موسوعة الأديان

الفصل الثالث عشر: الانتشار ومواقع النفوذ:


- تنتشر النصرانية اليوم في معظم بقاع العالم، وقد أعانها على ذلك الاستعمار والتنصير الذي تدعمه مؤسسات ضخمة عالمية ذات إمكانات هائلة.
يتضح مما سبق:
- لم تكن عقيدة التثليث معروفة في عصر الحواريين (العصر الرسولي) تقول دائرة المعارف الفرنسية: (وإن تلاميذ المسيح الأوّلين الذين عرفوا شخصه وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد الأركان الثلاثة المكوِّنة لذات الخالق، وما كان بطرس حواريه يعتبره أكثر من رجل يوحى إليه من عند الله). وتستشهد على ذلك بأقوال قدماء المؤرخين مثل جوستن ماراستر من القرن الثاني الميلادي، حيث يصرِّح بأنه كان في زمنه في الكنيسة مؤمنون يعتقدون أن عيسى هو المسيح، ويعتبرونه إنساناً بحتاً، وأنه كان أرقى من غيره من الناس، وحدث بعد ذلك أنه كلما تنصَّر عدد من الوثنيين ظهرت عقائد جديدة لم تكن من قبل.
- لضياع النصوص الأصلية من الأناجيل نتيجة للاضطهاد من جانب، وللاحتكاك والتأثر بالفلسفات والحضارات الشرقية والوثنية من جانب آخر، حملت الديانة النصرانية المحرفة عوامل اختلافها وتناقض نصوصها، الذي ظهر بشكل واضح من خلال المجامع المختلفة التي عقدت لوضع أصول الدين وتشريعاته بشكل لم يَرِد عن المسيح عليه السلام ولا عن حوارييه.
- سيطرت عقائد وأفكار بولس على النصرانية؛ يقول دبليو ريد: (إن بولس قد غيَّر النصرانية لدرجة أنه أمسى مؤسسها الثاني، إنه في الواقع مؤسس المسيحية الكنسية). ويؤيده لوني دنيله، وستون استيورت، جيمبرلين في أن بولس أضفى على المسيحية بتمزيقها إطاراً غير اليهودية، ولذلك بات خالق الكنائس التي أسست باسم اليسوع. ويقول لوني نيك: (لو لم يكن بولس لعادت المسيحية فرقة من الديانة اليهودية، ولما كانت ديانة كونية).
- كل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هي قبل الافتراق، حيث كان لتلاميذ بولس من أمثال لوقا ويوحنا دورٌ كبير في إخفاء تاريخهما بعد الخلاف بينهما، وهذا ما أيدته دائرة المعارف البريطانية من أن قوة نفوذ وأتباع بولس أخفت تاريخ كل من يعارض بولس مثل برنابا وبطرس.
- هناك رسالتان تُنسبان لبطرس يوافق فيهما أفكار بولس، أثبتت دائرة المعارف البريطانية أنهما ليستا له، وأنهما مزوَّرتان عليه حيث تتعلَّق بتاريخ ما بعد موته، ولم تقبلهما كنيسة روما إلا في سنة(264) م، بينما اعترفت بهما الإسكندرية في القرن الثالث، وكذلك بالنسبة للرسالة المنسوبة ليعقوب، يؤكد العلماء عدم صحة نسبتها إليه أيضاً حيث أوصى يعقوب بولس بأداء الكفارة لخلافه شريعة التوراة، وألزمه بالعمل بها.
- لم تُعرف الأناجيل الأربعة المتفق عليها عند النصارى اليوم المعرفة الكاملة قبل مجمع نيقية (335) م, حيث تمَّ اختيارها من بين عشرات الأناجيل، وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها، وإنما تمَّ الاعتراف بها فيما بعد.
- إن تلاميذ المسيح عليه السلام ليسوا بكتَّاب هذه الأناجيل فهي مقطوعة الإسناد، والنصوص الأصلية المترجَم عنها مفقودة، بل ونصوص الإنجيل الواحد متناقضة مع بعضها فضلاً عن تناقضها مع غيرها من نصوص الأناجيل الأخرى، مما يبطل دعوى أنها كُتبت بإلهام من الله تعالى.
- بعد الدراسة المتأنية لنصوص الإنجيل نجد فضلاً عن التناقضات، لا بين نصوص الإنجيل الواحد أو الأناجيل المختلفة فقط، وإنما بين نصوص الأناجيل ورسائل الرسل المزعومة، وأيضاً بينها وبين نصوص العهد القديم ما يدلِّل ويؤكد التحريف، سواء كان بقصد أو بغير قصد.
- هناك مئات النصوص في الأناجيل الأربعة تدل على أن عيسى إنسان وليس إلهاً، وأنه ابن الإنسان، وليس ابن الله، وأنه جاء رسولاً إلى بني إسرائيل فقط، مكملاً لشريعة موسى وليس ناقضاً لها.
- وهناك نصوص أخرى تدل على أن عيسى لم يُصلب، وإنما أنجاه الله ورفعه إلى السماء، وتدحض كذلك عقيدة الغفران، وتبين أن الغفران يُنال بالتوبة وصلاح الأعمال. وهناك نصوص إنجيلية تؤكد بشارة عيسى بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
- بل إن هناك نصوصاً عديدة في الرسائل تثبت زيف زعم بولس بأنه يوحى إليه، وتبين كذلك تناقضه مع نفسه ومع عيسى عليه السلام.
- رأينا كيف تدخَّلت السياسة والحكام في تقرير عقائد الكنيسة وتبديلها من خلال المجامع المختلفة، وأن الأصل في الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية نشأ لا عن موقف عقدي بقدر ما هو محاولة إثبات الوجود والسيطرة.
- لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن في آيات عديدة إفكَ النصارى وقولهم في مريم، واعتقادهم في المسيح على اختلاف مذاهبهم، مبيِّناً انحرافهم، ومصحِّحاً عقائدهم، وداعياً إياهم إلى عدم الغلو في الدين، وأن لا يقولوا على الله إلا الحق.
- وعموماً فإن النصارى يُعتبرون بالنسبة للمسلمين أهل كتاب مثل اليهود، وحكمهم في الإسلام سواء، فقد كذَّبوا برسول الله وآياته، وأشركوا بالله، فهم بذلك كفار لهم نار جهنم خالدين فيها. يقول تعالى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية [البينة: 6] لكنهم مع ذلك يُعاملون بما أمر الله تعالى به من الإحسان والبر والقسط إليهم، وأكل طعامهم والتزوج من نسائهم، طالما أنهم لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، فهم أهل ذمة إذا عاشوا في ديار المسلمين، ما لم ينقضوا عهدهم، فإن نكثوا عهدهم وتجرؤوا على الإسلام والمسلمين؛ بأن حاولوا الدعوة إلى باطلهم وكفرهم بين أبناء المسلمين، أو طعنوا في الدين مثلاً، فلابد من قتالهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.
الموسوعة الميسرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي


انظر أيضا: