الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: تَعريفُ بَيعِ المُزابَنةِ لُغةً واصْطلاحًا


المُزابَنةُ لُغةً: المُدافَعةُ، منَ الزَّبْنِ، وهو الدَّفْعُ يُنظَر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (13/155)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/46). وقال العَيْنيُّ: (وسُمِّيَ هذا النَّوعُ منَ البَيعِ بها؛ لأنَّها تُؤدِّي إلى النِّزاعِ والتَّدافُعِ؛ لأنَّها مَبنيَّةٌ على التَّخْمينِ، والغَبنُ فيها ممَّا يَكثُرُ، فيُريدُ المَغبونُ دفعَه، والغابنُ إمْضاءَه؛ فيَتَدافَعانِ) ((البناية)) (8/152).
بَيعُ المُزابَنةِ شَرعًا: بَيعُ الرُّطَبِ على النَّخيلِ بتَمرٍ مَجْذوذٍ مِثلِ كَيلِه خَرْصًا يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نُجيم (6/82). خَرْصًا: بمعنى بالتَّقديرِ والتَّخمينِ. وعرَّفَ ابنُ عبدِ البرِّ المُزابَنةَ بما يُبيِّنُ أنَّها تَشمَلُ التَّمرَ وغيرَه؛ فقال: (المُزابَنةُ مَعْناها: بَيعُ كلِّ معلومٍ بمَجهولٍ من جِنسِه منَ المأْكولِ والمشروبِ كلِّه، وكذلك كلُّ رَطبٍ بيابسٍ، وتَفسيرُ ذلك: أنَّه لا يَجوزُ بَيعُ الرُّطبِ بالتَّمرِ على حالٍ مُتماثِلًا ولا مُتفاضِلًا، ولا بَيعُ البُرِّ بالتَّمرِ ولا بالرُّطبِ على حالٍ، ولا بَيعُ الزَّرعِ بالحِنطةِ على حالٍ، ولا يَجوزُ بَيعُ الزَّبيبِ بالعنبِ على حالٍ، ولا يجوزُ بيعُ اليابسِ منَ التِّينِ بالرَّطبِ منه على حالٍ، ولا بَيعُ الفَريكِ بالبُرِّ على حالٍ، ولا الحِنطةِ المَبْلولةِ باليابسةِ، ولا المَبْلولةِ بعضُها ببعضٍ إلَّا أنْ يكونَ البَللُ واحدًا في حِنطةٍ واحدةٍ، ولا يَجوزُ بَيعُ الدَّقيقِ بالعَجينِ بحالٍ منَ الأحْوالِ، وكذلك كلُّ ما كان مثلَ ذلك كلِّه) ((الكافي)) (2/652). وقال: (وقدْ فسَّرَ مالكٌ المُزابَنةَ في ((الموطَّأ)) تَفْسيرًا منه ما اجتمَعَ العلماءُ عليه، ومنه ما خالَفَه فيه؛ وذلك أنَّه قال: وتَفسيرُ المُزابَنةِ أنَّ كلَّ شَيءٍ منَ الجِزافِ الذي لا يُعلَمُ كَيلُه، ولا وزنُه، ولا عدَدُه، ابْتيعَ بشَيءٍ مُسمًّى منَ الكَيلِ، أو الوزنِ، أو العدَدِ، قال أبو عُمرَ: هذا مِن قولِه -عندَ جمهورِ العلماءِ- صحيحٌ إذا كان ممَّا يُؤكَلُ أو يُشرَبُ، ممَّا يُكالُ أو يُوزَنُ، أو كان ذهبًا أو فِضَّةً، وأمَّا غيرُ ذلك فمُختلَفٌ فيه على ما نذكُرُ منه كلَّ شَيءٍ في بابِه ومَوضِعه -إنْ شاء اللهُ عزَّ وجلَّ- إلَّا إنَّ أصلَ مَذهَبِ مالكٍ فيما عَدا المأكولَ والمشروبَ لا يَدخُلُه مُزابنةٌ إلَّا مِن جِهةِ القِمارِ والمُخاطَرةِ والغَررِ، فتَدخُلُ المُزابَنةُ عندَه فيما يَجوزُ فيه التَّفاضُلُ، وما لا يجوزُ إذا كان المَقصِدُ فيه إلى ما وَصفْنا منَ الغَرَرِ والقِمارِ والخَطرِ... وأمَّا الشَّافعيُّ رَحِمَه اللهُ فقال: جِماعُ المُزابَنةِ: أنْ يُنظَرَ كلُّ ما عُقِدَ بَيعُه ممَّا الفضلُ في بعضِه على بعضٍ يدًا بيَدٍ ربًا؛ فلا يجوزُ منه شَيءٌ يُعرَفُ كيْلُه أو وَزنُه بشَيءٍ جِزافًا، ولا جِزافًا بجِزافٍ من صِنفِه؛ فإمَّا أنْ يقولَ لكَ: أضمَنُ لكَ صُبرتَكَ هذه بعِشرينَ صاعًا، فما زادَ فَلِي، وما نقَصَ فعلَيَّ تمامُها، فهذا منَ القِمارِ والمُخاطَرةِ، وليْس منَ المُزابَنةِ) ((الاستذكار)) (6/334-335).

انظر أيضا: