الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأولُ: وقْفُ المعيَّنِ مجهولِ القَدْرِ أو الصِّفةِ [542] كأن يَقِفَ أرضًا لم يَرَها، ولم يَعلَمْ حدودَها، فهو وقْفٌ معيَّنٌ لكنَّه مجهولٌ


يصِحُّ وقْفُ المعيَّنِ مجهولِ القدْرِ أو الصِّفةِ، وهو مَذهبُ الحنفيَّةِ [543] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/203)، ((الفتاوى الهندية)) (2/355)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/341). ، ومُقتضى مَذهبِ الشافعيَّةِ [544] يصِحُّ عندَ الشافعيَّةِ وقْفُ المشاعِ إنْ جُهِل قدْرُه وصِفتُه، فمِن بابِ أَولى صِحَّةُ غيرِ المشاعِ. ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/238)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/362). ، وهو اختيارُ البُخاريِّ [545] قال البخاريُّ: (بابٌ إذا وقَف أرضًا ولم يبيِّنِ الحُدودَ فهو جائزٌ، وكذلك الصَّدقةُ). ((صحيح البخاري)) (4/11). ، وابنِ تَيميَّةَ [546] قال ابنُ تيميَّةَ: (المجهولُ نوعانِ: مُبهَمٌ، ومعيَّنٌ، مِثل دارٍ لم يَرَها، فمنْعُ هذا بعيدٌ، وكذلك هِبتُه). ((الفتاوى الكبرى)) (5/426). ، وابنِ عُثيمين [547] قال ابن عُثيمين: (الراجحُ أنه يصِحُّ وقْفُ المعيَّنِ، وإن كان مجهولًا؛ لأنَّه تبرُّعٌ محضٌ، إذا أمْضاهُ الإنسانُ نَفَذ). (الشرح الممتع)) (11/17).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنة
عن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((لمَّا نزَلَت لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92] جاء أبو طَلحةَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، يقولُ اللهُ تَبارك وتَعالى في كتابِه: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران: 92] ، وإنَّ أحبَّ أموالي إلَيَّ بِيرُحاءُ -قال: وكانت حَديقةً كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدخُلها، ويَستظِلُّ بها، ويَشرَبُ مِن مائِها- فهي إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وإلى رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أرْجو بِرَّه وذُخْرَه، فضَعْها أيْ رسولَ اللهِ حيث أراكَ اللهُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بَخْ يا أبا طَلحةَ، ذلك مالٌ رابحٌ، قَبِلْناه منك، وردَدْناه عليك، فاجْعَلْه في الأقربينَ، فتَصدَّقَ به أبو طَلحةَ على ذَوي رَحِمِه... )) الحديثَ [548] أخرجه البخاري (2758) واللفظُ له، ومسلم (998).
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ أبا طلحةَ لم يُبيِّنْ حُدودَها [549] ((الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري)) لابن باز (2/458).
ثانيًا: لأنَّ الوقْفَ تبرُّعٌ مَحضٌ، كما لو تَصدَّقَ بدراهمَ بلا عدٍّ، فتصِحُّ وتَنفُذُ [550] ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (11/17).

انظر أيضا: