الموسوعة الحديثية


- إنَّ اللهَ زوَى لي الأرضَ فرأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها فإنَّ أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوَى لي منها وأُعطِيتُ الكَنزَيْنِ : الأحمرَ والأبيضَ فإنِّي سأَلْتُ ربِّي لِأُمَّتي ألَّا يُهلِكَها بسَنةٍ عامَّةٍ وألَّا يُسلِّطَ عليهم عدوًّا مِن سوى أنفسِهم فيَستبيحَ بَيْضَتَهم فإنَّ ربِّي قال : يا مُحمَّدُ إنِّي إذا قضَيْتُ قضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ وإنِّي أُعطيكَ لِأُمَّتِكَ ألَّا أُهلِكَهم بسَنةٍ عامَّةٍ وألَّا أُسلِّطَ عليهم عدوًّا مِن سوى أنفسِهم فيستبيحَ بَيْضَتَهم ولوِ اجتَمَع عليهم مِن أقطارِها أو قال : مَنْ بَيْنَ أقطارِها حتَّى يكونَ بعضُهم يُهلِكُ بعضًا ويَسبي بعضُهم بعضًا ) قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( إنَّما أخافُ على أُمَّتي مِن الأئمَّةِ المُضلِّينَ وإذا وُضِع السَّيفُ في أُمَّتي لَمْ يُرفَعْ عنها إلى يومِ القيامةِ ولا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يلحَقَ قبائلُ مِن أُمَّتي بالمُشرِكينَ وحتَّى تُعبَدَ الأوثانُ وإنَّه سيكونُ في أُمَّتي ثلاثونَ كذَّابونَ كلُّهم يزعُمُ أنَّه نَبيٌّ وإنِّي خاتَمُ النَّبيِّينَ لا نَبيَّ بعدي ولنْ تزالَ طائفةٌ مِن أُمَّتي على الحقِّ ظاهرينَ لا يضُرُّهم مَن يخذُلُهم حتَّى يأتيَ أمرُ اللهِ )
الراوي : ثوبان | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم : 7238 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه

إنَّ اللَّهَ زَوَى لي الأرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، وإنَّ أُمَّتي سَيَبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنْها، وأُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ، وإنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتي أنْ لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وإنَّ رَبِّي قالَ: يا مُحَمَّدُ، إنِّي إذا قَضَيْتُ قَضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ، وإنِّي أعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أنْ لا أُهْلِكَهُمْ بسَنَةٍ عامَّةٍ، وأَنْ لا أُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن سِوَى أنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، ولَوِ اجْتَمَع عليهم مَن بأَقْطارِها -أوْ قالَ: مَن بيْنَ أقْطارِها- حتَّى يَكونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، ويَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2889 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُبشِّرُ أصْحابَه بالفُتُوحاتِ؛ ليُثبِّتَ قُلُوبَهم، ودَليلًا على صِدقِ رِسالتِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضِ ما أنْعَمَ اللهُ سُبحانَه وتَعالَى عَليه وعَلى أُمَّتِه، وعن سَعةِ انتِشارِها في الأرضِ؛ فيَقولُ: «إنَّ اللهَ زَوى ليَ الأرضَ»، أي: قَبَضَها وجَمَعَها مرَّةً واحدةً أمامي، فرَأيْتُ مَشارقَها ومَغاربَها وجَميعَ أقطارِها ونَواحِيها، حتَّى أبصَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما تَملِكُه أُمَّتُه مِن أقْصى المشارِقِ والمغارِبِ منها، «وإنَّ مُلْكَ أُمَّتي سَيَبلُغُ ما زُوِيَ لي» مِنَ الأَرضِ، ثُمَّ هيَ تُفتَحُ لأُمَّتي جُزءًا فجُزءًا حتَّى يَصِلَ مُلكُ أُمَّتي ما زُوِيَ لَه مِنها، «وأُعْطِيتُ الكَنزَيْنِ الأَحمرَ والأَبيضَ»، أي: كَنزَ الذَّهبِ والفضَّةِ، والمُرادُ كَنزَيْ كِسْرى وقَيصَرَ مَلِكَي العراقِ والشَّامِ.
ثُمَّ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «سَألتُ رَبِّي ودَعوتُه لأُمَّتي أنْ لا يُهلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ»، أي: بقَحطٍ يَعُمُّهم، بلْ إنْ وَقَع قَحطٌ فيَكونُ في ناحيةٍ يَسيرةٍ بالنِّسبةِ إلى باقِي بلادِ الإِسلامِ، «وألَّا يُسلِّطَ عليهم عدُوًّا مِن الكافرينَ مِن سِوى أَنفسِهم، فيَستبِيحَ بَيْضتَهم»، أي: يُفْني جَماعتَهم وأَصلَهم، والبَيضةُ أيضًا العزُّ والمُلكُ.
ثمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما قاله له رَبُّ العِزَّةِ، وأنَّه سُبحانه قال: «يا مُحمَّدُ، إِنِّي إذا قضيتُ قضاءً فإنَّه لا يُرَدُّ»، أي: إذا حَكمتُ حُكمًا مُبرَمًا، فإنَّه لا يُرَدُّ بشَيءٍ بلْ يَنفَذُ لا مَحالةَ، وإنِّي أَعطيتُك لأُمَّتِك ألَّا أُهلِكَهم بسَنَةٍ عامَّة بقَحطٍ وجُوعٍ وشِدَّةٍ، وألَّا أُسلِّطَ عَليهم عدوًّا مِن سِوى أَنفسِهم، يَستبيح بَيضتَهم، وَلو اجتَمعَ عَليهم مَن بأَقطارِها، والمَعنى: فَلا يَستبيحُ عدوٌّ منَ الكُفَّار بَيْضتَهم، ولوِ اجتمعَ على مُحاربتِهم أعداءُ المسْلِمين جميعًا، حتَّى يَكونَ بعضُ المسْلِمين يُهلِكُ بعضًا آخَرَ منهم، ويَسبِي ويَأسِرُ بَعضُهم بَعضًا، فإذا كان مِن المسْلِمين ذلكَ تَفرَّقَت جَماعتُهم واشتَغَلَ بعضُهم ببَعضٍ عن جِهادِ العَدوِّ، فتَقْوى شَوكةُ العدوِّ ويَسْتولى عليهم.
وهذا الحديثُ يُبيِّنُ أنَّ للهِ تعالَى في خَلقِه قَضاءينِ: قَضاءً مُبْرَمًا وقَضاءً مُعلَّقًا، أمَّا القضاءُ المعلَّقُ وهو المكتوبُ في الصُّحفِ الَّتي في أيْدي الملائكةِ، فهو عبارةٌ عمَّا قَدَّره في الأزلِ مُعلَّقًا بفِعلٍ، مثلُ: إنْ فُعِلَ الشَّيءُ الفُلانيُّ كان كذا وكذا، وإنْ لم يُفعَلْ فلا يكونُ كذا وكذا، فهذا القضاءُ هو مِن قَبيلِ ما يَتطرَّقُ إليه المحْوُ والإثباتُ، وأمَّا القضاءُ المُبْرَمُ فهو عبارةٌ عمَّا قَدَّره سُبحانَه وتَعالَى في الأزلِ مِن غيرِ أنْ يُعلِّقَه بفِعلٍ، فهو في الوقوعِ نافذٌ غايةَ النَّفاذِ، بحيث لا يَتغيَّرُ بحالٍ، ولا يَتوقَّفُ على المَقْضي عليه، ولا المَقْضي له؛ لأنَّه مِن عِلمِه بما كان وما يكونُ، وخِلافُ مَعلومِه مُستحيلٌ قطْعًا، وهذا مِن قَبيلِ ما لا يَتطرَّقُ إليه المحْوُ والإثباتُ.
وفي الحديثِ: بَيانُ عَظَمةِ مَنزِلةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى؛ حيثُ أكرَمَه بإعطاءِ ما سَألَه في أُمَّتِه.
وفيه: بَيانُ عَظَمةِ هذا الدِّينِ، وأنَّه يَملَأُ الأرضَ كلَّها.