الموسوعة الفقهية

المَطلَب الثَّاني: عَلاماتُ البُلوغِ


الفَرعُ الأوَّل: الاحتلامُ
الاحتلامُ [792] الاحتلام: هو إنزالُ الماءِ الدَّافِقِ في المنامِ، وفي حُكمِه الإنزالُ في اليَقظةِ، سواءٌ كان بجِماعٍ أو غيرِه. للرَّجُل والمرأةِ علامةٌ مِن علاماتِ البُلوغِ قال الكاسانيُّ: (إذا ثبت أنَّ البلوغ يثبت بالاحتلام يثبت بالإنزال؛ لأنَّ ما ذكرنا من المعاني يتعلق بالنزول لا بنفس الاحتلام، إلَّا أنَّ الاحتلام سببٌ لنزول الماء عادةً، فعُلِّق الحكم به، وكذا الإحبال؛ لأنَّه لا يتحقَّق بدون الإنزال عادةً). ((بدائع الصنائع)) (7/171).
الدليلُ: مِنَ الإِجْماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: محمَّدُ بنُ داودَ الظاهريُّ قال محمد بن داود الظاهريُّ: (اتَّفق أهلُ العلم إلَّا مَن شذ ممَّن لا يُعدُّ خلافه، على «أنَّ» الاحتلام والحيض بلوغٌ). انظر: ((الإقناع في مسائل الإجماع)) لابن القطان (1/351). ، وابنُ المنذرِ [795] قال ابنُ المنذر: (وأجمع أهلُ العلم على أنَّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل) ((الإشراف)) (7/227). ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (4/512). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (أمَّا الثلاثة المشتركة بين الذكر والأنثى، فأوَّلها خروجُ المني من قُبُله، وهو الماء الدافق الذي يُخلق منه الولد، فكيفما خرج في يقظة أو منام، بجماع، أو احتلام، أو غير ذلك، حصل به البلوغ، لا نعلمُ في ذلك اختلافًا). ((المغني)) (4/345).
الفَرْعُ الثَّاني: الإنباتُ
الإنباتُ [797] قال ابنُ قُدامة في الإنبات: (أن يَنبُت الشعرُ الخشن حولَ ذكَر الرجل، أو فَرْج المرأة، الذي استحقَّ أخْذَه بالموسى، وأمَّا الزغب الضعيف، فلا اعتبارَ به). ((المغني)) (4/345). وقال النوويُّ: (أمَّا الإنبات فهو الشعرُ الخشِن الذى يَنبُت على العانة). ((المجموع)) (13/359). علامةٌ على البلوغِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة [798] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/331)، وينظر: (الاستذكار)) لابن عبد البر (7/335). ، والحنابلة [799] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/237)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدِّين ابن قدامة (4/512). ، وروايةٌ عن أبي يُوسفَ من الحنفيَّة [800] قال ابن عابدين: (لا اعتبارَ لنبات العانة، خلافًا للشافعي، ورواية عن أبي يوسف). ((حاشية ابن عابدين)) (6/153). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَفِ [801] قال ابن حجر: (اعتبر مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: الإنباتَ). ((فتح الباري)) (5/277). ، واختارَه ابنُ حَزمٍ [802] قال ابنُ حزمٍ: (الشرائعُ لا تلزَمُ إلَّا بالاحتلامِ أو بالإنباتِ للرَّجُل والمرأة، أو بإنزالِ الماء الذي يكون منه الوَلَد, وإنْ لم يكن احتلامٌ, أو بتمامِ تسعة عَشرَ عامًا, كل ذلك للرَّجُل والمرأة، أو بالحيضِ للمرأة). ((المحلى)) (1/88). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (ومن علاماتِ البلوغِ: الإنبات). ((فتح القدير)) (1/490). ، والشِّنقيطيُّ قال الشِّنقيطيُّ: (والبلوغُ يكون بعلاماتٍ كثيرة؛ كالإنباتِ). ((أضواء البيان)) (1/545). ، وابنُ باز [805] قال ابن باز: (بلوغ الحُلم يكون بأمورٍ ثلاثة:... الثاني: إنباتُ الشَّعر الخشِن حول الفرْج؛ حول القُبُل، إذا أنبت الشَّعر حول القُبل، يُسمَّى شَعْرَ العانة، ويُسمى الشِّعرة، إذا نبت للرَّجُل أو المرأة هذا الشَّعرُ صار الرجلُ مكلَّفًا، وصارت المرأةُ مكلَّفةً، تجب عليهما الصلاةُ، وصَوْمُ رمضان، والحجُّ إذا استطاع الحجَّ، والمرأة كذلك). ((فتاوى نور على الدرب)) (17/33-34). ، وابنُ عُثَيمين [806] قال ابنُ عُثَيمين: (البلوغ يحصُلُ بواحدٍ من ثلاثةٍ بالنسبَةِ للذَّكَر: إتمامُ خَمْسَ عشرة سَنةً، وإنباتُ العانة، وإنزال المني بشهوةٍ، وللأنثى بأربعةِ أشياء هذه الثلاثة السابقة ورابِعٌ، وهو الحَيْضُ). ((الشرح الممتع)) (6/323).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عطيَّةَ القُرظيِّ، قال: ((كنتُ مِن سَبْي بني قُرَيظةَ، فكانوا يَنظُرون؛ فمَن أَنبتَ الشَّعرَ قُتِل، ومَن لم يُنبِتْ لم يُقْتَل، فكُنتُ فيمَن لم يُنبِتْ قال ابنُ حزمٍ: (لا معنى لِمَن فرَّق بين أحكامِ الإنبات, فأباح سفكَ الدَّمِ به في الأُسارى خاصَّة, جعله هنالك بلوغًا, ولم يجعله بلوغًا في غيرِ ذلك; لأنَّ مِن المحال أن يكون رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يستحلُّ دمَ مَن لم يبلُغْ مبلغَ الرِّجالِ, ويَخْرُج عن الصبيان الذين قد صحَّ نهيُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن قَتْلِهم. ومِن الممتَنِع المحالِ أنْ يكون إنسانٌ واحدٌ رجلًا بالغًا غيرَ رجلٍ ولا بالغٍ معًا في وقتٍ واحدٍ). ((المحلى)) (1/89). )) رواه أبو داود (4404)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (12/539)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (8/264) (3743). صحَّح إسنادَه النوويُّ في ((تهذيب الأسماء واللغات)) (1/335)، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/1008): له طرقٌ أخرى عن عطيَّة، وهو على شرْط الصحيح. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4404)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند)) (942).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ما كان بلوغًا في حقِّ الكافِرِ، كان بلوغًا في حقِّ المسلمِ؛ كالاحتلامِ والسِّنِّ ((المجموع)) للنووي (13/360).
ثانيًا: أنَّ الإنباتَ معنًى يَعرِضُ عندَ البلوغِ؛ فيُحكَمُ به كخروجِ المنيِّ ((الذخيرة)) للقرافي (8/238).
الفَرْعُ الثَّالث: بلوغُ السِّنِّ
حدُّ البلوغِ استكمالُ خَمسَ عَشرةَ سَنةً، الذَّكَرُ والأنثى في ذلك سواءٌ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة [811] ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/166)، وينظر: ((الحاوي)) للماوردي (2/314). ، والحنابلة [812] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/237)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (4/512). ، وقولُ أبي يُوسفَ ومحمَّد بن الحسن من الحنفيَّة [813] قال الكاسانيُّ: (وقد اختلف العلماءُ في أدنى السِّنِّ التي يتعلَّق بها البلوغ.. وقال أبو يوسف ومحمد، والشافعي رحمهم الله: خمسَ عَشرة سنةً في الجارية والغلام جميعًا). ((بدائع الصنائع)) (7/172). ، وبه قال بعضُ السَّلفِ [814] قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقال الشافعي: يُعتبر في المجهول الولادة الإنباتُ، وفي المعلومِ بلوغُ خَمسَ عشرة سنةً، وهو قول بن وهب وابن الماجشون، وبه قال الأوزاعيُّ وأبو يوسف ومحمد في الغلام والجارية جميعًا). ((الاستذكار)) (7/335). وقال أيضًا: (وقيل: خمسَ عَشرةَ سنة، وممَّن قال بهذا عبد الله بن وهب، وعبد الملك بن الماجشون من أصحابِ مالك، وهو قول عُمرَ بن عبد العزيز، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ وجماعة من أهل المدينة وغيرهم، ولم يُفرِّق هؤلاء بين الحدود ووجوب الفرائض). ((الكافي)) (1/333). ، واختاره الصنعانيُّ قال الصنعانيُّ: (فيه دليلٌ على أنَّ مَن استكمل خمسَ عشرةَ سنةً صار مكلَّفًا بالغًا له أحكامُ الرِّجال، ومن كان دونها فلا، ويدلُّ له قوله: «فلم يَرَنِي بلغت»). ((سبل السلام)) (2/81). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (ومن علاماتِ البلوغ: الإنباتُ، وبلوغُ خمسَ عشرة سنةً). ((فتح القدير)) (1/490). ، وابنُ باز [817] قال ابنُ باز: (بلوغ الحُلُم يكون بأمور ثلاثة: أحدها: إكمالُ خمسَ عشرةَ سَنةً، إذا كمل خمس عشرة سنةً صار رجلًا، وهكذا المرأة). ((فتاوى نور على الدرب)) (17/33). ، وابنُ عَثَيمين [818] قال ابنُ عُثَيمين: (البالغ مَن بلغ خمس عشرة سنة، أو أنبت الشعر الخشِن حول القبُل، أو أنزل باحتلام، أو غيره). ((الشرح الممتع)) (12/52).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرَضَه يومَ أُحد، وهو ابنُ أَربعَ عَشرَةَ سَنةً، (قال: ) فلم يُجزِني، ثم عَرَضني يومَ الخَندقِ، وأنا ابنُ خَمسَ عَشرةَ سَنةً، فأجازني )) [819] رواه البخاري (2664)، ومسلم (1868).
ثانيًا: أنَّ المؤثِّرَ في الحقيقةِ هو العقلُ، وهو الأصلُ في البابِ؛ إذ به قوامُ الأحكامِ، وإنَّما الاحتلامُ جُعِلَ حدًّا في الشرعِ لكونِه دليلًا على كمالِ العقلِ، والاحتلامُ لا يتأخَّرُ عن خَمسَ عَشرةَ سَنةً عادةً، فإذا لم يحتلمْ إلى هذه المدَّةِ، عُلِم أنَّ ذلك لآفةٍ في خِلقتِه، والآفةُ في الخِلقةِ لا تُوجِبُ آفةً في العقلِ، فكان العقلُ قائمًا بلا آفةٍ؛ فوجَبَ اعتبارُه في لزومِ الأحكامِ [820] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/172).
الفَرعُ الرَّابع: الحَيضُ للمرأةِ
إذا حاضتِ المرأةُ، فقدْ بلَغَتْ ووجَبَتْ عليها الفرائضُ.
الدَّليل: من الإجماعُ
نقَل الإجماعَ على ذلك: محمَّد بنُ داودَ الظاهريُّ قال محمد بن داود الظاهريُّ في كتابه ((الإيجاز)) كما نقله عنه ابن القطان: (واتَّفق أهلُ العلم إلا مَن شذَّ ممَّن لا يُعدُّ خلافه على أنَّ الاحتلامَ والحيض بلوغٌ) ((الإقناع في مسائل الإجماع)) لابن القطان (1/351). ، وابنُ المنذرِ [822] قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ المرأة إذا حاضت وجبتْ عليها الفرائض). ((الإجماع)) (ص: 42). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (أمَّا الحيض فهو عَلَمٌ على البلوغ، لا نعلم فيه خلافًا). ((المغني)) (4/346).
الفرعُ الخامِسُ: الحمل للمَرأةِ
الحَمْلُ علامةٌ على بُلوغِ المرأةِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة [824] ((حاشية ابن عابدين)) (6/153)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/171). ، والمالكيَّة [825] ((الكافي)) لابن عبد البر (1/331)، ((التاج والإكليل)) للمواق (5/59). ، والشافعيَّة [826] حمْل المرأة عند الشافعيَّة علامة على بلوغها بالإمناء قبل ذلك، فيُحكم بعد الوضع بالبلوغ قَبلَه بسِتَّة أشهر وشيء. يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (4/179)، ((الإقناع)) للشربيني (2/302). ، والحنابلة [827] ((الإنصاف)) للمرداوي (5/238)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (4/512، 514). ؛ وذلك لأنَّ الحَبَل دليلٌ على الإنزالِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى أَجْرَى العادةَ أنَّ الولدَ إنَّما يُخلَقُ مِن ماءِ الرَّجُلِ وماءِ المرأةِ [828] ((روضة الطالبين)) للنووي (4/179)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (4/514).

انظر أيضا: