الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالثُ: حُكمُ الوَكالةِ


تجوزُ الوَكالةُ في الجُملةِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكِتابِ
1 - قَولُه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة: 60] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى جوَّز العمَلَ عليها، وذلك بحُكمِ النِّيابةِ عن المُستَحِقِّين [5] ((المغني)) لابن قدامة (5/63). .
2 - قَولُه تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ [الكهف: 19] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه سُبحانَه لَمَّا أضاف الوَرِقَ إلى جميعِهم وجَعَل لهم استنابةَ أحَدِهم، دَلَّ على جوازِ الوَكالةِ وصِحَّةِ الاستِنابةِ [6] يُنظَر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (6/493)، ((المغني)) لابن قدامة (5/63). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُرْوةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعطاه دينارًا يَشتَري به شاةً، فاشتَرى له به شاتَينِ، فباعَ إحداهما بدينارٍ، وجاءَه بدينارٍ وشاةٍ، فدَعا له بالبَرَكةِ في بَيعِه، وكان لو اشتَرى التُّرابَ لرَبِحَ فيه [7] أخرجه البخاري (3642). .
2- عن فاطِمةَ بنتِ قيسٍ رضِي اللهُ عنها: أنَّ أبا عَمرِو بنَ حَفصٍ طلَّقها البتَّةَ وهو غائِبٌ، فأرسَل إليها وَكيلَه بشَعيرٍ فسَخِطَتْه، فقال: واللهِ ما لكِ علينا مِن شيءٍ، فجاءت رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكرَت ذلك له، فقال لها: ((ليس لكِ عليه نَفقةٌ)) [8] أخرجه مسلم (1480). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
الحديثُ يدُلُّ على مشروعيَّةِ الوَكالةِ؛ لأنَّها قد رَفَعَت أمرَ وكيلِ مُطَلِّقِها إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يُنكِرْ عليها، وفي هذا إقرارٌ منه للوَكالةِ [9] يُنظَر: ((شرح أدب القاضي)) للخصاف (3/402). .
3- عن أبي هُرَيرةَ وزَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قالا: كنَّا عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقام رجلٌ فقال: ((أَنشُدُك اللهَ إلَّا قضَيتَ بيننا بكتابِ اللَّهِ، فقام خَصمُه وكان أفقَهَ منه، فقال: اقضِ بينَنا بكِتابِ اللهِ، وأْذَنْ لي؟ قال: قُلْ، قال: إنَّ ابني كان عَسيفًا على هذا فزنى بامرأتِه، فافتدَيتُ منه بمائةِ شاةٍ وخادِمٍ، ثُمَّ سألتُ رِجالًا من أهلِ العِلمِ، فأخبَروني أنَّ على ابني جَلدَ مائةٍ وتغريبَ عامٍ، وعلى امرأتِه الرَّجمَ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي نفسي بيَدِه لأقضِيَنَّ بينكما بكتابِ اللهِ جَلَّ ذِكرُه: المائةُ شاةٍ والخادِمُ رَدٌّ عليك، وعلى ابنِك جَلدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ، واغْدُ يا أُنَيسُ على امرأةِ هذا، فإن اعتَرَفَت فارجُمْها، فغدا عليها فاعتَرَفَت فرَجَمها)) [10] أخرجه البخاري (6827، 6828)، واللفظ له، ومسلم (1697، 1698). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكَّل أُنَيسًا في إثباتِ واستيفاءِ حَدِّ الزِّنا [11] يُنظَر: ((كشاف القناع )) للبُهوتي (3/ 465).                  .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((أتى رجُلٌ مِن أسلَمَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في المسجِدِ فناداه فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ الأَخِرَ قد زنى -يعني نفسَه- فأعرَضَ عنه، فتنحَّى لشِقِّ وَجهِه الذي أعرَضَ قِبَلَه، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ الأَخِرَ قد زنى، فأعرَضَ عنه، فتنحَّى لشِقِّ وَجهِه الذي أعرَضَ قِبَلَه، فقال له ذلك، فأعرَض عنه، فتنحَّى له الرَّابعةَ، فلمَّا شَهِد على نفسِه أربَعَ شَهاداتٍ دعاه، فقال: هل بكَ جُنونٌ؟ قال: لا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اذهَبوا به فارجُموه، وكان قد أُحصِنَ)) [12] أخرجه البخاري (5271)، واللفظ له، ومسلم (1691). .
5- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمعاذِ بنِ جَبَلٍ حينَ بعَثَه إلى اليَمَنِ: ((إنَّك ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فإذا جِئْتَهم فادْعُهم إلى أن يَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبِرْهم أنَّ اللهَ قد فرَض عليهم خمسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرْهم أنَّ اللهَ قد فرض عليهم صَدَقةً تؤخَذُ من أغنيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإيَّاكَ وكرائمَ أموالِهم، واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنَّه ليس بينَه وبينَ اللهِ حجابٌ)) [13] أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحديثِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يبعَثُ الصَّحابةَ لقَبضِ الصَّدَقاتِ وتفريقِها [14] يُنظَر: ((المغني)) لابن قدامة (5/66). ، وفيه دَلالةٌ على جوازِ الوَكالةِ.
ثالثًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ [15] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَع كُلُّ من نحفظُ عنه من أهلِ العِلمِ أنَّ للمَريضِ العاجِزِ عن الخروجِ إلى مجلِسِ الحُكمِ، والغائِبِ عن المِصرِ، يوكِّلُ واحدٌ منهما وكيلًا يُطالِبُ له حَقَّه، ويتكَلَّمُ عنه). ((الإجماع)) (ص: 133). ، وابنُ حَزمٍ [16] قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفَقوا على جوازِ الوكالةِ في البيعِ والشِّراءِ وحِفظِ المتاعِ، وقَبضِ الحُقوقِ من الأموالِ ودَفعِها، والنَّظَرِ في الأموالِ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 61). ، وابنُ عَبدِ البَرِّ [17] قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (لا خِلافَ في جوازِ الوكالةِ عِندَ العُلَماءِ). ((التمهيد)) (2/108). ، وابنُ قُدامةَ [18] قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَت الأمَّةُ على جوازِ الوكالةِ في الجُملةِ). ((المغني)) (5/63). .
رابعًا: لأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك؛ فإنَّه لا يمكِنُ كُلَّ واحِدٍ فِعلُ ما يحتاجُ إليه، فدعَت الحاجةُ إليها [19] ((المغني)) لابن قدامة (5/63). .

انظر أيضا: