى هذا خارِمًا للمُروءةِ، والآن ليس بخارمٍ للمُروءةِ، فالنَّاسُ يَشربون الشَّايَ والقهوةَ في الدَّكاكينِ... على كُلِّ حالٍ، الضَّابطُ في المُروءةِ: أن لا يفعَلَ ما ينتَقِدُه النَّاسُ فيه، لا مِن قولٍ ولا مِن فِعلٍ) [8443] ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) (11/108). .

انظر أيضا: