الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الرَّابِعُ: الشُّفْعةُ للغائِبِ


تَثبُتُ الشُّفْعةُ للغائِبِ، وذلك في الجُمْلةِ [83] كأنْ يَغيبَ الشَّريكُ عن البَلَدِ الَّذي فيه الجُزءُ المُشْتَرَكُ بَيْنَهما، فيَقومَ شَريكُه الآخَرُ بالبَيْعِ في أثْناءِ غِيابِه، فهلْ له الشُّفْعةُ؟ ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأرْبَعةِ: الحَنَفِيَّةِ [84] ((المبسوط)) للسرخسي (14/84). ويُنظَرُ: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/18). ، والمالِكِيَّةِ [85] عِنْدَ المالِكيَّةِ تَثبُتُ له الشُّفْعةُ مُطلَقًا. ((التاج والإكليل)) للمواق (5/322)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/485). ، والشَّافِعِيَّةِ [86] نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ على أنَّه يَبعَثُ وَكيلًا إن أَمكَنَ، وإلَّا فيَجِبُ عليه أن يُشهِدَ على طَلَبِ الشُّفْعةِ. ((فتح العزيز)) للرافعي (11/435، 436)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/80،108). ، والحَنابِلةِ [87] عِنْدَ الحَنابِلةِ يَجِبُ أن يُشهِدَ على طَلَبِ الشُّفْعةِ إذا تَمكَّنَ مِن الإشْهادِ. ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/142، 143)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/111، 112). ، وحُكِيَ الإجْماعُ على ذلك [88] قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: (أمَّا شُفْعةُ الغائِبِ فإنَّ أهْلَ العِلمِ مُجْمِعونَ على أنَّه إذا لم يَعلَمْ ببَيْعِ الحِصَّةِ الَّتي هو فيها شَريكٌ مِن الدُّورِ والأرَضينَ، ثُمَّ قَدِمَ فعَلِمَ؛ فله الشُّفْعةُ معَ طولِ مُدَّةِ غَيبتِه). ((الاستذكار)) (7/73). وقالَ ابنُ رُشْدٍ الحَفيدُ: (فأمَّا الغائِبُ فأَجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ الغائِبَ على شُفْعتِه ما لم يَعلَمْ ببَيْعِ شَريكِه. واخْتَلَفوا إذا عَلِمَ وهو غائِبٌ؛ فقالَ قَوْمٌ: تَسقُطُ شُفْعتُه. وقالَ قَوْمٌ: لا تَسقُطُ. وهو مَذهَبُ مالِكٍ). ((بداية المجتهد)) (4/45). وقالَ ابنُ جُزَيٍّ: (فإن كان غائِبًا ولم يَعلَمْ لم تَسقُطْ شُفْعتُه اتِّفاقًا، وإن عَلِمَ وهو غائِبٌ لم تَسقُطْ خِلافًا لقَوْمٍ). ((القوانين الفقهية)) (ص: 189). وقالَ البابَرْتيُّ: (الشَّفيعُ إذا كانَ غائِبًا لم تَبطُلْ شُفْعتُه بتَأخيرِ هذا الطَّلَبِ بالاتِّفاقِ). ((العناية)) (9/385). وقالَ ابنُ المُنذِرِ: (اخْتَلَفوا في الشُّفْعةِ للغائِبِ؛ فرُوِّينا عن شُرَيْحٍ والحَسَنِ وعَطاءٍ أنَّهم رأَوا للغائِبِ الشُّفْعةَ، وبه قالَ مالِكٌ، واللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، والثَّوْريُّ، وعُبَيْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ، والأوْزاعيُّ، والشَّافِعيُّ، وأصْحابُ الرَّأيِ، وأحْمَدُ، وإسْحاقُ. وقد رُوِّينا عن النَّخَعيِّ أنَّه قالَ: ليس للغائِبِ شُفْعةٌ، وبه قالَ الحارِثُ العُكْلِيُّ، قالَ: إلَّا الغائِبَ القَريبَ. وقالَ البَتِّيُّ: إن كانَت غَيبتُه قَريبةً فله الشُّفْعةُ، وإن كانَتْ غَيبتُه مُنْقِطعةً فلا شُفْعةَ). ((الإشراف)) (6/157). .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: ((قَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالشُّفْعةِ في كُلِّ ما لم يُقسَمْ، فإذا وَقَعَتِ الحُدودُ وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فلا شُفْعةَ)) [89] أخرجه البخاريُّ (2257) واللَّفْظ له، ومُسلِم (1608) مطولًا. .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَرَعَ الشُّفْعةَ فيما لم يُقسَمْ، وهو عامٌّ يَدخُلُ فيه الغائِبُ [90] ((الإشراف)) لابن المُنذِرِ (6/157)، ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدِّين ابن قُدامةَ (5/477). .
ثانِيًا: لأنَّ الشُّفْعةَ حَقٌّ مالِيٌّ وُجِدَ سَبَبُه بالنِّسْبةِ إلى الغائِبِ، فيَثبُتُ له كالإرْثِ [91] ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدِّين ابن قُدامةَ (5/477). .
ثالِثًا: لأنَّه شَريكٌ لم يَعلَمْ بالبَيْعِ، فتَثبُتُ له الشُّفْعةُ عنْدَ عِلمِه، كالحاضِرِ إذا كُتِمَ عنه البَيْعُ [92] ((الشرح الكبير على متن المقنع)) لشمس الدِّين ابن قُدامةَ (5/477). .

انظر أيضا: