الموسوعة الحديثية


- واللَّهِ ما خلقَ اللَّهُ مؤمنًا يسمعُ بي إلَّا أحبَّني قلت: وما علمُكَ بذاكَ؟ قالَ: إنَّ أمِّيَ كانت مشرِكةً وَكنتُ أدعوها إلى الإسلامِ، وَكانت تأبى عليَّ فدعوتُها يومًا فأسمعَتني في رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم ما أَكرَهُ فأتيتُهُ أبْكي وسألتُهُ أن يدعوَ لَها فقالَ: اللَّهمَّ اهدِ أمَّ أبي هريرةَ، فخرجتُ أعدو أبشِّرُها فأتيتُ فإذا البابُ مجافٌ وسمعتُ خضخضةَ الماءِ وسمعَت حسِّي فقالت كما أنتَ ثمَّ فتحت وقد لبست درعَها وعجَّلت عن خِمارِها فقالت أشْهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأشْهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ فرجعتُ إلى رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم أبْكي منَ الفرحِ فأخبرتُهُ فقلتُ ادعُ اللَّهَ يا رسولَ اللَّهِ أن يحبِّبني وأمِّيَ إلى عبادِهِ المؤمنينَ فقالَ اللَّهمَّ حبِّب عُبيدَكَ هذا وأمَّهُ إلى عبادِكَ المؤمنينَ وحبِّبْهم إليْهما
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الذهبي | المصدر : تاريخ الإسلام | الصفحة أو الرقم : 4/351 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدُّعاءُ للكُفَّارِ والمُشْرِكين بالهِدايةِ، سُنَّةٌ نَبويَّةٌ أنْقَذَتْ وأسْعَدَتْ الكَثيرينَ كأُمِّ أبي هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه، كما في هذا الحَديثِ الذي يُوضِّحُ مَدَى رَحمتِهِ بالمُخالِفينَ؛ وفيه يَحكي التابِعيُّ أبو كَثِيرٍ السُّحَيْميُّ عن أبي هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه أنَّه قال: "واللهِ ما خَلَقَ الله مؤمنًا يَسْمَعُ بي إلا أحبَّني"، أي: بمجرَّدِ سماعِهِ عنه، وإنْ لم يَعرِفْه، قال أبو كَثيرٍ: "قُلْتُ: وما عِلْمُك بذاك؟"، أي: ومَن الذي أخْبَرَك بهذا، وهو أمْرٌ قلْبي وغيْبيٌّ لا يعْلَمُهُ إلَّا اللهُ؟ فقالَ أبو هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه: "إنَّ أُمِّي كانتْ مُشْرِكَةً، وكنْتُ أدْعوها إلى الإِسْلامِ، وكانتْ تَأْبَى عليَّ"، أي: ترْفُضُ الاستجابةَ لذلك، "فدعوْتُها يومًا فأسْمعتْني في رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما أكْرَهُ"، أي: قالتْ في حقِّهِ وشأنِه، شيئًا أَكرَهُه مِنَ الكلامِ، كالإِساءَةِ في القَوْلِ ونحوِها، "فأتَيْتُهُ أبْكي"، أي: جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَبكي مِنَ الحُزْنِ حيثُ لم يقدِرْ على تأديبِها؛ لِكونِها أُمَّهُ، "وسألْتُهُ أنْ يَدْعُوَ لها" يَعني بالهِدايةِ والإسلامِ، فأجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في طلبِهِ فدَعا: "اللَّهمَّ اهْدِ أُمَّ أبي هُرَيْرَةَ"، قال أبو هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه: "فخرجْتُ أَعْدو أُبَشِّرُها"، أي: خرجْتُ مُسْرِعًا مَسْرورًا مُنشرِحًا بِدعوتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأُبَشِّرَها، "فأتيْتُ فإذا البابُ مُجافٍ"، أي: عندَما وَصلَ إلى بابِ أُمِّهِ، فإذا هو مَردودٌ، ومُغلَقٌ، "وسَمعتُ خَضْخَضَةَ الماءِ"، أي: تَحريكَه وصَوتَه، "وسَمِعتْ حِسِّي"، أي: سمعَتْ أُمُّهُ صوتَه وحَركتَه، "فقالتْ: كما أنت!"، أي: الزَمْ مكانَك يا أبا هُرَيْرَةَ، "ثم فتحَتْ وقد لَبِستْ دِرعَها"، أي: قَميصَها، "وعَجِلَتْ عَن خِمارِها"، أي: أنَّها بَادرَتْ إلى فَتْحِ البابِ بعدَ لُبْسِها الثِّيابَ قبْلَ أنْ تَلبَسَ خمارَها فَفتحَتِ البابَ، "فقالتْ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه" فوَجَدَ أنَّ دعْوةَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أُجيبتْ، وقد دَخَلَتْ أمُّهُ في الإسلامِ، قال أبو هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه: "فرجعْتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبْكي مِنَ الفرَحِ؛ فأخبرْتُه"، أي: أعْلَمتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإسلامِ أُمِّي من أثَرِ دعْوتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقُلْتُ: ادْعُ اللهَ يا رَسولَ اللهِ، أنْ يَحَبِّبَني وأُمِّي إلى عِبادِهِ المُؤْمِنينَ، فقال: اللَّهمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَك هذا" يعني: أبا هُرَيْرةَ، "وأمَّهُ إلى عِبادِكَ المُؤْمِنينَ وحَبِّبْهم إليهما"، أي: اجْعلْ المُؤْمِنينَ يُحِبونَهم، واجْعَلْهم يُحِبون المُؤْمِنين، وهذا الدُّعاءُ هو سَببُ مَقالَةِ أبي هُرَيْرَةَ في أوَّلِ الحديثِ.
وفي الحديثِ: فضْلٌ ومَنْقَبَةٌ لأبي هُرَيْرَةَ رضِي اللهُ عنه وأُمِّهِ رضِي اللهُ عنهما.
وفيه: البِرُّ بالوالدَيْنِ والتأدُّبُ معهما ولو كانَا كافِرَينِ.
وفيه: استجابةُ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الفَوْرِ بِعينِ المسؤولِ، وهو مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( ).