الموسوعة الفقهية

الفَرْعُ الأوَّلُ: إقْراضُ المالِ المِثْلِيِّ


يَجوزُ إقْراضُ كلِّ ما له مِثْلٌ [200] المِثْلِيُّ: هو كلُّ ما يوجَدُ له مِثلٌ في السُّوقِ بلا تَفاوُتٍ يُعتَدُّ به؛ كالمَكيلِ والمَوْزونِ، والمَعْدودِ والنُّقودِ. والقِيميُّ: هو ما لا يوجَدُ له مِثلٌ في السُّوقِ، أو يوجَدُ لكن معَ التَّفاوُتِ المُعتَدِّ به في القيمةِ؛ كالأشْياءِ الَّتي يوجَدُ تَفاوُتٌ بَيْنَ أفْرادِها بحيثُ تَتَفاوَتُ في الأثْمانِ تَفاوُتًا بَعيدًا. يُنظر: ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (6/185)، ((درر الحكام شرح مجلة الأحكام)) لعلي حيدر (1/121). وبعضُ العُلَماءِ يَرى أنَّ المِثْلِيَّ هو ما كانَ له مَثيلٌ مُقارِبٌ، قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (فالمِثْلِيُّ: ما كانَ له مَثيلٌ مُقارِبٌ، وليس بلازِمٍ أن يكونَ مُطابِقًا؛ ولِهذا نَعلَمُ لو أنَّ إنْسانًا أَقرَضَ بَعيرًا ثُمَّ أرادَ المُسْتقْرِضُ أن يَرُدَّ بَعيرًا مِثلَه في السِّنِّ واللَّوْنِ والسِّمَنِ والكِبَرِ، فهو أَقرَبُ إلى المُماثَلةِ مِن القيمةِ؛ لأنَّ القيمةَ مُخالِفةٌ له في النَّوْعِ ومُقارِبةٌ له في التَّقْديرِ، لكنَّ المُماثِلَ مِن الحَيَوانِ أَقرَبُ بلا شَكٍّ؛ ولِهذا كانَ القَوْلُ الصَّحيحُ أنَّ المِثْلِيَّ: ما كانَ له مِثلٌ أو مُقارِبٌ، وعلى هذا فالحَيَوانُ مِثْلِيٌّ، ولِهذا اسْتَسْلَفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَكْرًا ورَدَّ خِيارًا رَباعِيًا، فجَعَلَه مِثْلِيًّا، ولمَّا جاءَ غُلامٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو عنْدَ إحدى نِسائِه بطَعامٍ ضَرَبَتِ المَرْأةُ الَّتي كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِها يَدَ الغُلامِ حتَّى سَقَطَ الطَّعامُ وانْكَسَرَتِ الصَّحْفةُ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إناءٌ بإناءٍ، وطَعامٌ بطَعامٍ»، وأخَذَ طَعامَ الَّتي كانَ عنْدَها وصَحْفتَها ورَدَّهما معَ الغُلامِ، فهنا ضَمِنَ الإناءَ بالمِثلِ معَ أنَّ فيه صِناعةً، فجَعَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثْلِيًّا، ولا شَكَّ أنَّ هذا القَوْلَ هو الأَقرَبُ). ((الشرح الممتع)) (9/106). وقالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: (اعْلَمْ أنَّ المُماثِلَ مِن كلِّ وَجْهٍ مُتَعَذِّرٌ حتَّى في المَكيلاتِ فَضْلًا عن غَيْرِها؛ فإنَّه إذا أَتلَفَ صاعًا مِن بُرٍّ فضَمِنَ بصاعٍ مِن بُرٍّ، لم يَعلَمْ أنَّ أحَدَ الصَّاعَينِ فيه مِن الحَبِّ ما هو مِثلُ الآخَرِ، بل قد يَزيدُ أحَدُهما على الآخَرِ؛ ولِهذا قالَ تَعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا؛ فإنَّ تَحْديدَ الكَيْلِ والوَزْنِ ممَّا قد يَعجِزُ عنه البَشَرُ؛ ولِهذا يقالُ: هذا أَمثَلُ مِن هذا إذا كانَ أَقرَبَ إلى المُماثَلةِ مِنه؛ إذا لم تَحصُلِ المُماثَلةُ مِن كلِّ وَجْهٍ). ((مجموع الفتاوى)) (20/565). كالمَكيلِ والمَوْزونِ [201] ومِن ذلك الذَّهَبُ والفِضَّةُ. .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الإجْماعِ
نَقَلَ الإجْماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [202] قالَ ابنُ المُنذِرِ: (أَجمَعَ كلُّ مَن نَحفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلمِ على أنَّ اسْتِقراضَ الدَّنانيرِ والدَّراهِمِ، والحِنْطةِ، والشَّعيرِ، والزَّبيبِ، والتَّمْرِ، وما كانَ له مِثلٌ مِن سائِرِ الأطْعمةِ المَكيلِ مِنها والمَوْزونِ- جائِزٌ). ((الإشراف)) (6/142). ، وابنُ قُدامةَ [203] قالَ ابنُ قُدامةَ: (يَجوزُ قَرْضُ المَكيلِ والمَوْزونِ بغَيْرِ خِلافٍ). ((المغني)) (4/237). ، والقُرْطُبِيُّ [204] قالَ القُرْطُبِيُّ: (أَجمَعَ أهْلُ العِلمِ على أنَّ اسْتِقراضَ الدَّنانيرِ والدَّراهِمِ والحِنْطةِ والشَّعيرِ والتَّمْرِ والزَّبيبِ وكلِّ ما له مِثلٌ مِن سائِرِ الأطْعِمةِ- جائِزٌ). ((تفسير القرطبي)) (3/241). ، وابنُ تَيْمِيَّةَ [205] قالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ -في نَقْدِ مَراتِبِ الإجْماعِ في تَعْليقِه على نَقْلِ ابنِ حَزْمٍ في اتِّفاقِ العُلَماءِ على جَوازِ الاسْتِقْراضِ-: (الاتِّفاقُ إنَّما هو في قَرْضِ المِثْلِيَّاتِ: المَكيلِ والمَوْزونِ، وأمَّا ما سِوى ذلك فأبو حَنيفةَ لا يُجَوِّزُ قَرْضَه). ((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 296). .
ثانِيًا: لأنَّ الَّذي له مِثلٌ يُضمَنُ في الغَصْبِ والإتْلافِ بمِثلِه، فكذلك في القَرْضِ [206] ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/239). .

انظر أيضا: