الموسوعة الفقهية

الفَرْعُ الثَّالِثُ: مِن أحْكامِ شَرِكةِ المُفاوَضةِ


المَسْألةُ الأُولى: التَّساوي في رأسِ المالِ
لا يُشتَرَطُ التَّساوي في رأسِ المالِ في شَرِكةِ المُفاوَضةِ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ [91] ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/82)، ((منح الجليل)) لعليش (6/260،269)، ويُنظر: ((المدونة)) لسحنون (3/616). ، والحَنابِلةِ [92] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/343)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/553). ، وذلك لأنَّ الرِّبْحَ والخُسْرانَ يكونانِ على قَدْرِ الضَّمانِ، والضَّمانُ يكونُ بقَدْرِ رأسِ المالِ، فلا يَضُرُّ التَّفاوُتُ فيه [93] يُنظر: ((منح الجليل)) لعليش (6/269). .
المَسْألةُ الثَّانيةُ: الخَسارةُ والرِّبْحُ في شَرِكةِ المُفاوَضةِ
1- الخَسارةُ في شَرِكةِ المُفاوَضةِ 
تكونُ الخَسارةُ في شَرِكةِ المُفاوَضةِ على كُلِّ واحِدٍ مِنهما بقَدْرِ مالِه.
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الإجْماعِ
نَقَلَ الإجْماعَ على ذلك: ابنُ حَزْمٍ [94] قالَ ابنُ حَزْمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ لهما أو لهم التِّجارةَ فيما أَخْرَجوه مِن ذلك، وأنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهم على السَّواءِ، والخَسارةَ بَيْنَهم على السَّواءِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 91). ، وابنُ قُدامةَ [95] قالَ ابنُ قُدامةَ: («والوَضيعةُ على قَدْرِ المالِ» يَعْني: الخُسْرانُ في الشَّرِكةِ على كلِّ واحِدٍ مِنهما بقَدْرِ مالِه؛ فإن كانَ مالُهما مُتَساوِيًا في القَدْرِ فالخُسْرانُ بَيْنَهما نِصْفَينِ، وإن كانَ أثْلاثًا فالوَضيعةُ أثْلاثًا. لا نَعلَمُ في هذا خِلافًا بَيْنَ أهْلِ العِلمِ). ((المغني)) (5/27). .
ثانِيًا: لأنَّ الخَسارةَ عِبارةٌ عن نُقْصانٍ في قَدْرِ رأسِ المالِ، فيَنقُصُ مِن كلِّ شَريكٍ على قَدْرِ مالِه [96] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/62)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/499، 500). .
2- تَقْسيمُ الرِّبْحِ في شَرِكةِ المُفاوَضةِ
يُقسَمُ الرِّبْحُ في شَرِكةِ المُفاوَضةِ على ما اتَّفَقَ عليه الشُّرَكاءُ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [97] هذا في الصُّورةِ الَّتي أجازوها في المُفاوَضةِ، وهي عنْدَهم تَأخُذُ حُكْمَ شَرِكةِ العِنانِ والمُضارَبةِ وشَرِكةِ الوُجوهِ. ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/498، 499،500،531). ، وقَرَّرَه ابنُ عُثَيْمينَ [98] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (قَوْلُه: «والرِّبْحُ على ما شَرَطاه»، أي: إذا قالَ أحَدُهما للآخَرِ: لك الرُّبُعُ، ولي ثَلاثةُ أرْباعٍ، وقَبِلَ، فإنَّه جائِزٌ، وثُلُثانِ وثُلُثٌ جائِزٌ، والنِّصْفُ جائِزٌ. إذا قالَ قائِلٌ: كيف تَجعَلونَ الرِّبْحَ على ما شَرَطاه، والمالُ قد يَخْتلِفُ؟ قُلْنا: لأنَّ الرِّبْحَ مَبْنيٌّ على العَمَلِ والحِذْقِ، وقد يكونُ أحَدُهما أَحذَقَ مِن الآخَرِ وأَقْوى عَمَلًا، بلْ رُبَّما يكونُ عنْدَ النَّاسِ أيضًا أَوثَقَ؛ ولِذلك تَجِدُ مَثَلًا مَن يَعرِضُ عليك سِلْعةً، يقولُ: قيمتُها بعَشَرةٍ، فإنَّك تَتَرَدَّدُ هل قيمتُها عَشَرةٌ أو لا؟ ولو أتاك آخَرُ دَلَّالٌ تَعرِفُ أنَّه حاذِقٌ وعارِفٌ بالأسْعارِ، فقالَ لك: قيمتُها اثْنا عَشَرَ، فإنَّك لا تَتَرَدَّدُ؛ لأنَّك تَعرِفُ أنَّ هذا حاذِقٌ ويَعرِفُ الأسْعارَ، وذاك ليس حاذِقًا ولا يَعرِفُ الأسْعارَ، فتَخْشى أنَّه قالَ بعَشَرةٍ وهي لا تُساوي إلَّا ثَمانيةً. قَوْلُه: «والوَضيعةُ بقَدْرِ المالِ»، وهذه قاعِدةٌ، الوَضيعةُ بقَدْرِ المالِ في جَميعِ أنْواعِ الشَّرِكةِ). ((الشرح الممتع)) (9/439). ، وذلك لأنَّ الرِّبْحَ يُسْتحَقُّ بالمالِ ويُسْتحَقُّ بالعَمَلِ، وقدْ يكونُ أحَدُهما أَحذَقَ وأَهْدى وأَكثَرَ عَمَلًا وأَقْوى، فلا يَرْضى بالمُساواةِ معَ زِيادةِ عَمَلِه، فاقْتَضَتِ الحاجةُ إلى التَّفاضُلِ [99] ((الهداية)) للمرغيناني (3/9). .
المَسْألةُ الثَّالِثةُ: اشْتِراطُ العَمَلِ على أحَدِ شَريكَيِ المُفاوَضةِ
يَصِحُّ اشْتِراطُ العَمَلِ على أحَدِ شرَيكَيِ المُفاوَضةِ دونَ الآخَرِ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [100] وذلك في صورةِ المُفاوَضةِ الَّتي قالوا بصِحَّتِها؛ لأنَّها لا تَخرُجُ عن كَوْنِها عِنانًا أو مُضارَبةً أو وُجوهًا. ((الإنصاف)) للمرداوي (5/302،343). ، وذلك لأنَّ الرِّبْحَ ممَّا يُسْتحَقُّ بالعَمَلِ؛ لأنَّ أحَدَهما قد يكونُ أَبصَرَ بالتِّجارةِ مِن الآخَرِ، فجازَ له أن يَشتَرِطَ على أحَدِهما العَمَلَ في مُقابِلِ الزِّيادةِ في رِبْحِه [101] يُنظر: ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/23). .

انظر أيضا: