موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: الأسبابُ المُعينةُ على اكتِسابِ صفةِ السَّترِ


1- أن تعلَمَ فَضلَ السَّترِ، وأنَّ مَن ستَر أخاه المُسلِمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخِرةِ،  وأنَّ مَن أظهَر عُيوبَ النَّاسِ ظهرَت عُيوبُه؛ قال زاذانُ المداينيُّ: (رأَيتُ أقوامًا مِن النَّاسِ لهم عُيوبٌ، فسكَتوا عن عُيوبِ النَّاسِ؛ فستَر اللهُ عُيوبَهم، وزالت عنهم تلك العُيوبُ، ورأَيتُ أقوامًا لم تكنْ لهم عُيوبٌ، اشتَغلوا بعُيوبِ النَّاسِ؛ فصارت لهم عُيوبٌ) [4608] ((عيوب النفس)) لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 12، 13). ، وقال ابنُ عُثَيمينَ: (اعلَمْ أنَّك إذا نشرْتَ عُيوبَ أخيك، فإنَّ اللهَ سيُسلِّطُ عليك مَن ينشُرُ عُيوبَك؛ جزاءً وِفاقًا) [4609] ((تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد)) (ص: 52). .
2- أن تستشعِرَ معنى أخوَّةِ الإيمانِ؛ فقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] ، وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَثَلُ المُؤمِنينَ في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثلُ الجَسدِ؛ إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائِرُ الجَسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى)) [4610] رواه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له، من حديثِ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
3- أن تُحِبَّ لأخيك ما تُحِبُّ لنَفسِك، وأن تكرَهَ له ما تكرَهُ لنَفسِك، وأن تتفكَّر لو أنَّك كنْتَ مكانَه، فهل تُحِبُّ أن تُفضَحَ أو تُستَرَ؟ فعن أنسِ بنِ مالِكٍ رضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يُؤمِنُ أحدُكم حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفسِه)) [4611] رواه البخاري (13) واللفظ له، ومسلم (45). ، وعن عِكرِمةَ: أنَّ ابنَ عبَّاسٍ وعمَّارًا والزُّبَيرَ -رضِي اللهُ عنهم جميعًا- أخَذوا سارِقًا، فخَلَّوا سبيلَه، فقلْتُ لابنِ عبَّاسٍ: (بئسَما صنعْتُم حينَ خلَّيتُم سبيلَه! قال: لا أمَّ لك [4612] لا أمَّ لك: هي كَلِمةٌ تقولها العَرَبُ عند الإنكارِ، وقد لا يُقصَدُ بها الذَّمُّ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 81). ! أمَا لو كنْتَ أنت لسرَّك أن يُخلَّى سبيلُك) [4613] رواه ابن أبي شيبة (28666). صحَّح إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/90)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (6/430). . وقال الرَّافِعيُّ: (إذا أردْتَ أن تتكلَّمَ عن ميِّتٍ فضعْ نَفسَك في مَوضِعِه، ثُمَّ تكلَّمْ) [4614] ((كلمة وكليمة)) (ص: 62). .
4- أن ينشغِلَ العبدُ بإصلاحِ نَفسِه: قال الحَسنُ البَصريُّ: (يا بنَ آدَمَ، إنَّك لا تُصيبُ حقيقةَ الإيمانِ حتَّى لا تَعيبَ النَّاسَ بعَيبٍ هو فيك، وحتَّى تبدَأَ بذلك العَيبِ مِن نَفسِك فتُصلِحَه، فإذا فعلْتَ ذلك لم تُصلِحْ عيبًا إلَّا وجدْتَ عَيبًا آخَرَ لم تُصلِحْه، فإذا فعلْتَ ذلك كان شُغُلُك في خاصَّةِ نَفسِك، وأحَبُّ العِبادِ إلى اللهِ تعالى مَن كان كذلك) [4615] ((شعب الإيمان)) للبيهقي (9/ 113)، ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (2/ 138). ، وقيل للرَّبيعِ بنِ خُثَيمٍ: ما نراك تَعيبُ أحدًا ولا تذُمُّه! فقال: ما أنا عن نفسي براضٍ؛ فأتفرَّغَ مِن ذمِّها إلى ذمِّ النَّاسِ [4616] يُنظر: ((الزهد)) لأحمد بن حنبل (1969)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (2/ 110). !
وقال الرِّياشيُّ:
لَعَمرُك إنَّ في ذنبي لشُغلًا
لنَفسي عن ذُنوبِ بَني أميَّهْ
على ربِّي حِسابُهم إليه
تناهى عِلمُ ذلك لا إلَيَّهْ
وليس بضائِري ما قد أتَوه
إذا ما اللهُ أصلَح ما لَدَيَّهْ [4617] ((الأذكار)) للنووي (ص: 336).

انظر أيضا: